أوّل الكلام آخره:
- تهدف زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى دول الخليج قبيل انعقاد القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي إلى المساعدة في إعادة بناء سمعته الدولية التي لطختها أخطاؤه العديدة.
- وفي قطر يحاول محمد بن سلمان أيضًا مواصلة رأب الصدع داخل دول مجلس التعاون الخليجي الذي حدث عام 2017.
- أما في المضمون فإن محمد بن سلمان يسعى إلى صياغة موقف خليجي موحد تجاه إيران التي وسعت برنامجها النووي وامتدّ نفوذها كثيرا في جميع أنحاء المنطقة.
- من غير المرجح أن تسفر قمة مجلس التعاون الخليجي عن خارطة طريق لإخراج المملكة العربية السعودية من الحرب في اليمن.
في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بزيارة جميع دول الخليج الخمس الأصغر – عمان والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت. وهذه الدول إلى جانب السعودية تشكّل مجلس التعاون الخليجي، الذي يعقد قادته قمة كل سنة في شهر كانون الأول (ديسمبر) في محاولة لتوحيد مواقفهم بشأن القضايا الرئيسية. وتستضيف المملكة العربية السعودية قمة 14-15 كانون الأول (ديسمبر) القادمة. وكانت أبرز محطة في جولة محمد بن سلمان هي الدوحة، حيث استقبله في المطار الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي زيارة تواصل عملية رأب الصدع الذي أحدثه حصار عام 2017، عندما سعت السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر، إلى حصار قطر لإجبارها على مواءمة سياساتها الإقليمية مع سياساتها. وعلى الرغم من انتهاء الخلاف رسميًا في قمة دول مجلس التعاون الخليجي السابقة، ولقاء الأمير تميم بمحمد بن سلمان في المملكة في أيلول (سبتمبر)، إلا أن التوترات لا تزال قائمة. ولم ترسل الإمارات والبحرين سفيريهما إلى الدوحة بعد. ولكن زيارة محمد بن سلمان لقطر تشير إلى أن السعودية من جانبها تعدّ الخلاف منتهيا وتأمل أن يحضر الأمير تميم القمة.
ولكن مواصلة معالجة الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي لا يبدو الهدف الأساسي لجولة محمد بن سلمان في الخليج. وتشير الرحلة إلى أن محمد بن سلمان – وليس والده الملك سلمان – هو من سيرأس قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، عمليا على الأقل حتى لو ترأسها اسميا الملك سلمان. ويأمل محمد بن سلمان بلا شك في تسليط الضوء على إنجازات القمة وتحويل الانتباه بعيدًا عن مسؤوليته عن مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تشرين أول (أكتوبر) 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول. ويواصل محمد بن سلمان مكافحة العزلة الدولية بسبب مقتل خاشقجي، وإن لم تكن هذه العزلة جلية وواضحة في المملكة على الدوام. وكان قد صدر في شباط (فبراير) 2021 تقرير استخباراتي أمريكي رفعت عنه السرية يلقي باللوم عليه في مقتل خاشقجي. ولعل محمد بن سلمان يرى في ظهوره بمظهر رجل دولة يركز على وحدة الخليج وبلدانه – وهي البلدان التي تعدّ أساسية لأمن الولايات المتحدة والغرب – ما قد يخفف من المعارضة الدولية لتوليه العرش في نهاية المطاف. على أن تورطه في هذا القتل وحده – بغض النظر عما إذا كان يتمتع بشعبية في المملكة بسبب إصلاحاته الداخلية أو لأي سبب آخر – سيمنع الكثيرين ولا سيما في واشنطن من دعوته في زيارات رسمية حتى بعد أن يصبح ملكًا.
وتسعى زيارات محمد بن سلمان أيضًا إلى صياغة موقف خليجي موحد في القمة المقبلة بشأن العديد من القضايا ذات الاهتمام الرئيسي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي الست. ويكاد يكون من المؤكد أن تبرز في القمة بعض الخلافات بين دول الخليج، حتى لو كان عمد البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي إلى التغطية على أي انقسامات قائمة. وفيما يتعلق بالقضية الرئيسية المتعلقة بإيران، يدعم محمد بن سلمان، بدعم قوي من الإمارات والبحرين، خيار الضغوط الأمريكية والخليجية على إيران اقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تجريان محادثات مع طهران لخفض التوترات، فإنهما يران أن إيران ليست عازمة على تطوير قدراتها النووية فحسب، ولكنها عازمة أيضا على الاستمرار في دعم الفصائل المسلحة في جميع أنحاء المنطقة. ومما يظهر التشدد السعودي والإماراتي البيان المشترك الذي صدر عن البلدين بعد زيارة محمد بن سلمان إلى الإمارات في 7 كانون الأول (ديسمبر)، والذي جاء فيه أن لبنان يجب ألا يكون منصة انطلاق لأية أعمال إرهابية، وألا يبقى حاضنة للمنظمات والجماعات التي تستهدف الأمن الإقليمي والاستقرار مثل جماعة حزب الله «الإرهابية»، في إشارة إلى أقوى حليف إقليمي لإيران. وقد قاوم محمد بن سلمان الجهود الفرنسية لإعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية اللبنانية، والتي قطعت في تشرين الأول (أكتوبر) بسبب قضية النفوذ الغالب لحزب الله في لبنان. أما الكويت وقطر وعُمان فهي تواصل تعاملاتها مع إيران بانتظام وتجادل بأن الوسيلة المثلى لتقليص نفوذ إيران هي من خلال حل النزاعات المختلفة في المنطقة حلا إقليميا. ومع ذلك، فإن جميع دول مجلس التعاون الخليجي لا تثق في توسع إيران في عملية تخصيب اليورانيوم وإصرارها على المطالب القصوى في محادثات فيينا التي تهدف إلى استعادة الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 – وهي المطالب التي دفعت محادثات فيينا إلى حافة الانهيار.
أولوية أخرى لمحمد بن سلمان هي اليمن، حيث لا تزال القوات السعودية متورطة في مستنقع الحرب بعد ما يقرب من سبع سنوات من توقعه، أيام كان نائبا لولي العهد، أن تنتهي الحرب بانتصاره في مدة قصيرة على نحو ينهي النفوذ الإقليمي الإيراني في اليمن. ويبدو أن الإمارات العربية المتحدة، أقرب حليف للمملكة في الخليج، قد أدركت أن جهود التحالف العربي بقيادة السعودية لهزيمة جماعة أنصار الله (الحوثيين) الشيعية الزيدية المدعومة من إيران قد فشلت، فسحبت الإمارات قواتها البرية من خط المواجهة في عام 2019. وحتى الآن لم يقبل محمد بن سلمان أي حل سياسي في اليمن يمنح الحوثيين حصة كبيرة من السلطة. وما من مؤشرات على أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على صياغة استراتيجية خروج تحفظ لمحمد بن سلمان ماء وجهه. ومن المرجح أن يكون أقصى ما يحصّله محمد بن سلمان من القمة هو تعبير المجلس عن دعمه للجهود السعودية في اليمن.