أوّل الكلام آخره:
- نفذت القوات الخاصة الأمريكية الأسبوع الماضي غارة أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبي إبراهيم القرشي، ما أثار تساؤلات حول مستقبل التنظيم وصلابة أيديولوجيته.
- بالنسبة لضحايا حملات القرشي الوحشية التي شملت الإبادة الجماعية والعنف الجنسي، وللناجين منها، فإن موته لا يعني راحة مستدامة.
- لا يزال مصير العديد من أعضاء داعش غير مؤكد، سواء كانوا في مراكز الاحتجاز أو في بلدانهم الأصلية أو في بلدان ثالثة، هذا مع استمرار حملات الاستقطاب لتجنيد أعضاء جدد.
- يجب على الدول استخدام جميع الوسائل الممكنة لتقديم الإرهابيين إلى العدالة في محاكم قانونية، أو استخدام الأدوات القانونية الدولية لتعزيز المساءلة، على نحو يجعل الأعمال الإرهابية أكثر كلفة.
نفذت القوات الأمريكية الخاصة الأسبوع الماضي غارة استهدفت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبا إبراهيم القرشي وأسفرت عن مقتله عندما أقدم بنفسه على تفجير عبوات ناسفة وقتل نفسه وعائلته. وكان القرشي قد قاد تنظيم داعش منذ وفاة زعيمه السابق أبي بكر البغدادي في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وقد أثار موته أسئلة مهمة حول قدرات داعش التنظيمية على إعادة تجميع صفوفه وتعيين قائد له الأهلية الدينية والتنظيمية التي يزعم أن البغدادي والقرشي كانا يحوزانها. والأهم من ذلك، ونظرًا لظهور فروع لداعش في إفريقيا وجنوب آسيا، أنه لا يعلم حتى الآن تأثير موت القرشي على عمليات هذه الفروع وأيديولوجيتها التي ستشكل العنف والصراع في عدة مواقع حرجة. وإذا كان تنظيم داعش الأساسي غير قادر على التواصل مع فروعه الإقليمية، فإن الجماعات الفرعية مثل ولاية وسط أفريقيا، وولاية غرب أفريقيا، وتنظيم الدولة في خراسان، قد تحصر عملها في النطاق المحلي أو الضيق.
وبالنسبة لضحايا حملة القرشي العنيفة الوحشية، بما في ذلك ما ارتكبه تنظيمه من إبادات جماعية وأعمال عنف جنسي استهدفت المجتمع الإيزيدي على وجه الخصوص، فإن موته قد لا يعني راحة مستدامة، كما أنه لن يجلب أنواع الدعم المطلوبة على نحو عاجل. وقالت نادية مراد، الناشطة في مجال حقوق الإنسان ومؤسسة «مبادرة نادية»، في بيان لها تعليقا على وفاته: «في حين أن ما حدث اليوم يذكرني أنا وزملائي الناجين بأن معاناتنا لم تُنسَ، فما زال من اللازم القيام بالكثير، بما في ذلك وضع الخطط لدعم تعافي المجتمع اليزيدي وبذل المزيد من الجهود لتقديم أعضاء آخرين من داعش إلى العدالة، بما في ذلك تقديمهم إلى المحاكم». وأشارت إلى أن 200 ألف إيزيدي ما زالوا نازحين داخليًا في العراق وما زال حوالي 2800 امرأة وطفل في عداد المفقودين، يُفترض أن تنظيم داعش قد اتخذهم عبيدا. وأفاد فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش (UNITAD) في عام 2021 أن المحققين وصلوا إلى لحظة تاريخية في عملهم، وأن بحوزتهم «أدلة واضحة ومقنعة على أن الجرائم ضد الإيزيديين تشكل بوضوح إبادة جماعية».
ومع ذلك، وكما سجل مركز صوفان في وقت سابق في مشروع لتتبع تأثير كوفيد-19على الجبهات الأمامية للصراع، لا يزال المجتمع الإيزيدي يواجه نقصًا في الخدمات الأساسية والدعم. وقد لخص جاسم قرو سليمان، وهو مدرس إيزيدي، هذه المعضلة بإيجاز: «العودة إلى سنجار صعبة للغاية… أستطيع أن أقول إن [الحال] تشبه [حال] الأغنام من دون راع؛ فالحكومة التي يمكنها الاعتناء بالإيزيديين غائبة». كما أشار أحد العائدين إلى سنجار إلى أن «أهم شيء في سنجار كما أراه هو حل المشكلة الأمنية، ولكن من المهم أيضًا استعادة الخدمات الأساسية؛ فالعديد من القرى تعاني من نقص الخدمات، ولا مراكز رعاية صحية ولا مدارس للتعليم».
ومع تقلص فرص العودة إلى الوطن بالنسبة للعديد من الأفراد المنتسبين إلى داعش وعائلاتهم في مراكز الاحتجاز، وقلة المحاكمات على المستوى الوطني للأفراد المتهمين بجرائم مرتبطة بداعش، فإن حالة عدم اليقين المستمرة تخلق تحديات إنسانية وأمنية على حد سواء. فالظروف القاسية لمن يعيشون في المخيمات – وقلة الاهتمام نسبيًا بمصير الرجال والفتيان في سجون مثل الحسكة إلى أن وقعت حادثة الهروب الأخير من مركز احتجاز الدواعش – تخلق ظروفًا مواتية للتنظيم وللجماعات الإرهابية الأخرى لحشد الدعم والمجندين. والأهم من ذلك، أن هذه الظروف تنزع الشرعية عن سردية حقوق الإنسان والإجراءات القانونية العادلة، وهي السردية الضرورية استراتيجيا لمواجهة داعش. وفي المقابل فإن الإفلات النسبي من العقاب بالنسبة للعائدين إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان ثالثة، نظرًا لندرة الملاحقات القضائية المحلية لأعضاء داعش أو الوضوح فيما يتعلق بعمليات الفحص أو التحقيقات التي سبقت عودتهم وإعادة إدماجهم، يمكن أن يشجع أيضًا أولئك الذين قد يحملون بعض النوايا العنفية في المستقبل.
ويجب على الدول استخدام جميع الوسائل الممكنة لتقديم الإرهابيين إلى العدالة في محاكم قانونية، أو استخدام الأدوات القانونية الدولية لتعزيز المساءلة، على نحو يجعل الأعمال الإرهابية أكثر كلفة. وقد أظهرت المحاكمات الناجحة في أماكن مثل ألمانيا والولايات المتحدة إمكانية محاسبة الأفراد، على الرغم من أن عدد هذه المحاكمات لا يزال متواضعًا. وقد اختارت بعض الدول إجراء محاكمات غيابية لمنتسبي داعش، لتجنب انقضاء فترة التقادم (فيما يتعلق بالجرائم البسيطة نسبيًا). ومن الممكن في بعض السياقات أن تستخدم الإدانة الغيابية دليلا في الإجراءات المدنية، أو تؤدي إلى فئات أعلى من التحذير أو الوضع على قوائم المراقبة، على الرغم من أن مثل هذه المحاكمات أو الإدانات قد لا تكون ممكنة في جميع الحالات. ومن بين التحديات في متابعة مثل هذه القضايا صعوبة الوصول إلى الأدلة، وضمان الإجراءات القانونية الواجبة، والتعقيدات الناشئة عن الوصول إلى الأفراد والمعلومات في مناطق النزاع، وإحجام العديد من الدول والمجتمعات عن إعادة المواطنين الذين قد يستمرون في تشكيل تهديد أمني أو إثارة المعارضة المجتمعية. وحيثما أعادت الدول أفرادًا إلى أوطانهم، فإن التركيز كان إلى حد كبير على النساء والأطفال، أو الأطفال غير المصحوبين بذويهم، فيما ترك مصير الرجال والأولاد الأكبر سنًا في المخيمات مجهولًا.
على الصعيد الدولي، تعمل منظمات مثل UNITAD على جمع الأدلة وتطوير أدوات التحقيق لمساعدة السلطات العراقية والدول المهتمة في التحقيق في جرائم داعش ومقاضاة مرتكبيها. ويسمح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2331 للدول بفرض عقوبات «1267» لمكافحة الإرهاب على الأفراد الذين استخدموا الاتجار بالبشر والعنف الجنسي لتقديم الدعم المالي والمادي لتنظيم داعش أو القاعدة. على أن عددا قليل من الدول، إن وجد، قد فعّل هذا القرار. وبينما أقر مجلس الأمن بالعنف الجنسي تكتيكا من تكتيكات الإرهاب، لا يزال الضحايا والناجون يكافحون من أجل الحصول على الدعم والموارد، ونادرًا ما يُحاسب القادة الإرهابيون على هذه الأعمال. لقد انتهى بمقتل القرشي فصل واحد من فصول قصة داعش، لكن الفصل التالي يجب أن يتضمن عزمًا أقوى على تقديم الجناة إلى العدالة وإعادة التأكيد على المواجهة الطويلة المدى لمختلف أنواع العنف والتكتيكات التي كان القرشي قد ابتدعها أو اتبعها.