أوّل الكلام آخره:
- أعلنت الكويت الثلاثاء وفاة أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي توفي عن عمر يناهز 91 عاما.
- إن وفاة الشيخ صباح، ووفاة السلطان قابوس سلطان عمان قبله في كانون الثاني / يناير، حرمتا المنطقة من اثنين من أكبر صناع السلام في العالم.
- عمل الشيخ صباح وراء الكواليس للتوسط في النزاعات الإقليمية الجارية، وسوف يتردد صدى وفاته في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
- يعود إلى الشيخ صباح فضل توطيد العلاقات الكويتية الأمريكية والروابط المتينة والمستدامة مع الولايات المتحدة.
أعلنت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) وفاة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير البلاد لفترة طويلة، عن عمر يناهز 91 عاما. وكان الشيخ صباح معروفا بأنه دبلوماسي ماهر، سعى في حلّ الصراعات والأزمات في جميع أنحاء الشرق الأوسط على مدى العقود العديدة الماضية. وفي عام 2006، حل الشيخ صباح محل الشيخ سعد العبد الله الصباح، الذي عزل بعد تصويت البرلمان بعد أن حكم لمدة تسعة أيام فقط. وكان الشيخ صباح يعتمد أسلوبا متحفظا لكنه فعال، على النقيض من بعض أصحاب النفوذ الأصغر سنا في المنطقة، بما في ذلك ولي عهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تفتقر سياساته إلى العمق رغم أنه يجري الإعلان عنها بكثير من الصخب. ويوما بعد يوم، يفقد الشرق الأوسط أشخاصا نادرين كالشيخ صباح وكبار رجال الدولة من أبناء جيله، الذين كان ثقلهم يقف موازنا للطيش في عملية صنع القرار عند ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والحاكم الإماراتي محمد بن زايد.
إن وفاة أمير الكويت ووفاة سلطان عمان في وقت سابق من هذا العام، حرمتا المنطقة من اثنين من أكبر صناع السلام في العالم، مما أثار القلق خاصة في ظل التقلبات الشديدة التي تحصل من بلاد الشام حتى الخليج الفارسي. وأثارت وفاة الشيخ صباح حالة من الضبابية في الشؤون الإقليمية للشرق الأوسط، على الرغم من أنه من المتوقع أن يخلف الشيخ نواف الأحمد الصباح أخاه غير الشقيق. ومع ذلك، يتساءل الكثيرون عما إذا كان الشيخ نواف الأحمد الصباح قادرا على مواصلة سياسة سلفه وأن يكون طرفا محايدا وقادرا على تنسيق جهود الوساطة بين الجيران المتخاصمين. وكان جدول أعمال الشيخ صباح يتمحور حول الجهود الإنسانية في المنطقة، بما في ذلك التركيز على محنة اللاجئين. كما لعب أمير البلاد دورا رئيسا في تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 وتطويره على مر السنين. وكان الشيخ صباح مستاء وهو يراقب السعوديين وهم يقسمون دول مجلس التعاون الخليجي من خلال قيامهم بتصرفات وسياسات تضر بدول الخليج العربية الأخرى.
وعمل الشيخ صباح وراء الكواليس للتوسط في النزاعات الإقليمية الجارية، ومنها الحصار الذي تفرضه السعودية على قطر، والذي بدأ عام 2017 ولا يزال مستمرا حتى يومنا هذا. وفي ظهور للشيخ صباح في البيت الأبيض عام 2017، سلط الضوء على حدة أزمة الحصار وحذر من تطور الوضع إلى صراع مسلح في حال عدم بذل جهود دبلوماسية متفانية لحله. وقد وفرت له خبرته في وزارة الخارجية الكويتية التي دامت أربعة عقود رؤية فريدة لمواجهة تحديات السياسة الخارجية في الشرق الأوسط والخليج الفارسي. وقد ساهم الشيخ صباح، المعروف أيضا باسم «عميد الدبلوماسية العربية» أو « حكيم العرب» في جهود الوساطة خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت خمسة عشر عاما من عام 1975 إلى عام 1990، كما لعب أيضا دورا حاسما في محاولة حل الصراعات اليمنية العديدة على مر السنين.
وتمكن الشيخ صباح خلال فترة ولايته وقبلها فترة عمله في الدولة من التعامل مع عدة أزمات ضخمة، من غزو صدام حسين للكويت عام 1990 إلى الربيع العربي عام 2011، إلى تقلبات أسعار النفط مؤخرا، وزيادة الحاجة إلى دعم السلة الغذائية محليا. وبعد التدخل الأمريكي لطرد صدام والقوات العراقية في حرب الخليج الأولى، يعود فضل توطيد علاقات كويتية أمريكية وروابط متينة مع الولايات المتحدة على مدى تعاقب عدة إدارات أمريكية إلى الشيخ صباح. ومما لا شك فيه أن القواعد العسكرية الأمريكية في الكويت كانت مفيدة لتمكين الولايات المتحدة من تنفيذ سياستها الخارجية والأمنية، وكانت محورية للتدخلات الأمريكية في أفغانستان والعراق، وللمعركة الجارية ضد تنظيم داعش. وبعد وفاة الشيخ صباح، قال وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر إنه بغض النظر عن المبادرات التي يعمل عليها، فإن الأمير الكويتي «ظل يركز على مساعدتنا في بناء عالم أفضل». ترك الشيخ صباح فراغا كبيرا بعد وفاته من الصعب ملؤه، وهذا سيترك أثرا سلبيا بلا شك في جهود الدبلوماسية وصنع السلام في جميع أنحاء المنطقة.