أوّل الكلام آخره:
- خلال الأسابيع القليلة الماضية، اتخذت المزيد من الدول الغربية خطوات لإعادة مواطنيها وأطفال مقاتلي تنظيم داعش الذين ولدوا خلال خلافة داعش المزعومة وأفراد أسرهم.
- لا يزال الأجانب، والعديد منهم من بلدان أوروبية، يقبعون في معسكرات احتجاز بائسة في شمال شرق سوريا، حذر الخبراء من أنها قد تسبب صدمات جسدية وعقلية وعاطفية للمحتجزين فيها، وخاصة للأطفال من الفئات الاجتماعية الهشة.
- ولكن النقاش يستمر مع إصرار بعض الدول الغربية على محاكمة مرتكبي الجرائم في البلدان التي ارتكبت فيها هذه الجرائم (وهذا يعني في سوريا والعراق غالبا).
- يشير العديد من المحللين مؤخرا أن الغالبية الكبرى ممن يعود إلى بلده الأم بعد انهيار الخلافة المزعومة، لا ترسخ بذاكرته إلا مشاعر اليأس والخيبة، ولا يحمل أي حنين للخلافة المفقودة.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، اتخذت المزيد من الدول الغربية خطوات لإعادة مواطنيها وأطفال مقاتلي تنظيم داعش الذين ولدوا في خلافة داعش المزعومة وأفراد أسرهم. واتخذت فرنسا خطوات لإعادة عشرة أطفال إلى الوطن، بعضهم أيتام، أما بعضهم الآخر فقد أعيد بموافقة الأمهات. ولا يزال مئات الأطفال الفرنسيين في معسكرات الاعتقال في سوريا. وفي هولندا، أشار وزير العدل والأمن الهولندي إلى أن أهمية إعادة المواطنين الهولنديين إلى الوطن لمحاكمتهم في هولندا تفوق المخاطر المحتملة على الأمن القومي. وسواء كان هذا يشير إلى تغيير واسع النطاق في نهج البلدان الغربية تجاه استعادة مواطنيها أم لا، يبقى مصير مئات الأطفال في هذه المخيمات معلقا. وبالنسبة لبعض الأيتام في هذه المخيمات، فإن أقاربهم في الغرب يخوضون معركة قانونية مرهقة سعيا منهم لإعادتهم إلى ديارهم. أما بالنسبة للأجداد وغيرهم من الأقارب المحدودي الموارد، فهم يخوضون منذ سنوات غمار البيروقراطيات القانونية المعقدة سعيا لإعادة الأطفال والأحفاد إلى ديارهم.
ولا يزال الأجانب، والعديد منهم من بلدان أوروبية، يقبعون في معسكرات احتجاز بائسة في شمال شرق سوريا، حذر الخبراء من أنها قد تسبب بصدمات جسدية وعقلية وعاطفية للمحتجزين فيها، وخاصة للأطفال من الفئات الاجتماعية الهشة. وتعاني المخيمات من نقص في الغذاء والماء، ومن تفشي الأمراض، ومن قلة فرص التعليم. وفي حال تفشي وباء كورونا في المخيمات، فستكون العواقب مدمرة. وكان المقاتلون الأكراد المكلفون بإدارة معسكرات الاعتقال قد دعوا الدول مرارا وتكرارا إلى استعادة مواطنيها، كما تبنت دول مثل كوسوفو وتركيا وروسيا وكازاخستان وأوزبكستان نهجا أكثر فعالية من خلال استعادة أعداد كبيرة من مواطنيها، مع إعطاء الأولوية للنساء والأطفال.
ولكن النقاش يستمر مع إصرار بعض الدول الغربية على محاكمة مرتكبي الجرائم في البلدان التي ارتكبت فيها هذه الجرائم (وهذا يعني في سوريا والعراق غالبا). وتشير عدد من الدول الغربية إلى التعقيدات الحاصلة إذا ما أرادت مقاضاة مواطنيها في بلدانهم، ولا سيما نقص الأدلة التي يمكن استجلابها من ساحة المعركة، أما في الحالات التي يقاضى فيها الأفراد بالفعل ويحكم عليهم بالسجن، فيخشى أن تكون العقوبة قصيرة نسبيا. وبشكل عام، يعدّ المحتجزون الذكور، ولا سيما أولئك المشتبه بأنهم لعبوا دورا مباشرا في القتال في صفوف تنظيم داعش، خطرا كبيرا على بلادهم الأم وهذا يدفع تلك البلدان إلى التردد في استعادتهم، فذكرى الهجمات الإرهابية البارزة التي شنها أعضاء في تنظيم داعش في باريس في تشرين الثاني / نوفمبر 2015 وبروكسل في آذار / مارس 2016 ما زالت حاضرة في أذهان العديد من صناع السياسات الأوروبيين وأجهزة الأمن الأوروبية.
إلا أن الأبحاث الأخيرة، بما في ذلك البحث الذي قام به خبير الإرهاب توماس رينارد، تشير إلى أن خطورة التهديد ليست بالدرجة التي اعتقدها الجميع في البداية. وقد تبين أن الغالبية العظمى ممن يعود إلى بلده الأم بعد انهيار الخلافة المزعومة، لا ترسخ بذاكرته إلا مشاعر اليأس والخيبة، ولا يحمل أي حنين للخلافة المفقودة. ومن المهم التوضيح هنا أن الأفراد الذين استجابوا لدعاية التنظيم، أو المعرضين للاستجابة، ما زالوا يشكلون خطرا حقيقيا وملموسا. وهذا ما كان عليه الحال دائما. غير أن التهديد الذي يشكله من لم يغادر بلاده، وبالتالي لم يختبر مصائب الخلافة المزعومة وويلاتها، قد يكون أعظم من خطر الأفراد الذين غادروا ديارهم للقتال مع تنظيم داعش بالفعل ثم عادوا إليها. ومع تصاعد التطرف اليميني في جميع أنحاء أوروبا، والتعقيدات التي فرضها التعامل مع وباء كورونا والتي أدت إلى تفاقم العجز في الميزانيات واستنزاف الموارد، فربما لا تتمكن أجهزة إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية من صب تركيزها المعهود على مكافحة العنف المرتبط بالجهاديين. ومع ذلك، فإن ترك المواطن نفسه «بلا وطن» قد لا يدع أمامه من خيار سوى أن يعد نفسه مواطنا في خلافة داعش المزعومة. ومن واجب الدول الأوروبية والدول الغربية الأخرى أن تعيد النظر في مواقفها من قضية استعادة مواطنيها، رغما عن التحديات المطروحة، وأن تسترجع مواطنيها لكسر حلقة الإرهاب والتطرف وإظهار الالتزام بالعدالة.