- قُتل أبو بكرٍ البغداديّ في مداهمةٍ للقوّات الأمريكيّة شمال سوريا بقرب الحدود التركيّة، في الـ 26 من أكتوبر/ تشرين الأوّل.
- إنّ بيان الرئيس ترامب الّذي أُذيع في الـ27 من الجاري يؤشّر إلى تحوّلٍ جديدٍ في مسار مجموعةٍ صارت بمثابة «العلامة التجاريّة» للتمرّد المسلّح لسنواتٍ.
- يُعدّ قتل البغداديّ خطوةً جوهريّةً، لما كان للبغداديّ من بعدٍ رمزيٍّ فضلًا عن تواصله مع مجموعاتٍ تابعةٍ أو حليفةٍ له أو مرتبطةٍ به حول العالم.
- على الرغم من موت البغداديّ، فإنّ داعش ستحافظ على «علامتها التجاريّة»، بوصفها حركة تمرّدٍ مستمرّةً، فضلاً عن كونها منظّمةً إرهابيّةً متعدّدة الفروع وعابرةً للحدود الوطنيّة.
..
ذكرت التقارير أنّ عمليّةً عسكريّةً أمريكيّةً أدّت إلى مقتل زعيم ما يُسمّى بتنظيم الدولة الإسلاميّة، أبي بكرٍ البغداديّ، وذلك خلال مداهمةٍ حصلت نهار الـ 26 من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2019. وأعلن رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة دونالد ترامب خبر موت البغداديّ خلال مؤتمرٍ صحفيٍّ عُقد في البيت الأبيض صباح الـ27 من الجاري، قائلًا: «مات البغداديّ كالكلب… لقد مات جبانًا». وأضاف بأنّ زعيم تنظيم الدولة قد فجّر سترةً ناسفةً كان يرتديها بعد أن حاصره عناصر من القوّات الخاصّة الأمريكيّة وذلك في مدينة باريشا في سوريا. وتقع هذه المدينة في محافظة إدلب على الحدود التركيّة، حيث يختبئ عددٌ كبيرٌ من المجموعات الإرهابيّة من ضمنها هيئة تحرير الشام وحرّاس الدين وهي مجموعةٌ مرتبطةٌ بتنظيم القاعدة. وتتحصّن هذه المجموعات في إدلب مُحاولةً الصمود في وجه هجمات قوّات نظام الأسد والسلاح الجوّيّ الروسيّ.
ويُعدّ قتل البغداديّ إنجازًا ملحوظًا، فالأخير كان زعيم جماعةٍ إرهابيّةٍ ارتكبت مذابح جماعيّةً وجرائم ضدّ الإنسانيّة تشمل عمليّات اغتصابٍ وقتلٍ. وبصفته زعيمًا لداعش فقد قاد البغداديّ الكثير من الاعتداءات حول العالم، أو كان ملهمها. وفي صيف عام 2014، عندما بلغ التنظيم أوجَهُ على صعيد امتداده الإقليميّ بسيطرته على رقعةٍ واسعةٍ من الأراضي في سوريا والعراق، أعلن البغداديّ تولّيه منصب الخليفة، أي الزعامة الدينيّة لخلافةٍ مزعومةٍ مستعادةٍ في العراق وسوريا. وأدّى هذا الإعلان إلى جانب مسائل أخرى، إلى انشقاقٍ واسعٍ وعداواتٍ كبيرةٍ بين داعش وتنظيم القاعدة، حيث كفّرت داعش تنظيم القاعدة ووسمته بالردّة. ويمتثل التنظيمان إلى أيديولوجيّةٍ واحدةٍ، إلّا أنّ تنظيم القاعدة يعتقد بأنّه من المبكر جدًّا لأيّ تنظيمٍ أن يقيم دولة الخلافة، فالمطلوب اليوم بناء قاعدةٍ شعبيّةٍ أكبر. إلّا أنّ البغداديّ والعديد من مناصريه لم يروا ذلك ونجحوا ببناء مشروع دولةٍ في قلب الشرق، وإن كان نجاحًا قصير الأمد. وفي سبيل بناء هذه الدولة، قُتل ما لا يُعدّ ولا يُحصى من البشر ودمّرت مجتمعاتٌ عدّةٌ كانت تشكّل الفسيفساء المشرقيّ.
ولم يكن مفاجئًا أن يختبئ البغداديّ في محافظة إدلب المكتظّة بملايين النازحين السوريّين الّذين نزحوا على مدى سنواتٍ في ظلّ تقدّم قوّات الأسد. وإدلب هي المحافظة الأخيرة الّتي لا تزال تحت سيطرة المتمرّدين. وفي حين أنّ أغلبيّة السكّان المحاصَرين في إدلب لا علاقة لهم بالتشدّد الدينيّ إلّا أنّ في المدينة عددًا كبيرًا من الجهاديّين، ما جعل البغداديّ يعتقد أنّ بإمكانه اتّخاذهم حصنًا وسترًا له. ويُعدّ قتل البغداديّ خطوةً جوهريّةً، لما كان للبغداديّ من بعدٍ رمزيٍّ فضلًا عن تواصله مع مجموعاتٍ تابعةٍ أو حليفةٍ له أو مرتبطةٍ به حول العالم.
غير أنّه يجب أن تُدرج هذه العمليّة في خانتها الصحيحة بوصفها نجاحًا تكتيكيًّا في المقام الأوّل. إنّ العمليّات الساعية إلى قتل زعيم تنظيمٍ معيّنٍ نادرًا ما تُؤدّي إلى إخضاع هذا التنظيم أو مواته، فهذه التنظيمات قادرةٌ على الصمود بوجه عمليّات اغتيال قياداتها. وعلى الرغم من موت البغداديّ، فإنّ داعش ستحافظ على «علامتها التجاريّة»، بوصفها حركة تمرّدٍ مستمرّةً، فضلًا عن كونها منظّمةً إرهابيّةً متعدّدة الفروع وعابرةً للحدود الوطنيّة، مع شبكةٍ تمتدّ إلى أفغانستان وليبيا ومصر واليمن وغربي إفريقيا وجنوب شرق آسيا وما وراء ذلك. ولعلّ العالم قد أصبح مكانًا أفضل بعد رحيل البغداديّ، إلّا أنّ الخطر ما زال قائمًا فالظروف المزرية والإيديولوجيّات المتطرّفة باتت متجذّرةً في بعض مناطق العراق وسوريا حيث تُحتضن تلك الرؤى المشوّهة وتلك العوامل الهيكليّة والبيئيّة الّتي سمحت لداعش بالقيام ابتداءً.
للبحوث والتحليل المتخصص ، يرجى الاتصال بـ: info@thesoufancenter.org