أوّل الكلام آخره:
- يشير وقف إطلاق النار وإعادة هيكلة الحكومة اليمنية إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يبحث عن مخرج للصراع.
- ربما تكون الهجمات الصاروخية الحوثية على المملكة والإمارات، إلى جانب توتر العلاقات الأمريكية مع الدولتين الخليجيتين، قد غيرت حسابات محمد بن سلمان بشأن استمرار الحملة العسكرية.
- تهدف إعادة تنظيم حكومة الجمهورية اليمنية إلى تخفيف حدّة الاقتتال الداخلي الذي أعاق جهود التحالف العربي الحربي وجهود الأمم المتحدة لحل النزاع.
- يمكن أن يساعد وقف إطلاق النار لمدة شهرين في تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن.
في أوائل نيسان (أبريل)، بدأت الأطراف المتحاربة في اليمن، بدعم من القوى الإقليمية المتنافسة، تنفيذ وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد لمدة شهرين، وهو الأول منذ عام 2016. وهذه الهدنة هي أهم خطوة نحو إنهاء الأعمال العدائية منذ تدخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومعهما بعض الحلفاء العرب، في عام 2015 لمساعدة حكومة الجمهورية اليمنية في التغلب على التحدي الذي مثلته جماعة الحوثي المدعومة من إيران. وكان الحوثيون قد أطاحوا بالحكومة واستولوا على العاصمة صنعاء في عام 2014. وكان الهدف الرئيسي للتحالف العربي هو دحر نفوذ إيران الإقليمي من خلال هزيمة حلفاء إيران الإقليميين أو عزلهم. ويشمل هؤلاء الحلفاءـ فضلا عن الحوثيين، الميليشيات الشيعية العراقية. وحزب الله اللبناني.
ويمثل وقف إطلاق النار اختراقًا ناجحا لوسطاء الأمم المتحدة والولايات المتحدة الذين يحاولون صياغة اتفاق سلام دائم. وتتطلب الهدنة من الأطراف وقف جميع العمليات العسكرية في اليمن وعبر الحدود، والسماح بنقل الوقود إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون عبر ميناء الحديدة الرئيسي الذي يسيطر عليه الحوثيون، وكذلك السماح لبعض الرحلات الجوية بالعمل من مطار صنعاء. وقال هانز جروندبرج مبعوث الأمم المتحدة بشأن الصراع في اليمن إنه يحاول أيضًا الحصول على اتفاق من الجانبين لإعادة فتح الطرق حول تعز ومحافظات أخرى ليكون ذلك جزءا من وقف إطلاق النار. وسيسهل الوصول الدولي الموسع إلى مراكز العبور إيصال المساعدات الإنسانية الإضافية، وهي خطوة حيوية لمساعدة السكان اليمنيين البالغ عددهم 30 مليونًا والذين تسببت الحرب في مقتل مئات الآلاف منهم، وجوّعت الملايين منهم، وتركت 80 % منهم يعتمدون على المساعدات. كما ساهم القتال في أكبر انتشار للكوليرا في العالم بين عامي 2016 و2021. وبالتزامن مع وقف إطلاق النار، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تقديم 300 مليون دولار لصندوق الإغاثة الإنسانية لليمن التابع للأمم المتحدة ودعت إلى عقد مؤتمر للمانحين لدعم اليمن.
ويضغط مبعوث الأمم المتحدة جروندبرج لجعل وقف إطلاق النار دائمًا ويدفع لعقد محادثات شاملة لإنهاء الصراع. وأفاد مكتبه أنه بينما أدى وقف إطلاق النار إلى «انخفاض كبير في العنف»، ظهرت تقارير عن «بعض الأنشطة العسكرية العدائية»، ولا سيما حول مدينة مأرب المركزية التي كانت ساحة المعركة الرئيسية لأكثر من عام. وكان الحوثيون قد حققوا نجاحًا كبيرًا في محافظة مأرب منتصف عام 2021، لكن إعادة انتشار لواء العمالقة المدعوم من الإمارات في تلك الجبهة وضع الحوثيين في موقع دفاعي بحلول أواخر عام 2021. وبدلًا من قبول التسوية وسط الانتكاسات، صعد الحوثيون بدلًا من ذلك بإطلاق الصواريخ الباليستية التي تمدهم بها إيران على أبو ظبي في أوائل عام 2022. ولم يتوقف الحوثيون عن استهداف المملكة العربية السعودية بشكل منتظم على مدى السنوات الماضية، لكن التصعيد ضد الإمارات ربما يكون قد أقنع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان أن تكاليف استمرار الحرب قد تفوق المكاسب.
وبالتوازي مع هذا ضغط محمد بن سلمان على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للتنازل عن السلطة. في 7 نيسان (أبريل)، فيما ظهر على أنه إشارة لبحث محمد بن سلمان عن مخرج للصراع. وفعلا، نقل هادي، الذي يعيش في المنفى في المملكة العربية السعودية منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014، سلطاته إلى مجلس رئاسي لإدارة الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة ولقيادة المفاوضات مع الحوثيين. وبحسب ما ورد كان الهدف من إعادة الهيكلة توحيد الفصائل الموالية للسعودية وتلك الموالية للإمارات التي تقاتل الحوثيين؛ وكان الاقتتال الداخلي بين هذه الجماعات قد أدى لا إلى تعقيد الجهود الحربية التي تقودها السعودية فحسب، بل إلى تعقيد جهود التسوية التي تقودها الأمم المتحدة أيضا. وفي إطار نقل السلطة، أقال هادي نائبه علي محسن الأحمر، وهو جنرال كبير قاتل في الماضي كلًا من الحوثيين والميليشيات المدعومة من الإمارات. وسيترأس مجلس القيادة الانتقالية رشاد العليمي، وزير الداخلية السابق وعضو حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي، والذي يعمل بشكل وثيق مع السعوديين. ولإرضاء محمد بن زايد، الذي يعارض بشكل عام العمل مع الحركات الإسلامية مثل حزب الإصلاح، عُيّن العديد من الشخصيات الرئيسية المدعومة من الإمارات في المجلس الانتقالي، بما في ذلك قائد لواء العمالقة. ودعت السعودية المجلس الجديد لبدء مفاوضات مع الحوثيين للتوصل إلى «حل سياسي شامل»، وتعهدت السعودية والإمارات بتقديم 3 مليارات دولار للبنك المركزي اليمني.
ومن الدوافع الإضافية التي تدفع قادة الخليج لقبول التسوية إزالة ملف اليمن من قائمة القضايا الخلافية مع شريكهم الرئيسي، الولايات المتحدة. فقد كانت قضية اليمن موضع انتقاد وجهه كثير من المسؤولين الأمريكيين للدولتين الخليجيتين لتسببهما في سقوط ضحايا مدنيين وكارثة إنسانية في اليمن. وتشمل قائمة القضايا الخلافية مع محمد بن سلمان، ومع محمد بن زايد بدرجة أقل، إلى جانب قضية اليمن: دور محمد بن سلمان في اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي؛ وتمنّع الدولتين الخليجيتين عن زيادة إنتاج النفط للتعويض عن آثار العقوبات الغربية المتعلقة بغزو أوكرانيا على روسيا؛ وتوسّع العلاقات الإماراتية مع نظام الأسد في سوريا. وقد أعرب الزعيمان الخليجيان من جهتهما عن مخاوفهما من أن الولايات المتحدة لا تبدو ملتزمة على نحو كاف بدحر نفوذ إيران الإقليمي. وقد اشتكيا علنًا من إزالة المسؤولين الأمريكيين الحوثيين من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية في أوائل عام 2021، ثم رفض إعادة تصنيفهم كذلك في أعقاب الهجمات الصاروخية الحوثية على الإمارات. وعلى الرغم من استعداد القادة في الرياض وأبو ظبي الواضح للخروج من الصراع، فإنهم قد يرفضون أي اتفاق سلام نهائي يرسخ الحوثيين فصيلا مسلحا قويا يمكن لطهران من خلاله استعراض قوتها في شبه الجزيرة العربية في الزمان والمكان الذي تحدده القيادة الإيرانية.