أوّل الكلام آخره:
- رحبت الدول الإفريقية ترحيبا حارا بأمر الرئيس بايدن التنفيذي الذي يقضي بإلغاء الحظر على دخول رعايا بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة.
- ستؤثر الاستجابة المحلية للدعوات المطالبة بالعدالة العرقية في التصورات الإفريقية عن الولايات المتحدة.
- ستلعب بعض الاختيارات لبعض المناصب الأساسية في الإدارة الجديدة (كتعيين ليندا توماس غرينفيلد ولويد أوستن ودانا بانكس) دورا محوريا في تحديد السياسة الأمريكية في إفريقيا.
- سيكون للاستراتيجيات المعتمدة لمكافحة الإرهاب أهمية حاسمة في مواجهة المنتسبين للقاعدة وداعش أو المرتبطين بهما، ولا سيما في شرق إفريقيا ومنطقة الساحل.
- بعد الانسحاب العسكري الأخير، ستحتاج إدارة بايدن إلى إعادة النظر على الفور في المشاركة العسكرية الأمريكية في الصومال.
بعد فترة وجيزة من أداء الرئيس الأمريكي جو بايدن القسم الدستوري في 20 كانون الثاني / يناير، باشرت الإدارة الجديدة بعملها. ومن بين المبادرات السياسية الأولى التي كان لها وقع جيد في إفريقيا مبادرة إلغاء «حظر المسلمين» الذي فرضته الإدارة السابقة. وقد تبيّن أن الأمر التنفيذي للرئيس بايدن أثر في العديد من البلدان الإفريقية رغم أنه يستهدف أصلا دولا محددة ذات أغلبية مسلمة. وكانت تشاد واحدة من أكثر الدول المحيرة المدرجة على اللائحة، نظرا إلى أنها لا تستضيف أي جماعات جهادية. وقد رحبت الدول الإفريقية بقرار إلغاء الحظر. ووفقا لمركز برينان للعدالة القضائية، منع ما لا يقل عن 42,000 شخص من دخول الولايات المتحدة بسبب قرار «حظر المسلمين».
وفي حين أن هذه الخطوة التي قام بها الرئيس بايدن تحمل تداعيات إيجابية على نظام الهجرة الأمريكي والقوة الناعمة على نطاق أوسع، إلا أن كيفية تعامل إدارة بايدن مع قضايا العدالة العرقية محليا ستحمل أيضا تداعيات أوسع على صعيد السياسة الخارجية. ولا يمكن النظر إلى التعاون بين حركة «حياة السود معتبرة» وإدارة بايدن وهاريس إلا على نحو إيجابي في إفريقيا. وعلاوة على ذلك، استفادت دول مثل نيجيريا، التي تضم نسبة عالية من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، من منصات مثل منصة تويتر لتنظيم احتجاجات ضد فساد الشرطة وإساءة معاملتها في الأشهر الأخيرة من حملة إنهاء سارس. وقد عززت منصات وسائل التواصل الاجتماعي الصدى العالمي لحركات العدالة الاجتماعية وساعدت في تكوين زخم للعمل السياسي ودعت إلى مساءلة الحكومة في جميع أنحاء العالم. وفي حين أن إدارة بايدن وهاريس قد تسعى إلى تجنب سياسة التدخل المفرط في إفريقيا، فإنها ستخلق فرصا للتعاون بين منظمات المجتمع المدني الأمريكية والإفريقية بشأن قضايا حقوق الإنسان، وخاصة فيما يتعلق بإصلاح قطاع الشرطة والأمن، ويشمل ذلك تفعيل قانون Global Fragility Act المعد لمواجهة العنف الموجه للضعفاء.
ملء المناصب الأساسية في الإدارة الجديدة
من بين الأعضاء الأكثر خبرة في إدارة بايدن الجديدة الذين سيقدمون المشورة بشأن قضية إفريقيا ليندا توماس غرينفيلد، المرشحة لتكون سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وقد شغلت منصب مساعدة وزير الخارجية لشؤون إفريقيا خلال ولاية الرئيس أوباما الثانية، والوزير لويد أوستن، الذي تأكد مؤخرا تسلمه وزارة الدفاع. وعلى الرغم من أن مبادرة الطاقة لإفريقيا التي أطلقها الرئيس أوباما لم تجر بالوتيرة المطلوبة، فمن المحتمل أن يقوم فريق بايدن وهاريس بتجديد تركيز الولايات المتحدة على التعاون مع الدول الإفريقية في المجالات الاقتصادية وجائحة كورونا والمناخ والهجرة والعدالة الاجتماعية. والجدير بالذكر أن الوزير أوستن كان قائد العمليات الوسطى في إدارة أوباما وهو الذي سيحدد اليوم أولويات الجيش الأمريكي وكيفية الانخراط في مكافحة الإرهاب في إفريقيا. فضلا عن ذلك، ستستلم دانا بانكس أول إدارة في عهد إدارة إدارة بايدن هاريس للشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي. وتتمتع بانكس بخبرة واسعة في الخدمة الخارجية في إفريقيا وستكون رصيدا هاما لتطوير سياسات إدارة بايدن في إفريقيا.
مكافحة الإرهاب
سيتعين على الوزير أوستن، أن يعالج حقيقة أن داعش تكتسب قوة في جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية وقد أثبتت بالفعل قدرتها على الصمود في القرن الإفريقي والساحل. وقد يؤتي التعاون مع الشركاء الأوروبيين ثماره، فعلى سبيل المثال، تنشط فرنسا بالفعل في محاربة داعش في الصحراء الكبرى وتنظيم القاعدة في المنطقة. وفضلا عن ذلك، قد تكثف فرنسا جهودها لمكافحة داعش في ولاية إفريقيا الوسطى في الموزمبيق من القواعد الفرنسية في جزيرة مايوت القريبة. وفي الوقت نفسه، سيتعين على الوزير أوستن العمل مع دول جنوب إفريقيا التي تسهم في دعم الجيش الموزمبيقي، بما في ذلك جنوب إفريقيا وزيمبابوي وملاوي. وقد قامت الولايات المتحدة بالفعل ببناء منشآت عسكرية واسعة في النيجر تمكّنها من مواجهة داعش في الصحراء الكبرى وكذلك قيادة المراقبة الجوية في نيجيريا. وقد صنفت الأمم المتحدة عددا من فروع داعش والقاعدة على لائحة الإرهاب بموجب لجنة الجزاءات 1267، على نحو يدوّل العقوبات المصممة لمنعها من الحصول على الدعم والموارد. ومع تولي الرئيس بايدن منصبه، ظهرت تقارير تفيد بأن تشاد والكاميرون يخططان لدخول الأراضي النيجيرية لمحاربة داعش في مقاطعة غرب إفريقيا، المعروف باسم بوكو حرام، من خلال شن هجوم جديد. وقد يتفيد هذا الجهد الإقليمي ضد داعش في مقاطعة غرب إفريقيا من دعم الاستخبارات الأمريكية.
وإلى جانب العمليات الحركية ضد داعش والقاعدة في إفريقيا، سيتعين على إدارة بايدن أيضا العمل مع الشركاء الوطنيين لقطع مصادر التمويل الجهادية. وحتى اليوم، كانت التصنيفات الإرهابية الأجنبية ضد هذه الجماعات رمزية إلى حد كبير، ولكنها شكلت أيضا مسوّغا للعمل العسكري الأمريكي والعقوبات الأمريكية. وبالرغم من ذلك، تفيد التقارير باستمرار داعش في مقاطعة غرب إفريقيا وفي ولاية إفريقيا الوسطى وحركة الشباب في تلقي الدعم المادي من الخارج وبخاصة من دول الخليج. ومن الممكن أن تستخدم الولايات المتحدة أجهزتها الاستخباراتية وشراكاتها وكذلك التصنيفات الإرهابية الأجنبية للتحقيق بشكل أكثر فعالية وتقييد أي كيانات متورطة في هذه المعاملات المالية ومعاقبتها، ولتعزيز دور لجنة الجزاءات 1267التابع للأمم المتحدة عند تجديد ولاية هيئة الخبراء ذات الصلة وفريق الرصد في وقت لاحق من هذا العام.
المشاركة العسكرية الأمريكية في إفريقيا
أما في شرق إفريقيا، فقد قامت إدارة ترامب مؤخرا بسحب جميع القوات الأمريكية من الصومال ضمن خطة لتخفيض قواتها في العالم. وبالتالي، سيتعين على إدارة بايدن أن تقرر ما إذا كانت ستواصل الانسحاب التدريجي على الصعيد العالمي أو في إفريقيا فحسب. ومن المرجح أن يطلب الرئيس بايدن مشورة الوزير أوستن بشأن القوات في كينيا، التي تواصل الغارات الجوية في الصومال وهي أقل عرضة إلى حد ما لهجمات حركة الشباب في هذه البلاد. ومع ذلك، فقد تلجأ إدارة بايدن إلى استخدام قواتها في كينيا لشن عمليات أو تنفيذ عمليات مراقبة في الموزمبيق، إن لم يكن أيضا في الكونغو، التي تستضيف أيضا فرعا لولاية إفريقيا الوسطى على أراضيها. وقد عبّر العديد من الخبراء عن قلقهم من أن تطور داعش في ولاية إفريقيا الوسطى مؤخّرا ونجاحات المتمردين تشبه ما جرى سابقا مع حركة بوكو حرام. وبما أن كينيا حاليا عضو في مجلس الأمن الدولي، فمن المرجح أيضا أن تجدد الدعوة للأمم المتحدة لإدراج حركة الشباب بموجب نظام العقوبات على الإرهاب، مما سيشعل جدلا خلافيا حول تأثير تدابير مكافحة الإرهاب في العمل الإنساني.
ومع ذلك، فإن الخطر الذي تواجهه إدارة بايدن وهاريس، وهو الحال مع إدارة أوباما، هو أن إفريقيا ستكون على لائحة الأولويات الجيوسياسية الرئيسة. وتواصل الصين بناء الموانئ والبنية التحتية البحرية في شرق إفريقيا، كما أنها كثفت مشاركتها في مكافحة الإرهاب في إفريقيا من خلال الأمم المتحدة، وقدمت أول بيان رئاسي لها على الإطلاق في مجلس الأمن في آذار / مارس الماضي، واستثمرت بكثافة أكبر في بناء القدرات في مجال مكافحة الإرهاب على هذه القارة. وفضلا عن ذلك، يتزايد النفوذ الروسي، ولا سيما في جمهورية إفريقيا الوسطى ومن خلال مبيعات الأسلحة في بلدان الساحل. وسيكون بمقدور الحكومات والمواطنين الأفارقة معرفة ما إذا كان النهج الأمريكي تجاه إفريقيا جادا أو مجرد كلام. وسيكون الأمر بيد الدبلوماسيين البارزين في إدارة بايدن لضمان بقاء القارة على رأس لائحة الأولويات والتعامل مع إفريقيا بطريقة موضوعية وهادفة تعكس مجموعة من أولويات الأمن والتنمية وحقوق الإنسان.