أوّل الكلام آخره:
- تصاعدت حدة التوتر بين إثيوبيا من جهة، والسودان ومصر من جهة أخرى، إذ تمضي أديس أبابا قدما في خطتها لتطوير سد كهرمائي على فرع من فروع نهر النيل.
- صورت مصر والسودان السد على أنه تهديد وجودي وتحدثتا علنا عن الخطر الذي يتعرض له مواطنوهما إذا استمر المشروع بلا ضمانات كافية وترتيبات متفق عليها.
- أحيل ملف النزاع إلى مجلس الأمن الدولي، وناشدت مصر العديد من الهيئات الإقليمية.
- وفقا لبعض التوقعات، فقد يساهم ارتفاع درجات الحرارة في شحّ في المياه سيعاني منه بحلول عام 2040 أكثر من ثلث السكان الذين يعيشون على ضفاف نهر النيل.
يتوقع الباحثون في مجال الصراعات أن حروب المستقبل ستكون على الموارد النادرة، وهي مسألة من المؤكد أن تتفاقم بسبب تغير المناخ وتغير أنماط الهجرة. على أن بعض هذه الصراعات قد بدأ فعليا. وفي بعض الحالات، يمكن تجنب تفاقم حدّة النزاع بتفعيل الدبلوماسية الدولية والوساطات ولا سيّما في مراحل البداية، أي قبل أن تتصاعد التوترات. ويمكن أن يعدّ ما يحدث في إثيوبيا اليوم بمثابة حالة يمكن درسها لأخذ العبر، حيث تمضي أديس أبابا قدما في خطتها لتطوير سد كهرمائي على فرع من فروع نهر النيل. وتقدر قيمة مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير بحوالي 4.8 مليار دولار، على أن يكون عام 2022 هو الموعد المحدد للإنجاز. وإذا تيسر إنشاء المشروع بحسب الخطة المرسومة، فإنه سيكون سابع أكبر سد في العالم وأكبر منشأة كهرمائية في القارة الإفريقية.
وتؤكد مصر أن الإجراءات التي تتخذها إثيوبيا ستعرّض عشرات الملايين من مواطنيها لنقص المياه. ومصر ليست البلد الوحيد المتضرر، فالسودان يزعم أنه سيتأثر سلبا بخطط إثيوبيا، وقد انضمت الخرطوم إلى القاهرة في معارضة جوانب معينة من المشروع. وتعتقد إثيوبيا من جانبها أن السد ضروري لتوليد الكهرباء لأكثر من 40 مليون أثيوبي وخاصة لأولئك الذين يعيشون فى المناطق الريفية من البلاد. وقد صورت مصر والسودان السد على أنه تهديد وجودي وتحدثتا علنا عن المخاطر التي يتعرض لها مواطنوهما إذا استمر المشروع بلا ضمانات كافية وترتيبات متفق عليها. وبما أن تغير المناخ يؤثر في البلدان المختلفة بدرجات متفاوتة، فإن حالة من الغموض الشديد تكتنف مستقبل المياه، مع خوف مسوّغ من احتمالات التعرض للجفاف مستقبلا، فضلا عن تداعيات ذلك على الأمن الغذائي.
وكان ملف النزاع قد أحيل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما قامت مصر بمناشدة العديد من الهيئات الإقليمية، ومنها الإتحاد الإفريقي، ودول أخرى في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. ويضغط دبلوماسيو الأمم المتحدة فى نيويورك، بمن فيهم سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، على جميع الأطراف المعنية لحل النزاع دبلوماسيا. وقد انهارت المحادثات التى توسطت فيها الولايات المتحدة في شباط / فبراير الماضي، ولكن مؤخرا، تولى رئيس جنوب إفريقيا، الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، زمام المبادرة في جهود الوساطة. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد وعد بالعمل مع رئيس الوزراء السوداني لتهدئة مخاوف الخرطوم الرئيسة. وقد ساعدت المبادرات الدبلوماسية السابقة في التوصل إلى توافق في الآراء حول مجموعة من القضايا الهامة المتعلقة بالسد، ولكن ما زال الخلاف قائما حول بعض السياسات المتعلّقة بالجفاف، فضلا عن الآليات المتعلقة بتسوية النزاعات.
وفقا لبعض التوقعات، فقد يساهم ارتفاع درجات الحرارة في شحّ في المياه سيعاني منه بحلول عام 2040 أكثر من ثلث السكان الذين يعيشون على ضفاف نهر النيل. ولتغير المناخ تداعيات عديدة أهمها أنه قد يؤدّي إلى نقص في فرص الحصول على مياه الشرب، وانتشار لحالات من الجفاف طويلة الأمد، فضلا عن سلسلة من التحديات الأمنية، تسهم جميعها في رفع احتمال نشوب نزاعات بين الدول وداخلها. ونظرا لعجز المجتمع الدولي عن مكافحة وباء كورونا، فإن الأمل ضعيف في تنسيق الجهود العالمية للحد من التداعيات المدمرة لتغير المناخ. وعندما تتخلى دول مثل الولايات المتحدة عن القيادة العالمية في قضايا مثل تغير المناخ، تتقلص فرص التوصل إلى حلول عملية. وبالرغم من أن الدبلوماسية الدولية قد تحلّ النزاع القائم اليوم بين مصر والسودان وإثيوبيا، إلّا أنه إذا أصبحت الخلافات المماثلة أكثر شيوعا في المستقبل مع تغير المناخ وانتشار المجاعة وتزعزع أمن الطاقة، فمن المرجح أن يتزعزع الاستقرار، وقد ينقلب ذلك إلى ما هو أسوأ كحدوث صراع إقليمي طويل الأمد.