أوّل الكلام آخره:
- تتزايد المؤشرات على أن دول الشرق الأوسط باتت أكثر فأكثر على استعداد للتطبيع مع نظام الأسد، حتى بعد الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات في سوريا.
- أبدت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر، معارضتها لتطبيع العلاقات مع الأسد، بينما عزّزت الإمارات العربية المتحدة تواصلها مع النظام المحاصر.
- يواجه النظام أزمة خانقة دفعته إلى وضع اليد على أموال التجار وبعض أصولهم، فيما يواصل اقتصاد البلاد دوامة الانحدار.
- إن التحرك نحو التطبيع دون أي مساءلة للنظام عن الفظائع التي ارتكبت في سوريا من شأنه أن يشجع الأنظمة الدكتاتورية على التصرف على نحو مماثل.
مع الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى سوريا للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، تتزايد المؤشرات على أن دول الشرق الأوسط باتت أكثر استعدادا لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد. وكانت الولايات المتحدة صريحة في معارضتها لأي شيء يقترب من التطبيع. ففي أواخر أيلول (سبتمبر)، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: «لن تطبّع الولايات المتحدة علاقاتها مع نظام الأسد، ولن ترقّي علاقاتها الدبلوماسية، كما أننا لا نشجع الآخرين على القيام بذلك، في ضوء الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري». وتابع المسؤول: «الأسد لم يسترد شرعيته في نظرنا، ومن غير المطروح اليوم تطبيع العلاقات الأمريكية مع حكومته في هذا الوقت». ويمنح قانون قيصر الصادر عام 2019 الرئيس جوزيف بايدن قدرة على معاقبة النظام السوري ورجال الأعمال المرتبطين به.
وقد عارضت دول أخرى التطبيع مع الأسد. ففي منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)، قال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن قطر لا تفكر في تطبيع العلاقات مع سوريا وتأمل أن تتجنب دول أخرى في المنطقة الانصياع لنظام الأسد. ومع ذلك، فقد أعلنت الإمارات العربية المتحدة بشكل رسمي ترحيبها باقتراح إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية. كما وافقت الإمارات على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع سوريا من غير أن تطالب بتعديل سلوك الأسد. وقد أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في سوريا في نهاية عام 2018. وفي أوائل تشرين الأول (أكتوبر) تحدث الملك الأردني الملك عبد الله مع الأسد عبر الهاتف، وهو أول اتصال بينهما منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011. كما انخرطت مصر في التواصل مع سوريا، فالتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره السوري فيصل المقداد خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر). كما التقى رئيسا المخابرات السعودية والسورية مؤخرًا في مصر، ويشير خبراء إقليميون إلى أنه قد يرحّب بسوريا رسميًا في جامعة الدول العربية في القمة المقبلة المقرر عقدها في آذار (مارس) 2022.
من جهة أخرى، يواجه نظام الأسد أزمة خانقة، ولا سيما مع استمرار الاقتصاد السوري في دوامة الانحدار. ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، بدأ مسؤولون في النظام في مداهمة الشركات ومصادرة الأموال والأصول بشكل غير قانوني. وتحت ستار العمل مدققين ووكلاء ضرائب، قام عملاء الأسد بابتزاز قادة الأعمال، وعملوا بطريقة وحشية تكشف مدى سوء الأمور داخل سوريا. ويحتاج الأسد إلى الاستمرار في تمويل شبكة المحسوبية الواسعة في جميع أنحاء البلاد، والتي تشمل كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الذين ظلوا موالين للنظام طوال فترة الحرب الأهلية التي استمرت حتى الآن لأكثر من عقد. كما يبدو أن النظام متورط في نمو صناعة أدوية الكبتاغون في سوريا، على ما يشير تقرير لنيويورك تايمز، مما قد يجعل سوريا مركزا لتجارة المخدرات في المنطقة.
وقد قُتل ما لا يقل عن 350 ألف شخص خلال فترة الصراع، ويتحمل النظام وشركاؤه الروس والإيرانيين قسطا كبيرا من المسؤولية عن إزهاق أرواح أعداد لا حصر لها من المدنيين السوريين. ولا يزال شمال غرب سوريا، وخاصة محافظة إدلب، برميل بارود تحكمه حاليًا هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إرهابية مرتبطة سابقًا بالقاعدة. كما يُتّهم الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في أكثر من مناسبة، وباعتقال معارضيه وتعذيبهم. إن التحرك نحو التطبيع دون أي مساءلة للنظام عن الفظائع التي ارتكبت في سوريا من شأنه أن يشجع الأنظمة الدكتاتورية على التصرف على نحو مماثل والاستخفاف الوحشي بحياة الإنسان. وفي شهادة قوية أمام مجلس الأمن، دعا عمر الشجري، الذي قُتل أفراد عائلته على يد النظام وسُجن وعُذب هو نفسه، إلى المساءلة: «لدينا اليوم أدلة أقوى مما كانت لدينا ضد النازيين في نورمبرغ. نحن نعرف حتى مكان وجود المقابر الجماعية. لكن ما من محكمة دولية حتى اليوم ولا نهاية للمذابح المستمرة بحق المدنيين في سوريا».
على أن المساءلة تبقى أمرا بعيد المنال وصعبا للغاية على الصعيد السياسي، إن لم يكن مستحيلا. والمتاح اليوم طرق قليلة ومحدودة، إذ يمكن رفع بعض القضايا في الدول التي تمارس الولاية القضائية العالمية، ولدى المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بالولاية القضائية، ومن خلال محكمة العدل الدولية. فعلى سبيل المثال، مارست ألمانيا الولاية القضائية العالمية لمحاكمة مسؤول سابق في الحكومة السورية، حيث توصلت إلى حكم بالإدانة بتهمة المساعدة والتحريض على جرائم ضد الإنسانية. واستنادًا إلى السابقة المتمثلة بقبول المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية في قضية النقل القسري للروهينغيا من ميانمار إلى بنغلاديش، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تبحث الاختصاص القضائي بشأن النقل القسري لنظام الأسد للسوريين إلى الأردن، وهي دولة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ولكن حتى لو نجحت أي من طرق المساءلة هذه، فإن نطاق العدالة القابلة للحياة لن يراعي للأسف حجم الرعب الذي شوهد في السنوات العشر الماضية من الصراع.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما هي استراتيجية واشنطن تجاه سوريا. وفي ظل قلة الأوراق الأمريكية قد يصبح التطبيع ببساطة أمرًا واقعًا حيث تزن الدول تكاليف التواصل مع الأسد في مقابل فوائده، مع تقويم احتمالية التداعيات المتعلقة بالعقوبات الأمريكية. ولا يزال يُعتقد أن الصحفي الأمريكي أوستن تايس، الذي اختطف في عام 2012، من سجناء نظام الأسد. وعلاوة على ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستشرك واشنطن شركاءها الدوليين الرئيسيين في جهودها لمعاقبة النظام السوري، بالنظر إلى وجهات النظر المتباينة بين الحلفاء الرئيسيين حول قضايا مثل: إدارة إعادة التوطين، وإعادة تأهيل السكان المرتبطين بداعش في مخيمات النزوح في شمال شرق سوريا، وتأطير مكافحة الإرهاب والتنافس بين القوى العظمى كديناميات متعارضة. هذا دون أن نذكر تداعيات فشل المفاوضات مع إيران إن حصل، وازدياد انعدام الثقة بالولايات المتحدة في أعقاب الانسحاب الفاشل من أفغانستان.