أوّل الكلام آخره:
في شهر أيار / مايو الماضي، طرح رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون فكرة توسيع مجموعة السبع لتشمل أستراليا والهند وكوريا الجنوبية لتتحول إلى مجموعة الدول الديمقراطية العشر.
ولا شكّ أن مجموعة السبع في أمس الحاجة إلى الإصلاح، إذ من الصعب في حالتها الراهنة أن تحافظ على مكانتها (بصفتها الجمعيّة) في السياسة العالمية والعلاقات الدولية.
إن أي تجمّع استراتيجي بين الديمقراطيات التي تقع في نطاق المحيط الهادئ، وخاصة إذا كانت مصممة لمحاربة دور هواوي في شبكة الجيل الخامس، سوف يثير غضب صناع السياسات الصينيين.
يمكن لمجموعة الدول الديمقراطية أن تثبت نفسها بوصفها المعادل «الديمقراطي» للصين، ويمكنها أن تكون المكمل الاقتصادي للتعاون الرباعي العسكري بين اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة في المحيط الهادئ.
في شهر أيار / مايو الماضي، طرح رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون فكرة توسيع مجموعة السبع لتشمل أستراليا والهند وكوريا الجنوبية. ويطلب من المنظمة الجديدة الموسعة، التي أطلق عليها اسم مجموعة الدول الديمقراطية العشر، أن تنسق جهود الدول الأعضاء لمواجهة التقدم الصيني في مجال تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس وتأمين سلاسل التوريد التكنولوجية. وفي عهد جونسون، الذي أعلنت حكومته حظر استخدام مواد الجيل الخامس الصينية في شبكاتها في وقت سابق من هذا الصيف، فإن بريطانيا في موقع يسمح لها بالعمل على تحقيق هذا الطموح. وتتولى المملكة المتحدة رئاسة مجموعة السبع لعام 2021. ونظرا لتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، فإن النظام الدولي قد يستفيد من نهج يتسم بطابع الرسمية والتنظيم لتحقيق توازن في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، ولكن العقبات لا زالت تقف في الطريق. وقد اتبعت العديد من الدول الأعضاء المقترحة نُهجا متضاربة في سياستها في مجال الاتصالات. فعلى سبيل المثال، لم تمش كوريا الجنوبية أو أستراليا على خطى الولايات المتحدة في حظر منتجات هواوي، وهي خطوة ضرورية إذا كان للمجموعة أن تؤدي دور المركز الآمن للابتكار التكنولوجي. وللعديد من الدول الديمقراطية غير المدرجة في القائمة المختصرة قدرات هائلة في مجال الاتصالات أيضا، بما في ذلك فنلندا والنرويج وإسرائيل. وإذا كان الممثلون البريطانيون جادين بشأن مجموعة الدول الديمقراطية العشر، فعليهم أن يلتزموا بالبحث الدقيق في العواقب الاقتصادية والسياسية لمثل هذا الترتيب وأن يكرسوا أنفسهم لإقامة تعاون دائم وآمن ومفيد للأطراف المختلفة على أساس القيم المشتركة.
وتمس الحاجة إلى إجراء إصلاحات في مجموعة السبع، فالدول الأعضاء فيها تنتج ما نسبته 50 % من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي العالمي وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة الـ 70 % التي كانت تحققها في السابق. ويرجع هذا الانخفاض، في المقام الأول، إلى التحول الجذري في الاقتصاد العالمي نحو الشرق. أما اليوم، فتضم مجموعة العشرين، وهي منظمة عالمية أخرى للتعاون الاقتصادي، في عضويتها كوريا الجنوبية وأستراليا والهند والصين معا، وتنتج مجتمعة حوالي 80 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويعيش فيها أكثر من 66 % من سكان العالم. وبحسب صيغتها الحالية، يصعب على مجموعة السبع الحفاظ على مكانتها. ولا تضم المجموعة حاليا أي دولة يمكن أن تشكل شركاتها منافسا حقيقيا لشركة هواوي، كفنلندا مثلا حيث شركة نوكيا، أو أستراليا حيث شركة إريكسون. وفي أعقاب الحظر الذي فرضه جونسون وترامب على تقنيات هواوي، فإن كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في حاجة ماسة إلى إقامة شراكات جديدة. وسيتمتع السبّاق إلى إدراك تقنيات الجيل الخامس بميزة تفاضلية هائلة، وهو أمر من المستبعد حاليا أن تحوزه واشنطن أو لندن. وفي هذا الإطار، تتيح مجموعة الدول الديمقراطية العشر فرصة هائلة للأعضاء في أمريكا الشمالية وأوروبا، في حال كان هدف المجموعة التطور فعلا، لا مجرّد الاستعراض.
إن أي تجمّع استراتيجي بين الديمقراطيات التي تقع في نطاق المحيط الهادئ، وخاصة إذا كانت مصممة لمحاربة دور هواوي في شبكة الجيل الخامس، سوف يثير غضب صناع السياسات الصينيين. ومع تفاقم التوترات بين بكين والغرب على نحو غير مسبوق، فقد يبلغ الوضع نقطة اللاعودة من جراء هذا التعاون. إن عودة الحروب بالوكالة على نحو ما كان الأمر عليه زمن الحرب الباردة وكذلك العودة إلى المنافسة ذات المعادلة الصفريّة الناتج من شأنه أن يشكل تهديدا للاقتصاد العالمي والاستقرار الإقليمي. وفي الوقت نفسه، يخشى العديد من المراقبين الديمقراطيين من السياسة الصينية العدوانية أكثر وأكثر في منطقة المحيط الهندي والهادئ وخارجها. ومن واجب صناع السياسات الذين يشعرون بالقلق إزاء تكتيكات بكين «الذئب المحارب» والسيطرة الاستبدادية على قطاع التكنولوجيا الموازنة الحذرة بين الدبلوماسية والضغط. ولا تستطيع الديمقراطيات منفردة أن تواجه تهديد الصين، على رغم ما يؤمن به الانعزاليون، وسوف يكون التعاون الدولي حيويا في ضبط أي توسع من بكين.
ومع تطبيق قانون الأمن القومي في هونغ كونغ الذي جعل المدينة تحت السيطرة، أصبح بوسع الحزب الشيوعي الصيني اليوم أن يضع نصب عينيه توحيد الصين بضم تايوان. ويمكن لمجموعة الدول الديمقراطية العشر أن تثبت نفسها بوصفها المكافئ «الديمقراطي» للعدوان الصيني، وأن تعمل بوصفها مكملا اقتصاديا للتعاون الرباعي العسكري بين اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة في المحيط الهادئ. ولحسن حظ مؤيدي قيام مجموعة الدول الديمقراطية العشر أن المنظمة لن تكون على هيئة تحالف عسكري. ولعل نطاق تركيزها الضيق وحجمها الصغير سيجعلان تقبّلها أسهل من حلف شمال الأطلسي أو حتى مجموعة العشرين. إن الأمن الذي يمكن أن تؤمنه مثل هذه المجموعة لسلاسل التوريد التكنولوجية على المدى القصير وإمكانية أن تكون عاملا في تخفيف التصعيد على المدى البعيد يجعلان من قيامها اقتراحا مغريا للصقور والحمائم على حد سواء. ومع ذلك، يعتمد إنشاء المنظمة على أهواء القادة الشعبويين غير المنضبطين في الدول الأعضاء الرئيسة المقترحة مثل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا. وبغض النظر عن الرابح في انتخابات عام 2020، فمن المرجح أن تظل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين علاقة عدائية، حتى أنها قد تتدهور أكثر. وعلى نحو مماثل، فإن موريسون وآبي ومودي، الذين تتميز دولهم بالقرب الجغرافي من الصين، سيكونون على حذر تام من أي مقترحات يُنظر إليها على أنها تضعف موقفهم المحلي من جارتهم العدوانية. وقد يكون بوريس جونسون الرجل المثالي لمهمة صياغة توافق في الآراء، إذ إن مصير فكرته سيكون مبنيا على قدرته على إقناع هؤلاء الأربعة الكبار، وبقية أعضاء مجموعة السبع، بأن مجموعة الدول الديمقراطية العشر هي ما تحتاج إليه الديمقراطيات في المستقبل.