أوّل الكلام آخره:
- يشير تقرير جديد للأمم المتحدة إلى أن العلاقات بين طالبان والقاعدة لا تزال متينة وقد تزداد متانة بعد انسحاب القوات الأمريكية.
- تحوم الكثير من الشكوك حول رغبة طالبان في منع تنظيم القاعدة من إعادة بناء وحدة عمليات خارجية (أو قدرتها على ذلك إذا أرادت).
- إذا عمّت الفوضى في أفغانستان، فإن العلاقة بين طالبان والقاعدة قد تزداد قوة، فطالبان تحتاج إلى عناصر القاعدة وخبراتها.
- تواجه القاعدة فترة حاسمة، ولكن إعادة الحصول على ملاذ آمن في أفغانستان سيكون مساعدا بلا شك للقدرات التشغيلية للجماعة.
يؤكد تقرير صدر مؤخرا عن فريق مراقبة تنفيذ العقوبات ضد طالبان التابع للأمم المتحدة، ما حذر منه الكثيرون من العاملين في مكافحة الإرهاب، وهو متانة العلاقات بين طالبان الأفغانية والقاعدة، وهي متانة مرشحة للمضاعفة بعد أن تكمل الولايات المتحدة انسحاب قواتها. ويذكر التقرير أن القيادة العليا للقاعدة لا تزال متمركزة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، حيث تحافظ على علاقة وثيقة مع القاعدة في شبه القارة الهندية. وأشارت تقارير الأمم المتحدة السابقة إلى أن مقاتلي القاعدة في شبه القارة الهندية يندمجون تدريجيا في وحدات طالبان لتنفيذ عمليات في أفغانستان. وفيما لا تزال العلاقة قوية، تموضع القاعدة نفسها للاستفادة من الفرصة التي سيتيحها انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف. كما أشار التقرير على وجه التحديد إلى استراتيجية تنظيم القاعدة المتمثلة في «الصبر الاستراتيجي»، أي الترقب والانتظار ولو لفترة زمنية طويلة قبل أن تستأنف التخطيط لهجمات ضد أهداف دولية، بما في ذلك الأهداف في الغرب.
وقد قال الممثل الخاص الأمريكي للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، في شهادة له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قبل عدة أسابيع «إننا سنحمل طالبان المسؤولية عن التزاماتها بمنع القاعدة أو أي جماعة إرهابية من استخدام أفغانستان قاعدة للهجمات ضدنا». وفي الواقع، يفرض الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان ألا تستخدم أفغانستان منصة انطلاق للهجمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية. ومع ذلك، لا يزال العديد من محللي مكافحة الإرهاب يشككون في رغبة طالبان في منع تنظيم القاعدة من إعادة بناء وحدة عمليات خارجية (أو قدرتها إذا أرادت على منعه). ويذكر تقرير الأمم المتحدة أنه لم يحصل أي «تغيير مادي» في العلاقة بين طالبان والقاعدة، بل إن العلاقة في كثير من الحالات «نمت بشكل أعمق نتيجة للروابط الشخصية كالزواج والشراكة في النضال، والتي ترسخها اليوم علاقات الأجيال الثانية». وقد عمد البعض إلى وصف تأطير خليل زاد للعلاقة بين طالبان والقاعدة على أنه مجرد وهم أو سذاجة أو تجاهل متعمد. إلا أن آخرين وصفوا ذلك بأنه تضليل متعمد من أجل حسم القرار الذي يعجل بخروج الولايات المتحدة من أفغانستان. ومن المحتمل أنه لم يغب عن طالبان، أو حتى القاعدة، أن واشنطن ستجد صعوبة أكبر في رصد التهديدات في أفغانستان والتصدي لها عند ظهورها، في ظل غياب قواتها عن الأرض. وفي الأسابيع الأخيرة، سعت الولايات المتحدة جاهدة للعثور على شريك مستعد لاستضافة قاعدة أمريكية من شأنها أن تشكل جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في الخارج.
وقد ركزت الأمم المتحدة في تقريرها الأخير على شرح معارضة الشخصيات الرئيسة في حركة طالبان لاتفاق السلام الحالي، إذ يعارض كل من سراج الدين حقاني والملا محمد يعقوب العمري، وهما من نواب قادة طالبان والشخصيات الرئيسة في أجهزتها العسكرية، المفاوضات ويفضلان الحل العسكري. وفي هذا السيناريو، ستحرص حركة طالبان على الحفاظ على علاقتها بالقاعدة لأنها بحاجة إلى عناصر هذه الأخيرة وخبراتها لكي تنتصر على خصومها داخل أفغانستان، الذين يشملون قوات الأمن الأفغانية. وإذا قررت طالبان شن هجوم عسكري واسع النطاق في جميع أنحاء أفغانستان بمجرد انسحاب الولايات المتحدة، فستعم الفوضى في البلاد، وستتوفر بيئة مواتية للجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية (وذلك لا يعني القاعدة فحسب، بل يشمل داعش أيضا). وقد تمكن تنظيم ولاية خراسان التابع لداعش، والذي لا يزال على خلاف مع كل من طالبان والقاعدة، من شن هجمات مدمرة في أفغانستان، حتى بعد تراجع قوته خلال العام الماضي. وعلى الدوام، يبحث تنظيم ولاية خراسان عن أهداف طائفية، ساعيا إلى تطبيق قواعد لعبة مصعب الزرقاوي والقاعدة في العراق والحذو حذوهما.
ويمر تنظيم القاعدة ككل بفترة حاسمة. فبعد عقدين من هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، قتل الكثير من القيادة العليا للمنظمة وأسر بعضهم الآخر. ويزعم أن الزعيم الحالي، الجهادي المخضرم أيمن الظواهري، في حالة صحية سيئة، وتكثر الشائعات مؤخرا عن وفاته، ولكنها لم تثبت حتى اليوم. أما أمير الجماعة المقبل المحتمل، فهو سيف العدل، ويعيش في إيران تحت مراقبة السلطات الإيرانية المشددة. وفي آب / أغسطس 2020، قتل عملاء من الموساد يعملون متخفين في إيران أبا محمد المصري، وهو أحد كبار قادة القاعدة. ولا تزال العديد من فروع القاعدة، بما في ذلك أبرز فروعها في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تحتفظ بقواها. ويذكر هنا أن حملة مكافحة الإرهاب الأمريكية نجحت إلى حد بعيد في ضرب قيادة التنظيم، ولكن ذلك جعل التنظيم ينحو نحو اللامركزية بشكل متزايد. ويواجه تنظيم القاعدة المرحلة الأكثر حساسية في تاريخه، إذ إن إعادة الحصول على ملاذ آمن في أفغانستان تحت حماية طالبان قد يمنح الجهاديين المساحة اللازمة لتجنيد الأفراد وإعادة تسليحهم وإعادة بناء شبكة قوية عابرة للحدود الوطنية. وقد تمتد هذه الشبكة لا إلى جنوب آسيا ووسطها فحسب بل ستضاعف التواصل أيضا مع فروعها في بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والمغرب العربي والقوقاز.