أوّل الكلام آخرُه:
- اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني سيكون له تأثيرٌ سلبيٌّ في علاقات الشراكة الّتي تقيمها الولايات المتّحدة الأمريكيّة في سبيل مكافحة الإرهاب.
- إنّ أثر هذه الضربة قد يكون وخيمًا على جهود الولايات المتّحدة الأمريكيّة في مكافحة الإرهاب في العراق ومن المرجّح أن تمتدّ تداعيات هذه الضربة خارج حدود العراق لتؤثّر في علاقات الولايات المتّحدة الأمريكيّة على صعيد المنطقة.
- وإنّ تبنّي واشنطن العلنيّ للضربة الّتي استهدفت سليماني وموقفها الّذي لا يخلو من الغطرسة سوف يضعان العديد من علاقاتها في دائرة الخطر.
- إنّ البيانات الّتي صرّحت بها الحكومة الأمريكيّة والّتي لا تخلو من التضليل والمغالطات والتناقضات ستعطي شركاء أمريكا المزيد من المسبّبات لتبديل رهاناتهم.
لعلّ التبعة الوحيدة والمؤكّدة للقصف الأمريكيّ الّذي أدّى إلى مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ هي بدء مرحلةٍ جديدةٍ يسودها غياب الاستقرار والاضطرابات. وتبدو التوتّرات الحاليّة حادّةً بالفعل نظرًا للردّ الإيرانيّ على مقتل سليماني والّذي كانت فاتحته قصف الحرس الثوريّ الإيرانيّ بعشرات الصواريخ الباليستيّة قاعدتين عسكريّتين تضمّان قوّاتٍ أمريكيّةً في العراق. وستؤثّر حالة غياب الاستقرار هذه في قضايا عدّةٍ. وهنا تطرح العديد من الأسئلة: كيف ستؤثّر دوّامة العنف هذه في خطّة العمل الشاملة المشتركة (الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ) الهشّة أصلًا؟ ما هو أثر خسارة سليماني على مشروع إيران لمدّ نفوذها في المنطقة؟ وهل ستؤدّي التوتّرات المتبادلة الأخيرة إلى ارتفاع أسهم حصول صراعٍ على نطاقٍ أوسع في الشرق الأوسط أو إنّها قد تفتح أبوابًا للحلول الدبلوماسيّة؟ ولكنّ هذا الإبهام السائد ينسحب على مجمل تاريخ الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط ولا سيّما علاقات الشراكة الأجنبيّة الّتي تمثّل الركن الأساس في الإستراتيجيّة الأمريكيّة لمحاربة الإرهاب في المنطقة. ففي الأردن والمملكة العربيّة السعوديّة والكويت وصولًا إلى العراق انخرطت الولايات المتّحدة الأمريكيّة بعمقٍ في بنية الوكالات الاستخباراتيّة لهذه البلاد وعقدت شراكاتٍ مباشرةً بجيوشها.
ولقد تأثّرت بالفعل عمليّات مكافحة الإرهاب في المنطقة. فعلّق الائتلاف الدوليّ المتعدّد الأطراف لمحاربة داعش عمليّاته في سوريا وذلك بسبب تضخّم التهديد الّذي تمثّله قوّات إيران والقوّات الحليفة لها. وصرّح حلف الناتو أنّه قد يعلّق تدريباته للجيش العراقيّ. وليس من الواضح حتّى الآن الوقت الّذي يفصلنا عن انتهاء هذه الأزمة. وتجدر الإشارة إلى أنّ داعش يتجهّز بالفعل للمرحلة المقبلة وذلك من خلال إعادة هيكلة قدراته العمليّة والتنظيميّة في كلٍّ من سوريا والعراق. ولعلّ توقّف عمليّات مكافحة الإرهاب العسكريّة ضدّ داعش لن يترتّب عليه آثارٌ سلبيّةٌ ضخمةٌ إذا ما استمرّ لفترةٍ قصيرةٍ نسبيًّا، أمّا إذا ما امتدّ هذا التعطّل لمدّة أشهرٍ فإنّ القدرة على جمع المعلومات الاستخباراتيّة ستتلاشى الأمر الّذي سوف يسمح لداعش بتعزيز قدراتها.
وقد أقامت الولايات المتّحدة الأمريكيّة في العراق، على غرار دولٍ أخرى، شراكاتٍ مهمّةً مع بعض النظراء العراقيّين. على أنّ العلاقة بالعراق لم تخل من التوتّرات الّتي تزايدت في السنوات القليلة الماضية مع تزايد تأثير إيران في العراق. وسوف يؤدّي مقتل سليماني إلى اضطرابٍ كبيرٍ في عمليّات مكافحة الإرهاب والشراكات القائمة بين الولايات المتّحدة والعراق. وربّما تكون إيران بعيدةً عن أن تكون محطّة إجماعٍ وقبولٍ في العراق إلّا أنّ الحديث عن الانتهاك الأمريكيّ الفاضح للسيادة وللإرادة العراقيّتين سوف يؤدّي على المدى القصير في الحدّ الأدنى إلى نسيان هذه الحزازيّات وسيضع الشراكة مع واشنطن، بما في ذلك تلك المتعلّقة بمكافحة الإرهاب، في دائرة الجدل.
وكلّما بعدنا عن العراق تضاءل تأثير الضربة الأمريكيّة في شراكات أمريكا لمكافحة الإرهاب، هذا إذا وضعنا جانبًا احتمال قيام إيران بتنفيذ ردٍّ آخر ضدّ القوّات العسكريّة الأمريكيّة في بلدان المنطقة. فكثيرٌ من هذه الشراكات قائمةٌ أصلًا على عمليّة مكافحة النفوذ الإيرانيّ في البلاد المختلفة الّتي تسودها أجواءٌ معاديةٌ لإيران. ولكنّ الولايات المتّحدة صعّبت الأمر على شركائها إذ تبنّت علنًا القصف الّذي استهدف مطار بغداد الدوليّ. فالولايات المتّحدة، بعيدًا عن ترك أخصامها يغرقون في الحيرة وعن إعطاء شركائها تفسيراتٍ مقبولةً تسمح لهم بالإنكار أمام جمهورهم، ذهبت نحو الإعلان بفخرٍ عن الضربة. ويبدو أنّ تقدير الولايات المتّحدة يقوم على أنّ مثل هذا الإعلان لن يحرج شركاءها بقدر ما يرهب خصومها.