أول الكلام آخره:
- شكّلت غارة 6 تشرين الثاني (نوفمبر) بطائرة بدون طيار على منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تصعيدًا دراماتيكيًّا للعنف على خلفية نتائج الانتخابات الوطنية العراقية في 10 تشرين الأول (أكتوبر).
- يبدو أن الهجوم قد جاء انتقاما لمقتل متظاهر موال لإيران وإصابة آخرين على أيدي قوات الأمن العراقية.
- إن محاولة الاغتيال، التي يحتمل أن تكون بتوقيع إيراني، تظهر استعداد طهران المتزايد لاستخدام العمل العسكري ضد خصومها في الإقليم.
- وقد أرسل الهجوم على رئيس الوزراء رسالة لمجموعة واسعة من الفصائل العراقية مفادها أن الجماعات الموالية لإيران يجب أن تمثّل بشكل جيد في الحكومة التي سيختارها البرلمان الجديد.
في 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، ضربت عدة طائرات مسلحة بدون طيار منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي سعى منذ توليه منصبه في عام 2020 إلى تحقيق التوازن بين مصالح قطبي النفوذ في العراق – الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية في إيران. وبعد الضربة، التي قيل إنها أصابت عددًا من أفراد حرسه الأمني وألحقت بعض الأضرار بمنزله في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، ظهر الكاظمي على التلفزيون العراقي مطالبًا بالتزام الهدوء ومؤكدا على الوحدة الوطنية. وقد جاء الهجوم بعد يوم واحد من اشتباك وقع بين أنصار ميليشيات مدعومة من إيران تعمل بشكل مستقل عن هيكل القيادة الوطنية مع قوات الأمن العراقية عند مدخل المنطقة الخضراء. وقد أسفرت الاشتباكات تلك عن مقتل متظاهر وإصابة عدد آخر فضلا عن عشرات من رجال الأمن، ممّا دفع بالحكومة إلى فتح تحقيق في استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين. ولعلّ مقتل المتظاهر الموالي لإيران يوم الجمعة يكون، على الأقل جزئيًا، الدافع للهجوم على الكاظمي.
ولا شكّ أن مسألة احتمال تورط إيران في محاولة الاغتيال هي اليوم في الواجهة، وهي المسألة التي تدور حولها تحليلات معظم المحللين – فمن المعروف أن إيران زوّدت حلفاءها في العراق، ولا سيما ميليشيا كتائب حزب الله، بطائرات مسلحة بدون طيار، وقد استخدمت الميليشيا طائرات بدون طيار وأسلحة أخرى قدمتها إيران في الهجمات الأخيرة على القواعد التي يستخدمها عناصر الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية الذين يخدمون في العراق. ومن غير المتصور، على الرغم من إنكار بعض المسؤولين الكبار في إيران للمسؤولية واستنكارهم للحدث، أن تقوم الكتائب أو أي فصيل آخر مدعوم من إيران بخطوة دراماتيكية مثل ضربة بطائرة بدون طيار على مقر إقامة رئيس الوزراء دون موافقة صريحة من طهران.
وقد تمثل محاولة الاغتيال والاشتباكات في المنطقة الخضراء تصعيدًا للعنف ناتجًا عن الإحباط الذي أصاب قادة الميليشيات المدعومة من إيران بسبب أدائهم الضعيف نسبيًا في انتخابات 10 تشرين الأول (أكتوبر) في العراق لاختيار 329 نائبا في الجمعية الوطنية. ووفقًا للنظام السياسي العراقي، فإن المجلس الوطني المنتخب حديثًا مكلف باختيار رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء ورئيس للبرلمان، وبمنح الثقة لمجلس للوزراء. وفي الماضي استغرقت هذه العملية عدة أشهر من المفاوضات بين الكتل السياسية الكبرى. وبحسب النتائج الرسمية، فقد خسرت فصائل الميليشيات المدعومة من إيران، والتي تجمع مرشحوها في «تحالف فتح»، أكثر من نصف المقاعد التي كانت تشغلها في المجلس السابق. وزعم التحالف أن الانتخابات شابها التزوير لأن الكتلة حصلت على إجمالي أصوات يفوق إجمالي الأصوات التي نالتها الكتلة التي خرجت بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان المقبل وهي كتلة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المعروف بتذبذبه وبرفعه الشعارات الوطنية. وقد اجتاز الصدريون باقتدار حدود الدوائر الانتخابية لهندسة انتصارهم الكبير في الانتخابات، على الرغم من انخفاض إجمالي الأصوات التي نالوها مقارنة بخصومهم الأكثر ولاء لإيران.
وعلى الرغم من أن عمليات تدقيق الانتخابات قد أكدت النتائج المعلنة، يبدو أن الجماعات المدعومة من إيران ورعاتها في طهران ما زالوا يحاولون ترهيب الفصائل العراقية الأخرى، بما في ذلك الصدريون، لتستجيب لمطالبها في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة. أولاً وقبل كل شيء، تسعى طهران وحلفاؤها العراقيون إلى الإطاحة بالكاظمي، وذلك في المقام الأول لإصراره على احتفاظ القوات الأمريكية بوجود استشاري محدود في العراق. فإيران وحلفاؤها يريدون خروجا كاملا للقوات الأمريكية، فذلك يشكل جزءا من الانتقام لضربة إدارة ترامب في كانون الثاني (يناير) 2020 التي أودت بحياة قائد فيلق القدس ذي الشخصية الكاريزماتية قاسم سليماني. ويشير استعداد إيران وشركائها العراقيين لاستخدام العنف – إلى حد محاولة اغتيال الكاظمي – إلى أن طهران لن تدخر جهدًا لضمان أن تحل شخصية أكثر قربا لها محل الكاظمي في المفاوضات بشأن اختيار رئيس الوزراء. ويبدو أن هجوم الطائرات بدون طيار متّسق أيضا مع ما أظهرته إيران مؤخرا من استعداد لاستخدام العمل المسلح ضد خصومها في الإقليم، كما في هجوم الطائرات بدون طيار في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) على قاعدة في سوريا تستخدمها القوات الأمريكية. ولا شك أن مقتدى الصدر، الحليف السابق لإيران الذي يرفع اليوم الشعارات الوطنية، والذي سيكون موقفه حاسمًا في المفاوضات بشأن الحكومة المقبلة، تلقى بلا شك الرسالة من رعاته الإيرانيين السابقين بأن مصالح طهران يجب أن تحترم. ومع ذلك، فمن الممكن أن تؤدي محاولة الاغتيال إلى توحد خصوم إيران في العراق، بما في ذلك الصدر والعرب السنة والأكراد، من أجل الحد من نفوذ إيران في العراق. ومن المحتمل أيضًا أن الصراع العنيف على السلطة الآن قد يعيد العراق إلى أحلك أيام الحرب الأهلية في السنوات الممتدة التي أعقبت الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين.