أوّل الكلام آخره:
- تظهر موجة النشاط الأخيرة لتنظيم داعش في أنحاء سوريا والعراق أن صبره الاستراتيجي بدأ يؤتي ثماره.
- يجب أن يكون الاعتداء الأخير بمثابة جرس إنذار للدول لإعادة مواطنيها، حتى ولو لم تقرر هذه الدول السبيل الأمثل للتعامل معهم (عبر مقاضاتهم أو إعادة تأهيلهم).
- في العراق المجاور هاجم مقاتلو تنظيم داعش موقعًا عسكريًا في محافظة ديالى بالقرب من العظيم شمال شرقي بغداد، مما أسفر عن مقتل 11 جنديًا عراقيًا.
- استفاد تنظيم داعش من هجماته في سوريا والعراق في حملاته الدعائية التي تستهدف تجنيد أعضاء جدد وإعادة تنشيط شبكاته النائمة (أو شبه النائمة) في جميع أنحاء المنطقة.
تظهر موجة النشاط الأخيرة لتنظيم داعش في أنحاء سوريا والعراق أن صبره الاستراتيجي بدأ يؤتي ثماره. ابتداء من الخميس وحتى نهاية هذا الأسبوع، فرض مسلحو تنظيم داعش حصارًا على مركز احتجاز تابع لقوى الأمن الداخلي بمحافظة الحسكة تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ويقع في شمال شرق سوريا. قام مقاتلو داعش بتفجير العديد من العبوات الناسفة المحمولة على السيارات بالتزامن مع هجوم معقد شنّه ما يصل إلى 200 منهم. ويبدو أن العملية كانت مدروسة بشكل جيّد، وهي تذكّر الذين درسوا استراتيجية داعش لسنوات بحملة التنظيم المسمّاة «كسر الجدران» التي ساعدت في دفعه إلى الصدارة العالمية منذ أكثر من ثماني سنوات، عندما تمكن من إطلاق سراح كبار القادة من خلال سلسلة من العمليات التي استهدفت السجون. وقد استخدم مقاتلو داعش للسيطرة على السجن هجمات انتحارية ونيران قناصة ووسائل أخرى في معركة غير متكافئة مع قوات سوريا الديمقراطية. وتشير التقارير إلى أن القوات الخاصة البريطانية والأمريكية شاركت في عملية استعادة السجن، حيث استمر القتال لعدة أيام متتالية. وعلى الرغم من تضارب التقارير، يُقدّر أن تكون المعركة قد أسفرت عن 175 قتيلا في صفوف داعش، فضلا عن إعادة القبض على المئات، وفرار عدد غير معروف، وقتل العشرات من عناصر قوات سوريا الديمقراطية، ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين.
ويُعتقد أن سجن الحسكة يضم ما يقرب من 3500 سجين، أُسر معظمهم خلال عمليات استعادة الأراضي التي احتلها داعش في ذروة ما يسمى بالخلافة. وبشكل عام، يُعتقد أن أكثر من 12000 من مقاتلي داعش محتجزون في سلسلة من السجون المنتشرة في شمال شرق سوريا. والهروب من السجن الأسبوع الماضي هو مجرد تذكير أخير بأن قوات سوريا الديمقراطية تفتقر إلى القوة البشرية والموارد اللازمة لحراسة السجون في المستقبل المنظور. إن معظم النداءات التي تطلب المساعدة من المجتمع الدولي لم تلق آذانًا صاغية. كما يجب أن يكون الاعتداء بمثابة جرس إنذار للدول لإعادة مواطنيها، حتى ولو لم تقرر هذه الدول السبيل الأمثل للتعامل معهم (عبر مقاضاتهم أو إعادة تأهيلهم). وقد أفادت اليونيسف أن قرابة 850 طفلًا، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 12 عامًا، محتجزون في الجناح الشمالي من السجن. وقد جرى التركيز حتى الآن على النساء والفتيات المرتبطات بداعش، وهذا ضروري بلا شك، ولكن من الضروري أيضا التفكير بما يجب فعله مع الأولاد في هذه السجون. ويبدو أن معظم الدول الغربية لا ترغب في إعادة الشباب الذكور، وحتى الأطفال، على نحو ما تفعله مع النساء والفتيات. ومع استمرار الأزمات الجيوسياسية في أفغانستان وأوكرانيا، يبدو أنه من غير المرجح أن تحظى العودة إلى الوطن بالاهتمام السياسي العاجل الذي تتطلبه بشدة.
وفي العراق المجاور، هاجم مقاتلو داعش أيضًا موقعًا للجيش في محافظة ديالى بالقرب من العظيم شمال شرق بغداد، مما أسفر عن مقتل 11 جنديًا عراقيًا. وقد استخدم مقاتلو داعش جبال حمرين ملاذا آمنا، بنفس الطريقة التي يعتمد بها مقاتلو داعش في سوريا على الصحراء الوسطى السورية لإعادة البناء والتدريب والتخطيط لهجمات جديدة. لجأ مقاتلو داعش في العراق، وخاصة في كركوك وما حولها، إلى الخطف للحصول على فدى للحفاظ على تدفق الإيرادات. كما اعتمد داعش على الاتصالات مع تركيا لتسهيل غسل الأموال وبناء الشركات الواجهة التي تساعد التنظيم على البقاء ماليًا. كما يتطلع قادتها في العراق إلى استغلال التوترات الطائفية والإحساس بالإحباط في صفوف السنة العراقيين لتعزيز صفوف التنظيم، وهي استراتيجية أثبتت نجاحها في الماضي.
وقد استفاد تنظيم داعش من هجماته في سوريا والعراق في بث حملة دعائية جديدة حرّكت أنصاره عبر الإنترنت خلال الأسبوع الماضي. وقد دعت بعض الرسائل إلى الشغب والهروب من السجون في مراكز احتجاز أخرى حيث يحتجز أعضاء داعش وعائلاتهم، بما في ذلك مخيم الهول. وربما كانت عملية الهروب من السجن الأخيرة هي أكثر عمليات تنظيم داعش تعقيدًا منذ استعادة آخر قطعة من أراضيه بالقرب من الباغوز في سوريا في ربيع عام 2019. ومنذ ذلك الوقت، توارى التنظيم إلى حد كبير تحت الأرض، على الرغم من شنه حملة اغتيالات على مستوى منخفض فضلا عن هجمات بالقنابل المزروعة على جوانب الطرق. وعلى مدار عام 2021، نفذت الجماعات التابعة لداعش عمليات واسعة النطاق في العراق ونيجيريا وأفغانستان والموزمبيق، مع انخفاض كبير في الهجمات الإجمالية في سوريا. وتشير ضراوة القتال في المعركة الأخيرة إلى أن عملية الهروب من السجن كانت مخططة جيدًا ويمكن أن تشير إلى بداية هجوم أوسع يشنه التنظيم، لا بهدف استعادة السيطرة على مساحات من الأراضي، بل لتوليد الزخم وزعزعة الاستقرار في جميع أنحاء بلاد الشام. كما أن الهجمات هي محاولة واضحة لتجنيد أعضاء جدد وإعادة تنشيط الشبكات النائمة أو شبه النائمة في جميع أنحاء المنطقة.