أوّل الكلام آخره:
- يأمل أليكسي نافالني بعد عودته إلى روسيا رغم اعتقاله على الفور أن يكون مصدر إلهام للشعب الروسي ليتحرر من عقود من الحكم الاستبدادي.
- بنية النظام في روسيا لا تسمح بأي معارضة سياسية لحكم بوتين، إذ يقضى على أي شكل من أشكال المعارضة من خلال القوة القسرية.
- على الرغم من التوترات المتزايدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، لا تزال موسكو تتمتع بنفوذ قوي، ولا سيما من خلال خط أنابيب نورد ستريم 2.
- كتب نافالني في رسالة من السجن بعد صدور الحكم عليه: «أغلقت الأبواب الحديدية من خلفي برنين يصم الآذان، لكنني أشعر أنني رجل حر».
بعد اعتقال أليكسي نافالني في 17 كانون الثاني / يناير 2021، انطلقت احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء روسيا، من سانت بطرسبرغ إلى موسكو. وقد أظهر نافالني شجاعة لا توصف وإخلاصا كبيرا عندما رجع إلى روسيا لتحدي فلاديمير بوتين، مع علمه بحتميّة القبض عليه. ونجا نافالني بالكاد من محاولة اغتيال في آب / أغسطس 2020 نفّذها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي باستخدام مادة كيميائية تعرف باسم «نوفيشوك». وبعد تعافيه في ألمانيا، قرر العودة إلى روسيا، مدركا تماما المصير الذي ينتظره. ومع ذلك، في ظل مواجهة الاعتقال والسجن تحت أقسى الظروف، سعى نافالني إلى إلهام الروس للاحتجاج وتحدي الحكم الاستبدادي. وكما كان متوقعا، قبضت السلطات الروسية على نافالني بمجرد هبوطه على أرض البلاد، ثم حكمت عليه محكمة في موسكو بالسجن لمدة عامين ونصف في مستعمرة جزائية. وكانت الحجة (التي يبدو للوهلة الأولى أنها قد استعيرت من عالم كافكا الخيالي) أن نافالني، الذي كان أساسا تحت المراقبة مع عقوبة ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ، قد غاب عن مواعيده مع ضابط المراقبة، على أن غيابه إنما كان لأنه كان يتعافى من محاولة اغتيال يعتقد الكثيرون أن الكرملين قد دبرها له.
وقد قبضت السلطات على آلاف الروس الذين نزلوا بكثرة إلى شوارع المدينة منددين بفساد نظام بوتين واحتجزتهم. وردت الشرطة الروسية وأجهزة الأمن بالعنف على المتظاهرين، مستخدمة الغاز المسيل للدموع وأجهزة الصعق الكهربائي لإخضاع المدنيين. وعلى الرغم من الزخم الذي ولدته هذه الاحتجاجات، لا يزال من غير المحتمل أن تؤدي إلى تغيير سياسي على المدى القريب. ومن دون شك، فإن بنية النظام في روسيا لا تسمح بأي معارضة سياسية لحكم بوتين، إذ يقضى على أي شكل من أشكال المعارضة من خلال القوة القسرية التي لا تخضع للمساءلة إلا أمام القيادة. ومن المتوقع أن تهدأ الاحتجاجات المنظمة حتى الربيع، عندما تتحسن ظروف الطقس ويتمكن المتظاهرون من تحديد الخطوة التالية، في بلد لم يطرح فيه سؤال «ماذا بعد؟» لأكثر من عقدين. إن الاحتجاج دون تغيير يذكر يناسب القيادة فهو يسمح بتنفيس غضب الشارع.
وعلى الرغم من التوترات المتزايدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، فلا تزال موسكو تتمتع بنفوذ قوي، ولا سيما من خلال خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي تزود روسيا من خلاله ألمانيا بالغاز الطبيعي، مما يقلب مسار خط الأنابيب الحالي الذي يمر عبر أوكرانيا. وقد عارضت الولايات المتحدة وغيرها خط أنابيب نورد ستريم 2، مدعية أنه سيعزز قبضة بوتين الخانقة على إمدادات الطاقة إلى أوروبا. ويعترض آخرون على المشروع لأسباب بيئية. وقال أرمين لاشيت، الزعيم المنتخب حديثا للديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا والمتوقع أن يحل محل المستشارة أنجيلا ميركل التي خدمت في منصبها لفترة طويلة، إنه لا يرى أي سبب لعدم المضي قدما في المشروع، قائلا «إن الدعاوى الأخلاقية الفارغة والشعارات الشعبوية لا تصنع سياسة خارجية متّزنة».
وحظي نافالني باهتمام دولي يفوق كثيرا حجم قاعدته المحلية، وهذا أغضب الكرملين. وفي 5 شباط / فبراير، طردت روسيا دبلوماسيين من السويد وبولندا وألمانيا. وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الدبلوماسيين شاركوا في «المظاهرات غير القانونية» التي حصلت في 23 كانون الثاني / يناير. وقد تزامن طردهم مع اجتماع بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. وفي 8 شباط / فبراير، ناقش الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة كيفية الرد على عمليات الطرد الأخيرة هذه. وقال بوريل إن الإجراءات أكدت أن «أوروبا وروسيا يسلكان مسارين منفصلين». وكان نافالني قد كتب في رسالة من السجن بعد صدور الحكم عليه: «أغلقت الأبواب الحديدية من خلفي برنين يصم الآذان، لكنني أشعر أنني رجل حر». ولقد أعربت إدارة بايدن عن دعمها لنافالني وعارضت سجنه، ولكن سيبقى هذا الدعم بالخطابات مجرد كلام لا يترجم إلى أفعال. ولا تزال واشنطن بحاجة إلى تحديد أفضل السبل للنهوض بالمصالح الأمريكية، بما في ذلك تعزيز الديمقراطية في الداخل والخارج، وكيف تؤثر هذه الاستراتيجية الأوسع على السياسة الخارجية تجاه روسيا. علاوة على ذلك، تعد روسيا لاعبا مهما في عدد من القضايا الأمنية، بما في ذلك الصراع في سوريا، حيث سيبرز نوع من الشراكة اللازمة لفرض شيء من الاستقرار هناك. وفي حين أعربت إدارة بايدن عن استعدادها للتعاون بشأن بعض الأولويات المشتركة، مثل تخفيض الأسلحة في البلدين، فقد أكدت أيضا منذ البداية أن روسيا لن تتمتع بتدابير الحماية نفسها التي كانت تتمتع بها زمن الإدارة الأمريكية السابقة. ومع ذلك فإن الارتباك لا يزال يكتنف مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الطرق المثلى للتعامل مع بوتين. وعلى الغرب أن يستكشف الخطوة التالية التي يجب اعتمادها كما يفعل مؤيدو نافالني من خلال البحث عن جواب لـ«ماذا بعد؟».