أوّل الكلام آخره:
- يعيد هجوم تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى على المواطنين الموزمبيقيين والعمال الأجانب في بالما إلى الأذهان الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عين أميناس في الجزائر عام 2013.
- لم تكن الاستعدادات لإنقاذ العمال من موقع أفونجي في الموزمبيق ولحماية المدنيين كافية أو إنها بالحد الأدنى لم تكن فعالة.
- تتابع واشنطن وباريس الأوضاع في الموزمبيق عن كثب، ويزيد الهجوم الأخير من احتمالات التدخل الخارجي.
- قد يشير تبني تنظيم داعش المركزي لهجوم فرعه في ولاية إفريقيا الوسطى إلى أن المجموعتين قد استعادتا التواصل فيما بينهما بعد فترة توقف فيها التنظيم المركزي عن تبني هجمات فرعه.
خلال الأسبوع الماضي، وتحديدا في 24 آذار / مارس، شن تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى في الموزمبيق، المعروف محليا باسم حركة الشباب (ولكنه غير مرتبط بحركة الشباب الصومالية)، هجوما كبيرا في بالما، الواقعة في مقاطعة كابو دلغادو في شمال الموزمبيق. وعلى الرغم من أن التفاصيل لم تكشف كلّها بعد، فيبدو أن ما يقارب 120 أجنبيا، ومعهم موزمبيقيون آخرون، قد نقلوا من شواطئ بالما في زوارق الإنقاذ لتجنب قتلهم. ومع ذلك، فقد تمكن تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى من قتل عشرات الأشخاص في الهجوم، بينهم موزمبيقيون وأجانب. ومن خلال جهاز الإعلام المركزي التابع لداعش، ادعى تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى أنه قتل 55 من القوات الموزمبيقية و«المسيحية». كما أصدر تنظيم داعش صورة لعشرات من مقاتلي تنظيمه في ولاية إفريقيا الوسطى، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت الصورة قد التقطت قبل هجوم بالما أو بعده. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى كان يشن هجمات على مدى الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، إلا أن تنظيم داعش المركزي لم يتبنّ أيّا من الهجمات التي كان قد شنها فرع ولاية إفريقيا الوسطى هذا العام. وبالتالي، فإن هذا الادعاء على أقل تقدير يؤكد للمراقبين أن التنظيم المركزي لا يزال يعد ولاية إفريقيا الوسطى «ولايةً» من ولاياته.
ويمثل الهجوم فشلا واضحا في إدارة المخاطر. وكان تنظيم ولاية إفريقيا الوسطى يهاجم المدن حول بالما لأكثر من عام قبل هذا الهجوم الأخير. وتكررت التقارير التي تفيد قطع الجماعة لرؤوس المدنيين ونهب البلدات المحتلة. ومن بين أكثر المخاطر التي حظيت بتغطية واسعة كان الخطر المحتمل على موقع توتال للغاز الطبيعي المسال في شبه جزيرة أفونجي المتاخمة لبالما. وقد فر العديد من العمال الأجانب في موقع الغاز الطبيعي المسال إلى كوخ خارج الموقع. وبينما كان تنظيم ولاية إفريقيا الوسطى يسيطر على بالما، غادر العمال الموقع في قافلة من 17 شاحنة. ومع ذلك، قطع تنظيم ولاية إفريقيا الوسطى وصولهم إلى البحر ونصب كمينا للقافلة، ودمر حوالي 10 شاحنات، مما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم، وأجبر البقية على الاختباء في الأدغال. وتشير التقارير المبكرة إلى أن حوالي 20 فردا فقط نقلوا جوا من موقع أفونجي. وكان من الممكن أن يؤدي النقل الجوي الجماعي من موقع أفونجي والكوخ القريب، إذا تحضر له مسبقا بناء على المعلومات الاستخباراتية حول احتمالات مهاجمة بالما، إلى تجنب الكثير من الإصابات التي وقعت. من ناحية أخرى، أدى الهجوم إلى توقف العمليات في موقع توتال للغاز الطبيعي المسال.
وفي عام 2013، دبر مختار بلمختار، وهو جهادي متحالف مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هجوما شارك فيه 40 مسلحا على مصنع للغاز في عين أميناس، في الجزائر. وخلال الهجوم، أخذ الإرهابيون العمال رهائن وفجروا بعدها جزءا كبيرا من الموقع وقتلوا 40 عاملا عندما شنت قوات الأمن الجزائرية هجوما في محاولة لإنقاذ من يمكن إنقاذه. وقد قتل 29 شخصا على الأقل من مقاتلي بلمختار. وفي أعقاب هذا الهجوم، الذي أطلق عبر الحدود من ليبيا، أجرت شركة تكرير النفط النرويجية Equinor تحقيقا شاملا وأصدرت تقريرا تفصيليا يوضح لماذا لم يتمكن الجيش الجزائري ولا Statoil (الاسم السابق لـ Equinor) من اكتشاف الهجوم مسبقا أو منعه. كما قدم التقرير بعض التوصيات التي يمكن اعتمادها لمنع الهجمات المستقبلية. ولتجنب الهجمات المستقبلية ضد توتال في الموزمبيق، سيكون من الضروري إجراء مراجعة شاملة مماثلة للفشل الأمني والاستخباراتي والتشغيلي خلال الهجوم الأخير على بالما. وينبغي أيضا تقويم أدوار مرتزقة جنوب إفريقيا والدول الأخرى، فضلا عن مستوى التنسيق (أو عدمه) مع الوكالات العسكرية والاستخباراتية.
إن عجز الجيش الموزمبيقي عن احتواء تمرد تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى، إلى جانب تمكن التنظيم من قتل الأجانب والإعدام الوحشي للموزمبيقيين، قد يشجع على التدخل الخارجي في شمال الموزمبيق. وللولايات المتحدة بالفعل بعض القوات الخاصة (من ذوي القبعات الخضراء) المنتشرة على أراضي الموزمبيق، كما أن القوات الفرنسية تراقب الوضع من جزيرة مايوت الفرنسية القريبة. وسيكون من الصعب إبطال زخم تنظيم داعش في ولاية إفريقيا الوسطى ونجاحاته التكتيكية دون الدعم الأمني للحكومة الموزمبيقية وجيشها. ومع ذلك، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة أو فرنسا أو أي دولة أخرى في المنطقة ستتدخل أكثر. وبالتالي، فإن تبني تنظيم داعش المركزي للهجوم، إذا افترضنا موافقة فرع التنظيم في ولاية إفريقيا الوسطى، يثير الدهشة إلى حد ما لأنه لن يتسبب إلا بتقديم ذرائع أكبر للقوات الأجنبية للتدخل. وبالنسبة للولايات المتحدة، يتعلق الأمر بما إذا كانت إدارة بايدن ترى أن الحرب على تنظيم داعش تقتصر على سوريا والعراق أو تمتد أيضا إلى «ولاياته» في جميع أنحاء العالم.