أوّل الكلام آخره:
- انتهت الجولة الأولى من الانتخابات في كولومبيا بانتقال اثنين من المرشحين المناهضين للمؤسسة الحاكمة إلى جولة الإعادة المقرر إجراؤها في 19 حزيران (يونيو)، بعد أن عجز مرشح الاستمرارية عن تحصيل ما توقعه له العديد من المحللين السياسيين.
- بشكل عام، تشير نتائج الانتخابات إلى تراجع تأثير النزعة المحافظة التقليدية الشعبية في كولومبيا والتي سادت لعقود من الزمن، والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي.
- كان تزايد الفقر واتساع نطاق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي من النتائج الثانوية للوباء، وقد كان من أثر ذلك انتشار البطالة وانكماش الاقتصاد.
- قد يؤدي التحول نحو السياسة اليسارية إلى تعريض علاقة كولومبيا بالولايات المتحدة للخطر، بعد عقدين من الشراكة القوية.
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات في كولومبيا بانتقال اثنين من المرشحين المناهضين للمؤسسة الحاكمة إلى جولة الإعادة المقرر إجراؤها في 19 حزيران (يونيو)، بعد أن عجز مرشح الاستمرارية عن تحصيل ما توقعه له العديد من المحللين السياسيين. وقد حاز بنتيجة الجولة الأولى جوستافو بيترو على 40.3 % من الأصوات، وهو مرشح يساري، كان رئيسا لبلدية بوغوتا في السابق، كما كان عضوا في مجلس الشيوخ. وكان أيضًا، في سنوات شبابه، عضوًا في حرب العصابات في حركة 19 نيسان (أبريل) (M-19)، وهي جماعة متمردة ما لبثت أن انخرطت في العمل السياسي. وقد يعكس قبول الناخبين الكولومبيين لبيترو تحولا في المزاج العام الذي كان مناوئا للسياسات اليسارية التي ارتبطت في السابق بالحركات المتمردة. وحل قطب القطاع العقاري الشعبوي اليميني المتطرف رودولفو هيرنانديز في المرتبة الثانية، وحصل على 28.1 % من الأصوات. وقد تميزت حملة هيرنانديز بالفعالية وتضمنت التواصل مع مجموعات سكانية مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتمحور خطاب هيرنانديز حول إعلان حالة الطوارئ واتخاذ تدابير جذرية أخرى للقضاء على الفساد والهدر في الإنفاق الحكومي، مما يشير إلى أجندة غير ليبرالية أكثر مما يشعر به معظم الكولومبيين. وقد أطلق البعض على هيرنانديز لقب «دونالد ترامب الكولومبي». ولم يكن هيرنانديز ينتمي رسميًا إلى أي من الأحزاب السياسية الرئيسية في كولومبيا، وكان يصور نفسه على أنه «دخيل» يمكنه تولي المنصب وتنظيف الحكومة.
واحتل المرشح «المؤسسي»، فيديريكو جوتيريز، المرتبة الثالثة بـ 24 % من الأصوات أي بأربع نقاط مئوية خلف هيرنانديز. ومع اقتراب موعد الانتخابات في غضون أسابيع قليلة، سيعمل هيرنانديز على تجميع أصوات أولئك الذين سبق لهم دعم جوتيريز. وقد أبدى جوتيريز نفسه دعمه لهيرنانديز، مشيرًا إلى أنه بذلك يحاول منع كولومبيا من التراجع عن مسارها الديمقراطي والانحدار نحو مسار من الفوضى. وعلى الرغم من دعم جوتيريز، فإن برنامج الحملة الانتخابية لهيرنانديز يفتقر إلى مقترحات سياسية ملموسة، باستثناء تركيزه على قضية الفساد. وبشكل عام، تشير نتائج الانتخابات إلى تراجع تأثير النزعة المحافظة التقليدية الشعبية في كولومبيا والتي سادت لعقود من الزمن، والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي. وقد تميزت فترة ولاية الرئيس المنتهية ولايته إيفان دوكي باحتجاجات متفرقة ضد تدهور مستويات المعيشة والزيادات الضريبية التي لا يصاحبها إلا القليل من الفوائد الملموسة للكولومبيين والطبقة الوسطى. وقد صمم بيترو حملته السياسية على الناخبين الشباب، بما في ذلك العديد ممن شكلوا العمود الفقري لهذه الاحتجاجات. وكان البعض ينتقد بشدة الطريقة التي تعاملت بها إدارة دوكي مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (فارك) خلال مفاوضات السلام.
وفي السنوات الأخيرة، ابتليت كولومبيا بتصاعد العنف وتآكل الثقة الشعبية في المؤسسات القائمة، بما في ذلك الحكومة والكنيسة والجيش. وقد نتج هذا التآكل في الثقة جزئيًا عن جائحة الكورونا، التي أثرت على جميع جوانب الحياة في كولومبيا. وقد كانت هذه التأثيرات حادة بشكل خاص في الاقتصاد الكولومبي، الذي جعله بيترو محور حملته. وكان تزايد الفقر واتساع نطاق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي من النتائج الثانوية للوباء، وقد أدى ذلك إلى انتشار البطالة وانكماش الاقتصاد، فارتفعت تكاليف المعيشة وتدهورت الخدمات الاجتماعية المقدمة، في ظل بقاء الأجور على حالها. وعلى الرغم من أن اقتصاد كولومبيا كان أفضل حالًا من بعض جيرانها الإقليميين، إلا أنه تأثر بارتفاع معدلات التضخم. ومع ذلك، فلا تزال التوقعات قائمة بنمو كبير في المستقبل، إذ تتوقع بعض التقديرات نموًا يقارب الـ 6 % في عام 2022. وقد تكون رئاسة بيترو خبرًا غير سار للمستثمرين الدوليين، الذين من المحتمل أن يرفضوا مشاريعه القائمة على رفع الضرائب وتنظيم اقتصاد السوق. وكان بيترو ينتقد بشدة النموذج الاقتصادي الرأسمالي في كولومبيا، على نحو يتوافق مع موجة من النقد الذي يوجهه السياسيون اليساريون الآخرون في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية. وأشار بيترو أيضا إلى أنه في ظل قيادته، ستبتعد كولومبيا بسرعة عن صناعات النفط والفحم.
وقد يؤدي التحول نحو السياسة اليسارية إلى تعريض علاقة كولومبيا بالولايات المتحدة للخطر، بعد عقدين من الشراكة القوية. كما أنه سيمثل مرحلة جديدة لكولومبيا، التي كان يحكمها عادة المحافظون والليبراليون، بخلاف دول أخرى في أمريكا اللاتينية حكمها زعماء يساريون كالأرجنتين والبرازيل وتشيلي والمكسيك وبيرو وفنزويلا. وإذا فاز بيترو في جولة الإعادة، فإن كولومبيا ستنضم إلى قائمة متزايدة من دول أمريكا اللاتينية التي انتخبت قادة يساريين في السنوات الأخيرة. وتفضل واشنطن رئاسة هيرنانديز على رئاسة بيترو في كولومبيا، بسبب معارضة بيترو للسياسة الأمريكية المتبعة في مكافحة المخدرات، واحتمال عمله على تقوية العلاقات مع الدول المارقة في المنطقة، من كوبا إلى فنزويلا. ومن المرجح أيضًا أن توفر رئاسة بيترو فرصة للصين وروسيا لتوسيع نفوذهما في أمريكا اللاتينية، وهو تحول جيوسياسي قد يكون له تداعيات مهمة في عصر المنافسة الاستراتيجية المتجددة.