أوّل الكلام آخره:
- شهدت الانتخابات الرئاسية في 9 آب / أغسطس فوز ألكسندر لوكاشينكو، الرجل القوي المستبد، بولاية سادسة في روسيا البيضاء، آخر معاقل الديكتاتورية في أوروبا، مما أثار احتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
- إن التوترات مع موسكو سوف تضع الحكومة الحالية تحت ضغط كبير، مما قد يجعلها تعجز عن الصمود أمام المعارضة الشعبية أو أمام تدخل روسي بقبضة حديدية.
- على الرغم من العلاقات التاريخية والثقافية والسياسية مع موسكو، فقد أثبت لوكاشينكو أنه حذر من الخضوع الكامل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- حتى لو فشلت الضغوط المتزايدة من الغرب لإنهاء حكم لوكاشينكو، فإنه سيقوم على الأرجح بإجراء بعض التغييرات لتخفيف العقوبات الاقتصادية الحادّة وعقوبات حقوق الإنسان.
شهدت الانتخابات الرئاسية في 9 آب / أغسطس فوز ألكسندر لوكاشينكو، الرجل القوي المستبد، بولاية سادسة في روسيا البيضاء، آخر معاقل الديكتاتورية في أوروبا. وكثر الحديث عن تزوير الانتخابات وأدى ذلك إلى احتجاجات في جميع أنحاء البلاد دخلت أسبوعها الثاني. وقد حكم لوكاشينكو في البلاد لطيلة ستة وعشرين عاما. ولكن على خلفية عجزه عن التعامل مع جائحة كورونا (مع توصياته بشرب الفودكا والاستحمام في الساونا وقيادة الجرارات للحد من انتشار الفيروس)، وحضور الشباب المنادي بالتغيير على وسائل التواصل الاجتماعي، والتحديات الاقتصادية الخطيرة، تبدو روسيا البيضاء وكأنها على شفير أن تشهد ثورة سياسية. وقد سجنت الحكومة آلاف المتظاهرين الذين أفادت معلومات عن مقتل العديد منهم. وقد نزل أعضاء حركة «النساء بالأبيض» إلى الشوارع لدعم مرشحة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا ودعم الإصلاح الجنساني في مجتمع ذكوري بأغلبيته. وتعاني النساء، اللواتي يشكلن النسبة الأكبر من الأطباء في روسيا البيضاء، من عدد غير متناسب من الوفيات بسبب انتشار الوباء، دون أن يمنعهن ذلك من النزول في الصفوف الأولى للاحتجاج على الانتخابات. ويوم الأحد الماضي، خرج مئات الآلاف من المتظاهرين في أكبر احتجاج في تاريخ البلاد في مينسك. وقد استلهم المتظاهرون تحركاتهم من تيخانوفسكايا، التي تلقت دعما غير متوقع بعد ترشحها الذي أتى في أعقاب اعتقال زوجها.
وكانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية المصدرة للنفط بعد استشعار إمكانية عودة العلاقات بين روسيا وروسيا البيضاء إلى سابق عهدها بعد توتّرها مطلع عام 2020، قد بدأت في الضغط لتطبيع العلاقات مع لوكاشينكو. وقد زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو البلاد في شباط / فبراير 2020 ووعد بتلبية جميع احتياجات روسيا البيضاء من الطاقة (وهو القطاع الذي تسيطر عليه الشركات الروسية منذ فترة). وقد رفع الغرب عقوباته تدريجيا بعد أن أظهرت العاصمة مينسك التزامها بالإفراج عن السجناء السياسيين والتغاضي عن المعارضة السياسية. ومع ذلك، وفي أعقاب أعمال العنف الصادرة عن الدولة والتي حدثت مباشرة بعد إصدار نتائج الانتخابات المتنازع عليها، لا تزال الشكوك تحوم حول الشراكة بين روسيا البيضاء والغرب. ويؤيد الاتحاد الأوروبي بالكامل إعادة العمل بالعقوبات على روسيا البيضاء، ما خلا رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي كان المعترض الوحيد. وانتقد بيان صحفي لوزارة الخارجية الأمريكية ما عدّته «انتخابات غير عادلة»، وكذا فعل الاتحاد الأوروبي الذي أدان الانتخابات بوصفها غير شرعية. وقد يجد لوكاشينكو نفسه عالقا اليوم في منتصف الطريق بين روسيا والغرب. فالتوترات مع موسكو، إلى جانب العقوبات التي من المرجح أن تدعو إليها حملة ما بعد الانتخابات، من شأنها أن تضع الحكومة الحالية تحت ضغط كبير، مما قد يجعلها تعجز عن الصمود أمام المعارضة الشعبية أو أمام تدخل روسي بقبضة حديدية. ويعتقد معظم الخبراء أن روسيا ستمتنع عن المشاركة العسكرية المباشرة خاصة إذا تمكن الكرملين من العمل وراء الكواليس للتأثير وتشكيل حكومة جديدة تعتمد على موسكو، ولكن مع حب بوتين للمغامرة، لا مستحيل.
وقد ازدادت العلاقات بين روسيا وروسيا البيضاء تعقيدا في وقت سابق من هذا العام بعد فشل الدولتين فى تجديد عقد الطاقة. واشتدت التداعيات عندما ألقي القبض على 32 مواطنا روسيا في روسيا البيضاء قبل الانتخابات واتهموا بمحاولة التأثير في نتائج الانتخابات. وقد زعم أنهم كانوا مرتزقة يعملون تحت مظلة مجموعة فاغنر، وقد عثر في حوزتهم على جوازات سفر روسية، ورزم من مئات الدولارات، وبطاقات هاتفية من السودان، وزعموا أنهم كانوا في طريقهم إلى إفريقيا. ولكن وجودهم زاد من حدة المخاوف القائمة بشأن التدخل الخارجي. وقد سبق أن تصدّى لوكاشينكو للقوى الأجنبية لتدخلها في سياسة بلاده، وكان غاضبا خاصة مما وصفه بالمحاولات الروسية لإجبار روسيا البيضاء على الدخول في دولة «اتحادية» مقترحة. وعلى الرغم من العلاقات التاريخية والثقافية والسياسية مع موسكو، فقد أثبت لوكاشينكو أنه حذر من الخضوع الكامل للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وأنه مهتمّ بسيادة روسيا البيضاء. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات المتصاعدة في العاصمة مينسك لم تترك أمام رجل روسيا البيضاء القوي العديد من الخيارات، وقد لجأ لوكاشينكو بالفعل إلى موسكو للحصول على المساعدة بعد أن اعتراه اليأس. وقد وعد بوتين بتقديم «مساعدة شاملة» إدراكا منه لتداعيات تغيير النظام في دولة كانت تابعة لبلاده ومحيطة بها.
وعلى الرغم من مساعدة بوتين، فإن روسيا البيضاء قد لا تعود أبدا إلى وضعها السابق قبل الانتخابات. وحتى لو فشلت الضغوط المتزايدة من الغرب لإنهاء حكم لوكاشينكو، فإنه من المرجح أن يقوم بإجراء بعض التغييرات لتخفيف العقوبات الاقتصادية الحادّة وعقوبات حقوق الإنسان. إن إطلاق سراح السجناء السياسيين، والمتظاهرين، وتخفيف المراقبة الحكومية على وسائل الإعلام، عوامل ضرورية لرفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي. وقد حذر بوتين الدول الأوروبية يوم الثلاثاء من التدخل فى روسيا البيضاء. أما بالنسبة للمطالب الأمريكية، فقد تأخرت روسيا البيضاء كثيرا في التصرف وقد يتكبد اقتصادها الموجه مركزيا ضربة قاصمة إذا فعّلت واشنطن قانون ماغنيسكي. وقد يتقرر مصير الديمقراطية في روسيا البيضاء في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة بعد عقود من حكم قاس كان امتدادا للحقبة السوفياتية. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تحدثت تيخانوفسكايا من المنفى في ليتوانيا، مشيرة إلى أنها مستعدة لتولي السلطة بطريقة سلمية. وفي نفس الوقت تقريبا، وافق لوكاشينكو على إمكانية إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد أن أزعجه حشد من عمال مصانع الجرارات، وهم من أفراد الياقات الزرقاء الذين يشكلون قاعدته السياسية التقليدية. ومن شأن التراجع عن نتائج الانتخابات أن يشكل سابقة مهمة للسياسة الإقليمية، الأمر الذي يهدد شرعية بوتين التاريخية في حديقته الخلفية. وبناء على ذلك، فمن المرجح أن تبذل موسكو كل ما في وسعها لتشويه سمعة الحركة الديمقراطية وتفكيكها في روسيا البيضاء، ويتعين على المنظمين أن يستعدوا لنضال طويل ومرير في سعيهم إلى التغيير المستدام.