أوّل الكلام آخره:
- الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 كانون الأول (ديسمبر) قد تزيد من انقسام ليبيا بدلًا من أن تكون عاملا مساعدا في تحقيق استقرارها.
- تتعرض قوانين الانتخابات وقواعدها الإجرائية لانتقادات على نطاق واسع، ولذلك فمن غير المرجح أن تسفر الانتخابات عن نتيجة يقبل بشرعيّتها الشعب الليبي بالكامل.
- لن يقبل العديد من المرشحين الرئيسيين للرئاسة ومؤيديهم استبعادهم من المنافسة الانتخابية، أما أولئك الذين ستقبل ترشيحاتهم فقد لا يعترفون بالنتائج المعلنة إن أسفرت عن فوز مرشح آخر.
- لدى كل طرف من الأطراف الخارجية ممّن تدخّل في الصراع الأهلي الليبي مرشّحه المفضل، ولذلك فالجميع ينتظر النتائج بفارغ الصبر.
دعا المجتمع الدولي، كما ورد في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أبريل 2021، إلى إجراء انتخابات وطنية في ليبيا وذلك في 24 كانون الأول (ديسمبر) لمعالجة عقد من الصراع الأهلي الذي أعقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وقد أعرب يان كوبيش، المبعوث الخاص للأمين العام لليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وذلك في 10 أيلول (سبتمبر) عقب زيارته ليبيا لمناقشة الانتخابات والقضايا ذات الصلة، عن أهمية الانتخابات لمجلس الأمن، وقال:
الانتخابات الآن ليست مجرد التزام أخلاقي أو سياسي، فهي ضرورة سياسية وأمنية تضمن استمرار التطورات الإيجابية التي تحققت في ليبيا منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وتمكّن ليبيا من تجاوز حالة الشلل والأزمات المتواصلة والصراع الدائم وعملية الانتقال (التي طال أمدها) لإكمال العملية السياسية والدخول في مرحلة البناء المستدام للأمن والاستقرار والوحدة والتنمية. يجب أن تتاح للشعب الليبي الفرصة للتعبير عن إرادته وانتخاب ممثليه بحرية ومنحهم شرعية شعبية راسخة.
ومع ذلك، فإن العديد من المراقبين يقدرون أن التصويت، إذا جرى في التاريخ المحدد ووفقًا للقواعد والقوانين الانتخابية المتفق عليها حتى الآن، قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام وزعزعة الاستقرار في ليبيا. والواقع أن وقف إطلاق النار بين القوات المتمركزة في شرق ليبيا، الجيش الليبي الوطني، والموالين للحكومة المؤقتة المدعومة من الامم المتحدة ومقرها في طرابلس، قد احتُرم إلى حد كبير منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2020، ولكن الخبراء لا يتوقعون صمود وقف إطلاق النار ما لم تقم حكومة وطنية منتخبة يمكن للجميع الاعتراف بشرعيتها. ومع بقاء أقل من شهر على الانتخابات، تظل الأسئلة الرئيسية من دون حل. ومع عدم اعتماد دستور توافقي جديد، كان قانون الانتخابات الذي سيحكم الانتخابات محل نزاع واسع. ومن بين الانتقادات الموجهة أنه ينص على أن يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة جدا مقارنة بسلطات البرلمان المنتخب – وهو ما قد يعني اختلالا في التوازن يقلل من قدرة الهيئة التشريعية المنتخبة على مساءلة الرئاسة. وفيما يتعلق بالعملية الانتخابية، فإن التصويت في 24 كانون الأول (ديسمبر) سيكون فقط للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. أما جولة الإعادة بين المرشحَين الحاصلَين على أكبر عدد من الأصوات (إذا لم يحصل أحد على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى) فستجري بعد 50 يومًا، ومعها ستجري الانتخابات البرلمانية. وسيعلن عن نتائج جولة الإعادة والانتخابات البرلمانية في وقت واحد – في محاولة لمعالجة المخاوف من أن نتائج الانتخابات الرئاسية يمكن أن تؤثر في التصويت البرلماني. وتضيف استقالة كوبيس في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، والتي فُسّرت على أنها تمهد الطريق لفصل دور المبعوث الخاص عن دور مدير بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، المزيد من التساؤلات إلى الحالة الراهنة من الغموض.
ويزيد حقل الترشح الرئاسي من تعقيد الصورة الانتخابية. فقد كان بين المرشحين الـ 98 الذين سجلوا أسماءهم في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) شخصيات بارزة كثيرة من دوائر انتخابية مهمة – ومن المرجح أن يشكك هؤلاء في العملية الانتخابية إذا استبعدوا عن السباق الانتخابي أو خسروا في الانتخابات، وقد يؤدي الاستبعاد أو الخسارة إلى تجدد الصراع الأهلي. وسيعلن عن القائمة النهائية للمرشحين المعتمدين في الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر)، إلا أن مفوضية الانتخابات الليبية استبعدت على الفور 25 تقريبا من المرشحين الرئاسيين لأسباب مختلفة، بما في ذلك سيف الإسلام، نجل القذافي، لدوره المزعوم في قمع المعارضة التي أطاحت بوالده. وفي 26 تشرين الثاني (نوفمبر) هاجم مسلح محامين حاولوا رفع دعوى استئناف على رفض ترشيحه. أما خليقة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، فلم يستبعد على الفور، لكن ذلك قد يحدث بسبب جرائم حرب مزعومة ارتُكبت بالتزامن مع هجومه الفاشل بين سنتي 2019 و2020 للاستيلاء على طرابلس. وقد يستبعد أيضا عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس والمدعومة من الأمم المتحدة، لرفضه التنحي عن منصبه قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، كما يقتضي قانون الانتخابات. وتقدم عقيلة صالح عيسى رئيس البرلمان الذي يتخذ من المنطقة الشرقية مقرا له بطلب للترشح، لكنه لا يزال موضع تشكيك في أعين الكثيرين بوصفه محرر قانون الانتخابات المثير للجدل.
ومن المؤكد أن أي صراع متجدد بعد الانتخابات سيجذب انتباه الدول التي لا تعد ولا تحصى والتي كانت تدعم مختلف الفصائل الليبية الرئيسية. فعلى سبيل المثال، دعم تحالف مكون من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا وجهات خارجية أخرى محاولة حفتر الفاشلة في 2019 للاستيلاء على ليبيا بأكملها. وتزعم هذه الدول أن حفتر هو من أشد المعارضين للجماعات الإرهابية الإسلامية والأحزاب الإسلامية المرتبطة بالإخوان المسلمين، على الرغم من أن هذا الزعم لا يبدو أكثر من غطاء لمجموعة من الأهداف الأخرى المرتبطة بالطاقة والجغرافيا السياسية. وقد دعمت الحكومةَ المؤقتة التي تتخذ من طرابلس مقرًّا لها معظمُ القوى الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة التي عدّت دعم الأمم المتحدة بمثابة إضفاء للشرعية. ومع ذلك، فقد تعاملت إدارة ترامب وفرنسا في بعض الأحيان مع حفتر بوصفه شريكا محتملا في مكافحة الإرهاب. وكانت تركيا أقوى داعم لطرابلس، وقد زودت حكومة الوحدة بطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات الرئيسية التي مكنتها من صد هجوم حفتر. وعلى الرغم من أن القوى الخارجية ترغب في انتصار فصائلها المفضلة في الانتخابات الليبية المقبلة، فمن المرجح أن يرحب الجميع بالنتيجة إذا عُدّت شرعيةً لأنها ستمكنهم من الخروج من الصراع. على أن احتمالات الخروج بمثل هذه النتيجة تبدو ضئيلة.