أوّل الكلام آخره:
- بعد أن تكبد زعيم الحرب الليبي خليفة حفتر خسائر كبيرة في ساحات القتال، عمد وحلفاءه المصريين إلى الدفع باتجاه إعلان وقف لإطلاق النار في ليبيا، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك.
- إن المحاولة الأخيرة للدفع نحو الهدنة التي أعلن عنها في مصر هي اعتراف متأخر بالوضع الليبي وبأن الكفة لم تعد تميل لصالح حفتر، على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من عدد من الجهات الخارجية.
- على امتداد الصراع، كان حفتر يبالغ بوعوده ولكنه لا يفي إلا بالقليل منها، وأصبح جيشه يعتمد على دعم المرتزقة بشكل كبير، وخاصة على مجموعة فاغنر من روسيا.
- يرى بعض المحللين أن إعلان القاهرة مجرد حيلة دعائية تهدف إلى مساعدة حفتر على التستر على خسائره، وإلى إظهار داعميه بمظهر الوسطاء السياسيين بعد فشل مساعيهم لتغيير منحى الأمور عسكريا.
بعد أن تكبد زعيم الحرب الليبي خليفة حفتر خسائر كبيرة في مواجهة القوات الموالية لفايز السراج وحكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة، عمد إلى الدفع باتجاه إعلان وقف لإطلاق النار في ليبيا، يكون مقدمة لإنهاء الصراع في ليبيا. وقد أبدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأييده لهذا المسعى، وشارك مع حفتر في إعلان هذه الهدنة من القاهرة الأسبوع الماضي. كما تعمل مصر على إطلاق عملية دبلوماسية تهدف إلى التوصل إلى تسوية سياسية. ولكن حكومة الوفاق الوطني رفضت إعلان وقف إطلاق النار، الذي يبدو أنه أعلن بدافع اليأس لا بدافع التزام عميق بعملية السلام، وشنت قواتها هجوما للاستيلاء على مدينة سرت الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة. كما استعادت حكومة الوفاق الوطني قاعدة الجفرة الجوية ومدينة ترهونة، وهي من آخر معاقل حفتر المتبقية في غرب ليبيا.
إن المحاولة الأخيرة للدفع نحو الهدنة التي أعلن عنها في مصر هي اعتراف متأخر بالوضع الليبي وبأن الكفة لم تعد تميل لصالح حفتر، على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من عدد من الجهات الخارجية، التي يسعى العديد منها إلى الوصول إلى احتياطيات الطاقة الهائلة في ليبيا. وفضلا عن دعم روسيا والمملكة العربية السعودية وفرنسا والإمارات العربية المتحدة، دعمت مصر أيضا جيش حفتر من خلال توفير الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والعسكريين. وبعد أن سيطرت قوات حفتر (ومعها قوات من المرتزقة) على مساحات واسعة في أعقاب هجوم دام أكثر من عام على العاصمة طرابلس، نجحت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا باستعادة هذه الأراضي بدعم تركي قوي. وفي أيار / مايو، أرسلت روسيا طائرات مقاتلة إلى قاعدة جوية تسيطر عليها قوات حفتر، مما دفع الكثير من المحللين إلى التكهن بأن الصراع قد يتصاعد قريبا مرة أخرى. وعلى الرغم من هذا الاستعراض الكبير للقوة، يبدو أن روسيا ترحب بجهود مصر للدفع نحو هدنة مؤقتة.
اهتزت صورة حفتر، رجل ليبيا القوي، أمام داعميه، وهذا قد يدفعهم للبحث عن بديل له، وبخاصة بعد عجزه عن توحيد المساحات الشرقية من ليبيا. وخلال فترة الصراع، كان حفتر يبالغ بوعوده ولكنه يعجز عن الوفاء بها، وأصبح جيشه يعتمد على دعم المرتزقة بشكل كبير، وخاصة على دعم مجموعة فاغنر الروسية. وبدءا من أيار / مايو، سرّعت موسكو من عملية تجنيد المرتزقة من سوريا وتدريبهم ليقاتلوا إلى جانب قوات حفتر في ليبيا. وقد تمكّن المرتزقة الروس في البداية من تحقيق مكتسبات ميدانية لجيش حفتر، ولكن مؤخرا، حدثت تصدعات خطيرة في التحالف الذي يقوده حفتر.
وفي كانون الأول / ديسمبر 2019، زاد الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني من حجم تدخل أنقرة، الذي شكل نقطة تحول واضحة في الصراع، وبخاصة بعد أن قدمت تركيا طائرات مسلحة مسيّرة، ومنظومات دفاعية جوية، ومجموعات من المرتزقة السوريين. وقد استخدمت حكومة الوفاق الوطني الطائرات المسيّرة بكثافة تكتيكية، ولا سيما للإسناد الجوي عندما تكون المواجهة البرية من مسافات قريبة. وكانت هذه الطائرات مهمة لتحييد أنظمة الدفاع الجوي الروسية. وقد تحدّث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأشار بعد حديثه إلى أن البلدين ناقشا المسار المحتمل للمضي قدما، لكنه رفض الخوض في تفاصيل محددة. يرى بعض المحللين أن إعلان القاهرة مجرد حيلة دعائية تهدف إلى مساعدة حفتر على التستر على خسائره، وإلى إظهار داعميه بمظهر الوسطاء السياسيين بعد فشل مساعيهم لتغيير منحى الأمور عسكريا. ولكن حتى مع شعور بعض داعمي حفتر بأن رجلهم القويّ بات ضعيفا، وبأن عليهم التخلي عنه، إلا أن قلة تعتقد أنه سيعترف بأنه يخسر الحرب.