أوّل الكلام آخره:
- على الرغم من تردّد المسؤولين الأمريكيين في التوقيع على معاهدة «منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي» التي ترعاها روسيا والصين، فإن العمل المتعدد الأطراف ضروري لمنع التصعيد في سباق التسلح في الفضاء.
- سوف تستفيد البشرية جمعاء من مواصلة استكشاف الفضاء وحماية أقمار الاتصالات، ولا ينبغي أن تتعرض المنافع الجماعية للخطر من أجل المكاسب العسكرية.
- لضمان أمن الأقمار العسكرية والمدنية، يجب أن تتناول أي معاهدة متعددة الأطراف تنظم أسلحة الفضاء الخارجي في القرن الحادي والعشرين منظومات الأسلحة الأرضية أيضا، وليس فقط تلك في الفضاء.
- غير أن معاهدة «منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي» في صيغتها الحالية تعمل على الحد من الأسلحة في الفضاء الخارجي بطريقة تفيد مصالح روسيا والصين وتعرقل خصومهما.
في 15 تموز / يوليو 2020، أطلقت روسيا جسما من قمرها الصناعي كوزموس 2543، وزعمت موسكو أن ما أطلقته كان «قمرا صناعيا للمراقبة» مصمما لرصد الأقمار الصناعية الروسية التي تدور بالفعل في المدار للكشف عن المخالفات. وفي حين أن أقمار التفتيش قانونية، أعرب مسؤولون أمريكيون وبريطانيون عن قلقهم إزاء الدوافع الخفية الروسية. وفي عام 2017، أطلق قمر صناعي روسي مقذوفة عالية السرعة بالقرب من قمر صناعي آخر روسي. وفي ذلك الوقت، زعم مسؤولون أمريكيون أن هذا كان اختبارا للأسلحة. ويتشابه الجسم الذي أطلق من كوزموس 2543 مع الجسم الذي أطلق بحادثة عام 2017 إلى حد يثير القلق. ومما يفاقم المخاوف الأمريكية اكتشاف مراقبي الفضاء في شباط / فبراير من هذا العام مؤشرات تدل على أن القمر الصناعي الروسي كوزموس 2542 يتعقب المركبة الفضائية الأمريكية « يو إس أيه – 245». وتثير هذه المناورة نقاشا هاما حول احتمال نشوب صراع في المناطق غير المنظمة في المدارات القريبة من الأرض. كما أن الاعتماد العسكري والمدني على الأقمار الصناعية في أنظمة تحديد المواقع العالمية والإنترنت والإذاعة يزيد من المخاطر التي تهدد الأمن بشكل لا يصدق. ومن المحير أن أهم اتفاقية متعددة الأطراف بشأن الأسلحة في الفضاء، أي معاهدة «الفضاء الخارجي لعام 1967»، قد صاغتها الدول قبل أكثر من نصف قرن. وعلى الرغم من تردد المسؤولين العسكريين الأمريكيين وصناع السياسات الأمريكية عن التوقيع على معاهدة «منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي» التي ترعاها روسيا والصين، فإن العمل المتعدد الأطراف ضروري لمنع التصعيد في هذا المجال الحساس وغير المنظم والسريع التطور.
وكانت معاهدة الفضاء الخارجي التي أبرمت عام 1967 مفيدة في مجال حظر الأسلحة النووية في الفضاء وتنظيم أنشطة الدول العسكرية في «الأجرام السماوية»، مثل القمر أو الكواكب الأخرى. وقد صيغت المعاهدة وصدّق عليها في ظل وصول القلق العالمي بشأن الحرب الذرية إلى ذروته، وكانت المعاهدة تهدف إلى نزع السلاح النووي عن «الجبهة الأخيرة» في الفضاء الخارجي. ولم ينظر واضعو المعاهدة في تنظيم الأقمار الاصطناعية والأسلحة المضادة لها، وذلك يعزى إلى أن القلائل منهم توقعوا آنذاك التطورات اللاحقة التي طرأت في حقول الانترنت أو في استخدام الفضاء الخارجي في قطاع الاتصالات وتحديد المواقع على الصعيد العالمي. غير أن بعض المبادئ التوجيهية الواردة في هذه الوثيقة يمكن أن تفيد في وضع معاهدة جديدة أكثر شمولا بشأن أسلحة الفضاء الخارجي. وبشكل أساسي، فإن معاهدة عام 1967 حمّلت البلدان مسؤولية الأضرار التي تسببها أثناء استكشاف الفضاء، وطالبت بالتمسك بـ«مبادئ التعاون والمساعدة المتبادلة» عند عملية استكشاف الفضاء. وتصحّ هذه المبادئ الأساسية اليوم كما كانت تصحّ عام 1967. وستستفيد البشرية جمعاء من مواصلة استكشاف الفضاء وحماية أقمار الاتصالات، فلا ينبغي أن تتعرض المنافع الجماعية للخطر من أجل بعض المكاسب العسكرية.
وفي ظل إدارتي أوباما وترامب، كان صانعو السياسات في الولايات المتحدة مترددين في تلبية شروط المسؤولين الروس والصينيين فيما يتعلق بـ«منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي». ولهذا التردد مسوّغ وجيه. ففي الصياغة المطروحة، عجزت المعاهدة أن تقدم تعريفا ملائما لما يمكن أن يعدّ سلاحا في الفضاء الخارجي. ويستند الاتفاق، الذي أقرت صيغته عام 2008، إلى الأطر القائمة التي وضعتها معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، وإلى حظر وضع الأجسام التي تحمل أسلحة في المدار أو تركيب أسلحة على الأجرام السماوية، أو التهديد باستخدام القوة ضد المواد الموضوعة في الفضاء الخارجي. ولكن من المهم إدراك أن هذه المعاهدة لا تتناول المضادات الأرضية للأقمار الاصطناعية، وهي فئة من الأسلحة استثمرت فيها روسيا والصين بهدف تطويرها. وقد أظهرت الصين، على وجه الخصوص، قدرة مثيرة للإعجاب على استهداف الأقمار بأسلحة أرضية مثل الليزر. ولضمان أمن الأقمار العسكرية والمدنية، يجب أن تتناول أي معاهدة متعددة الأطراف تنظم أسلحة الفضاء الخارجي في القرن الحادي والعشرين منظومات الأسلحة الأرضية، وليس فقط تلك القائمة في الفضاء.
غير أن معاهدة «منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي» في صيغتها الحالية تعمل على الحد من الأسلحة في الفضاء الخارجي بطريقة تفيد مصالح روسيا والصين وتعرقل خصومهما. ولا يعني هذا أن المجتمع الدولي عاجز أو لا يحق له تنقيح الوثيقة لكي يعالج مسألة الأسلحة الأرضية. وينبغي أن تكون حماية أسس عالمنا المعولم والمترابط شاغلا رئيسا للحكومات في جميع أنحاء العالم، وهو أمر ضروري لضمان سلامة المدنيين في كل أنحاء العالم. وعلى الرغم من كل شوائب هذه المنظومة، فإن البنية التحتية للاتصالات العالمية في الفضاء الخارجي تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على سلامة الجميع. فالوصول إلى مدار جوي منزوع السلاح يفيدنا جميعا، فمن خلال ذلك نضمن استمرارية بعض الوظائف الأساسية مثل رصد بيانات الطقس عند وقوع الأعاصير ونقلها أو السجلات الصحية أو خدمات تحديد المواقع العالمية أو مراسلة الأصدقاء والعائلة. إن السماح بتطوير الأسلحة التي تشكل تهديدا لهذا الوضع الراهن سيهدّد بلا شك سلامة مجتمعاتنا.