أوّل الكلام آخره:
- وافقت إدارة بايدن رسميا على تنفيذ عملية دبلوماسية لإحياء مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
- يتجاوز موقف الإدارة الأمريكية موقف كل من يدافع عن ضرورة اتفاق جديد يعالج مجموعة أوسع من مسائل الاشتباك مع إيران.
- أعلنت الولايات المتحدة عن بعض تدابير بناء الثقة لإظهار استعداد واشنطن لاستئناف التزامها بالاتفاق.
- ما زال القادة الإيرانيون متصلّبين في مواقفهم ولكنهم يعانون بلا شك بسبب الضغط الاقتصادي للعقوبات الأمريكية، ومن المرجح أن يرحبوا في نهاية المطاف بالمبادرات الدبلوماسية.
في المناقشات مع قادة من أوروبا ومن بعض الدول الأخرى بين 18 و19 شباط / فبراير، رحب الرئيس بايدن وفريق السياسة الخارجية في إدارته رسميا ببدء عملية دبلوماسية تسمح بالانضمام مرة أخرى إلى الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 والذي خرجت منه إدارة ترامب في أيار / مايو 2018. وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة «ستقبل دعوة من الممثل السامي للاتحاد الأوروبي لحضور اجتماع يضمّ جميع الأطراف الأصلية في الاتفاقية (أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، ومعها ألمانيا، فضلا عن إيران) لمناقشة الخطوات الدبلوماسية للمضي قدما في معالجة البرنامج النووي الإيراني». وفي حال عقد الاجتماع المقترح، فمن المفترض أن يمثل إدارة بايدن مبعوثها الجديد للشؤون الإيرانية، روبرت مالي.
وقد مثلت تصريحات الإدارة الأمريكية أول إشارة واضحة منذ تولي الرئيس بايدن منصبه بأن الولايات المتحدة تريد العودة إلى الاتفاق القائم بدلا من الضغط من أجل اتفاق جديد يعالج مجموعة أكبر من مسائل الاشتباك مع إيران. وقد عارض عدد من خبراء الأمن القومي، والعديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، بما في ذلك بعض الديمقراطيين، اتفاق عام 2015 لأنه لا يفرض القيود على تطوير إيران للصواريخ الباليستية، ولا يعالج دعمها للفصائل المسلحة والحلفاء في المنطقة (ولعل الأمر الأخير أكثر أهمية من مسألة الصواريخ). وكان هؤلاء المنتقدون قد دعوا الرئيس بايدن إلى استخدام النفوذ الاقتصادي الذي توفره استراتيجية حملة «الضغط القصوى» لإدارة ترامب في محاولة لإجبار إيران على تقديم التنازلات بشأن هذه القضايا في إطار اتفاق منقح. ويبدو أن قرار المضي قدما يعكس استنتاجين توصل إليهما فريق بايدن. أولا، أن إيران عازمة على تنفيذ تهديداتها بمواصلة انتهاك شروط الاتفاق ما لم تنضم الولايات المتحدة مرة أخرى إليه. وثانيا، أن طهران لن توافق على أي من مطالب الولايات المتحدة المتعلقة بفرض القيود على برنامجها الصاروخي وعملياتها الإقليمية في إطار اتفاق منقح. وتؤكد الإدارة أنه يمكن معالجة القضايا الأوسع نطاقا في «محادثات المتابعة» بعد إعادة الاتفاق الأصلي إلى التنفيذ الكامل من جميع الأطراف.
ومع ذلك، فإن الطريق الدبلوماسي نحو الاستعادة الكاملة لخطة العمل الشاملة المشتركة سيكون شاقا. ومن الجدير ذكره أن إيران لم تقبل حضور الاجتماع على الفور، وبدلا من ذلك ثبتت على مواقفها القديمة والتي مفادها أنه يجب على الولايات المتحدة رفع العقوبات الاقتصادية قبل أن تعود إيران إلى الامتثال لالتزاماتها. وقد أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من جديد أنه، تماشيا مع التشريعات التي سنها البرلمان الإيراني في كانون الأول / ديسمبر، ستبدأ إيران في الحد من وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآتها النووية ابتداء من 23 شباط / فبراير. ويبدو أن التصريحات الإيرانية تتجاهل البيان المشترك الصادر في 18 شباط / فبراير عن الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث في الاتفاق النووي (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) الذي يحث إيران على «ألّا تتخذ أي خطوات إضافية خطيرة… على صعيد الحد من وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية… وأن تنتبه إلى عواقب مثل هذا العمل الخطير، ولا سيما في هذا الوقت الذي تتجدد فيه الفرص الدبلوماسية». وقد يكون من الصعب على المسؤولين الأمريكيين إيجاد صيغة لإقناع إيران بأن الإدارة الأمريكية المستقبلية لا يمكنها أن تقرر مرة أخرى إلغاء الاتفاق فيما لو كانت إيران تمتثل امتثالا تاما. ومن المحتمل أن يؤثر هذا المستوى من الشك في عدد من العلاقات الدولية، إذ غالبا ما كانت إدارة ترامب تهمش الحلفاء التقليديين، وتتقرّب من القادة الاستبداديين.
ومع ذلك، يقدر المراقبون الأوروبيون وغيرهم أن إيران ستوافق على الأرجح في النهاية على استئناف الدبلوماسية والعودة إلى الاتفاق. ومما لا شك فيه أن العقوبات الأمريكية ضغطت على الاقتصاد الإيراني. ولا شك أيضا أن القادة الإيرانيين يدركون أن رفضهم لمحاولات إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق سيقصيهم ويعزلهم دوليا. وقد أصدر المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي تصريحات تدعم عودة إيران إلى الامتثال للقيود النووية المفروضة في الاتفاق إذا استأنفت الولايات المتحدة تنفيذه، بما في ذلك رفعها للعقوبات. ولا يزال القادة الإيرانيون يؤكدون أن جميع انتهاكات إيران للاتفاق «يمكن عكسها».
وبالتزامن مع العروض الأمريكية الدبلوماسية، اتخذت إدارة بايدن بعض تدابير بناء الثقة لمحاولة التغلب على شكوك إيران وإقناعها بحضور المحادثات المقترحة، غير أنها مع ذلك لم تخفف أيا من عقوباتها الاقتصادية. فقد رفعت وزارة الخارجية الأمريكية قيود السفر الإضافية المفروضة على الدبلوماسيين الإيرانيين العاملين في الأراضي الأمريكية (وبشكل رئيسي في بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك)، التي فرضتها إدارة ترامب. فضلا عن أنها ألغت رسميا تأكيد إدارة ترامب الصادر في أيلول / سبتمبر 2020 بأن جميع العقوبات الدولية قد عادت حيز التنفيذ بسبب الانتهاكات الإيرانية للاتفاق. ويعد هذا الإجراء الأخير رمزيا إلى حد كبير لأن الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك الحلفاء المقربون مثل المملكة المتحدة وفرنسا، عارضوا هذا التفعيل. وقد حلل مركز صوفان في تقريره «هل من وسيلة للمضي قدما مع إيران؟ الخيارات المتاحة لصياغة استراتيجية أمريكية» الصادر بالإنجليزية في 18 شباط / فبراير، قضية تفعيل العقوبات، وغيرها من تدابير بناء الثقة المحتملة، سواء الأمريكية أو الإيرانية، فضلا عن المسارات المحتملة للدبلوماسية الأمريكية-الإيرانية.