أوّل الكلام آخره
- تعرّضَت منشأة عسكريّة في أصفهان، إيران، لهجوم بواسطة طائرات مسيّرة في نهاية شهر يناير. ويُعتقد بأنّ إسرائيل تقف وراء الضّربة و التي ارادت من خلالها توجيه رسالةٍ للقادة الإيرانيّين مفادها أنّهم عرضة للهجمات في أيّ وقت.
- من المُستبعَد أن تؤدّي الضربة إلى تغيير سلوك إيران، لكنّها تؤكّد نيّة إسرائيل بالتصعيد في حال واصلَ الإيرانيّون العمل على مشاريع التكنولوجيا العسكريّة.
- أبدى المسؤولون الأميركيّون ترحيباً ضمنيّاً بالضّربة في ظلّ مواصلة طهران لبرنامج تخصيب اليورانيوم، وقمعها للتّظاهرات الشعبيّة، ودعمها للحرب الروسيّة على أوكرانيا من خلال تزويد موسكو بالمسيّرات الهجوميّة.
- أكّد القادة الإيرانيّون أنّ الأراضي الكرديّة في العراق تُستخدَم لتسهيل العمليّات الإسرائيليّة ضدّ إيران.
في 28 يناير، شنّت طائرة مسيّرة هجوميّة ضربةً على أحد المباني في مدينة أصفهان الإيرانيّة، وتبيّن أنّ المبنى المُستهدف هو جزء من بنية التصنيع الدفاعي في إيران. وبالرّغم من تداوُل مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر اللّحظة التي تمّ فيها استهداف المبنى، أكّدَت وزارة الدفاع الإيرانيّة إسقاط إحدى المسيّرات الثلاث الصّغيرة المستخدمة في الهجوم وسقوط المسيّرتَين الأُخريَين. وفيما لم تتوفّر أيّ معلومات حول دور المُنشأة المستهدفة وحجم الأضرار، أكّد سفير إيران الدّائم لدى الأمم المتّحدة أمير سعيد إيرواني في رسالةٍ وجّهها إلى الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في الأوّل من فبراير أنّ إسرائيل تقف وراء هجوم أصفهان. وجرياً على عاداتهم، رفضَ المسؤولون الإسرائيليّون تأكيد مسؤوليّتهم عن الهجوم أو نفيها، لكنّ وسائل الإعلام الإسرائيليّة اعترفَت بمسؤوليّة تل أبيب عن الهجوم النّاجح على حدّ قولها. ووصفَت صحيفة “جيروزاليم بوست” الهجوم بـ “النّجاح المُذهل”، بينما أكّدَت مصادر وُصِفَت بالمُطّلِعة لمُراسل موقع “أكسيوس” الأميركي في إسرائيل أنّ الهجوم كان “مُحدّداً، وجراحيّاً، وناجحاً.” وفي تأكيدٍ إضافيّ على ضلوع إسرائيل في الهجوم، نقلَت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيّين قولهم إنّ إسرائيل نفّذَت الضربة، لكنّ عدّة خبراء أشاروا إلى أنّ دولاً أخرى – بما فيها الولايات المتّحدة – تمتلك الدّافع والفرصة لشنّ الضّربة. وتتضمّن قائمة الدّول التي يُحتَمل ضلوعها في الهجوم أذربيجان المعادية لإيران، وأكرانيا التي تُعَدّ الهدف الرّئيسي للمسيّرات إيرانيّة الصّنع التي تستخدمها موسكو.
اختلفَت الآراء حول دور المُنشأة المستهدفة، لكنّ أغلبيّة التّقارير أشارَت إلى أنّ المبنى يُستخدَم لتصنيع مكوّنات خاصّة ببرنامج المسيّرات الهجوميّة الإيراني الذي استقطبَ اهتماماً كبيراً في الأشهر الماضية بعد أن زوّدَت إيران موسكو بآلاف المسيّرات لاستخدامها في حربها على أوكرانيا. من جانبٍ آخر، أكّد عددٌ من التقارير أنّ المُنشأة هي جزءٌ من برنامج الصّواريخ البالستيّة الإيراني، والذي يعتبره المسؤولون الأميركيّون تهديداً متنامياً لحلفاء الولايات المتّحدة في المنطقة. بالرّغم من ذلك، يبدو أنّ دور المُنشأة كان عاملاً ثانويّاً في حسابات القادة الإسرائيليّين الذين أرادوا أن يوجّهوا لطهران رسالةً مفادها أنّ بإمكان إسرائيل أن تضرب أيّ هدف داخل إيران في الزّمان والمكان اللّذين تختارهما. وأشار عددٌ من التقارير إلى أنّ المنشأة تعرّضت لهجوم في وقتٍ سابق، بينما أكّدَت وكالة أنباء الطّلبة الإيرانيّة – وهي وكالة أنباء شبه رسميّة – أنّ المُنشأة تعرّضَت لهجوم عام 2019. وتجدر الإشارة إلى أنّ عملاء وحلفاء لإسرائيل داخل إيران نفّذوا سلسلةً من العمليّات في الماضي، بما في ذلك اغتيال كبير العلماء النوويّين الإيرانيّين محسن فخري زادة، وسرقة مستندات تتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني من أحد المخازن داخل البلاد، والتسبّب بانفجارات في موقع نووي إيراني. وحتّى لو لم تكن المنشأة مرتبطةً بالبرنامج النووي الإيراني بشكلٍ مباشر، فقد أكّد المسؤولون الإسرائيليّون – بمَن فيهم بنيامين نتنياهو الذي عاد مؤخّراً ليتبوّأ رئاسة الحكومة الإسرائيليّة، أنّ البرنامج النووي الإيراني يمثّل “تهديداً وجوديّاً” بالنسبة لإسرائيل، واستندوا في مواقفهم إلى التقرير الصّادر عن الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة في شهر يناير 2023، والذي أشار إلى أنّ إيران تمتلك كميّةً كافية من اليورانيوم المخصّب لتصنيع عددٍ من الأسلحة النوويّة في حال استمرّ التّخصيب بالوتيرة ذاتها. ووجّهَت حكومة نتنياهو رسالةً شديدة اللّهجة للإيرانيّين من خلال الهجوم على منشأة أصفهان مفادها أنّ الضّربات ستتوالى في حال واصلَت طهران العمل على برنامجها النووي.
فيما يواصل المسؤولون الأمريكيّون والأوروبيّون ومسؤولو الأمم المتّحدة محاولاتهم لاستعادة المسار الدبلوماسيّ في سبيل وضع حدّ للبرنامج النوويّ الإيرانيّ، ازدادت حدّة انتقاداتهم لطهران في الأشهر الأخيرة على خلفيّة دعمها للمجهود الحربيّ الروسيّ في أوكرانيا. جاءت ضربة أصفهان في الوقت الذي بدأ فيه وزير الخارجيّة الأمريكيّ أنتوني بلينكن رحلته إلى الشرق الأوسط، حيث وافق على وجهات النظر الإسرائيليّة بشأن التهديد الايرانيّ المتزايد. وأعطى بلينكن الانطباع بأنّ الولايات المتّحدة تدعم هجوم أصفهان، في تكراره للتأكيدات الإسرائيليّة بشأن إيران. وقام مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة التابع لوزارة الخزانة الأمريكيّة في 3 فبراير بفرض عقوباتٍ على ثمانية من كبار المديرين التنفيذيّين في شركة بارافار بارس، وهي شركة مقرّها إيران تصنّع الطّائرات المسيّرة من طراز “شاهد” للقوّات الجويّة التابعة لحرس الثورة الإسلاميّة، وشكّل هذا القرار الأمريكيّ دليلاً إضافيّاً على دعم الولايات المتّحدة لموقف إسرائيل. وبحسب وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات الماليّة براين نيلسون، فإنّ إيران “تزوّد روسيا بالطّائرات المسيّرة من طراز “شاهد” كي تستخدمها في عمليّاتها القتاليّة لاستهداف البنية التحتيّة الحيويّة في أوكرانيا”. في الوقت نفسه، أظهر إعلان العقوبات أنّ الولايات المتّحدة وإسرائيل تختلفان في مقاربتهما للتهديد الإيرانيّ، حيث تلجأ الولايات المتّحدة إلى الدبلوماسيّة بينما تختار إسرائيل المسار العسكري.
وأدّت الضربة على أصفهان إلى تجدّد التوتّر بين إيران والعراق المجاور الذي ظلّ، على مدى عقدين، ساحةً للتنافس بين الولايات المتّحدة وإيران. و لطالما اتّهمت إيران المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال العراق – وهي “مناطق” تتمتّع بالحكم الذاتيّ بموجب الدستور العراقيّ – باستضافة مجموعات مسلّحة تابعة للمعارضة الكرديّة الإيرانيّة وتسهيل العمليّات الإسرائيليّة ضدّ إيران أو السماح بها ضمنيّاً. ففي 1 فبراير، زعمت وسائل الإعلام التابعة للمجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ “تورّط الأكراد المعارضين للثورة” في ضربة أصفهان، مدّعيةً أنّ الطائرات المسيّرة الثلاث “تمّ نقلها إلى البلاد من قبل الجماعات الكرديّة المناهضة للثورة” و “تمّ تجميعها في مصنع كامل التجهيز” في إيران. كما انتقد تقرير الإعلام الرسميّ الإيرانيّ السلطات العراقيّة لفشلها في نزع سلاح المجموعات الكرديّة الإيرانيّة المتمركزة في كردستان العراق، مشيرًا إلى أنّ إيران ترى أنّ بغداد تمتلك القدرة على الضغط على المسؤولين الأكراد العراقيّين لوقف عمليّات الاستخبارات الأجنبيّة على أراضيهم.
و شنّت القوّات الإيرانيّة في الأشهر الأخيرة ضرباتٍ على مواقع المعارضة الكرديّة الإيرانيّة في شمال العراق، مؤكّدةً أنّ الأكراد المناهضين لإيران يهرّبون أسلحة عبر العراق ليستخدمها المحتجّون الإيرانيّون. وفي مارس 2022، شنّت إيران هجوماً صاروخيّاً قالت إنّه يستهدف “مركزاً استراتيجيّاً” إسرائيليّاً بالقرب من أربيل، عاصمة كردستان العراق، ممّا يشير إلى اعتقاد طهران أنّ إسرائيل تستخدم شمال العراق كقاعدةٍ لها. و على نطاق أوسع، يبدو أنّ القادة الإيرانيّين محبطون إزاء تضاؤل النّفوذ الإيراني في العراق مقارنةً بالنفوذ الأميركي في عهد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، و الذي تشكّل الفصائل الموالية لإيران أساس حكومته. ومن المرجّح أنّ يلجأ القادة الإيرانيّون إلى التصعيد ضدّ الجماعات الكرديّة في العراق – مع موافقة بغداد أو من دونها – إذا استمرّت الهجمات الإسرائيليّة على إيران.