أوّل الكلام آخرُه:
- تعمل إيران مع حلفائها الأساسيّين في العراق ولبنان في مواجهة تداعيات الاحتجاجات الضخمة الّتي اجتاحت البلدين على استقرار النظام السياسي.
- يندّد المحتجّون اللبنانيّون والعراقيّون بالفساد الحكوميّ بشكلٍ أساسيٍّ، إلّا أنّهم عبّروا عن سخطهم من الدعم الّذي تقدّمه إيران لبعض الفصائل الشيعيّة داخل تركيبة السلطة في البلدين.
- يعكس سعي إيران إلى الحفاظ على الوضعيّة الراهنة في كلٍّ من العراق ولبنان حجم فائض القوّة الّذي تحصده من نفوذها في كلا البلدين.
- يقدّم فيلق القدس التابع للحرس الثوريّ الإيراني دعمًا لحكومتي البلدين في احتواء التظاهرات أو قمعها، معتمداً على التكتيكات نفسها الّتي كانت قد استخدمت في إيران.
اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأوّل مظاهراتٌ ضخمةٌ في كلٍّ من العراق ولبنان وهما بلدان عملت إيران فيهما على مدى عقودٍ لبناء فصائل شيعيّةٍ مواليةٍ لها وتطويرها لتصبح قوًى سياسيّةً تمتلك اليوم مواقع عليا في النظام السياسيّ للبلاد. ففي العراق فازت المجموعات الّتي كانت إيران تدعمها خلال ثمانينيّات القرن الماضي وتسعينيّاته بوصفها معارضةً لصدام حسين بكتلٍ واسعةٍ في البرلمان العراقيّ المنتخب، وشكّلت في الميدان ميليشياتٍ عسكريّةً كثيرةً غير مؤطّرةٍ بالجيش العراقي. أمّا في لبنان، فقد عملت إيران على تشكيل حزب الله وجعلت منه قوّةً كبرى في الساحة السياسيّة اللبنانيّة، حيث يتربّع الحزب اليوم على ثلاثة مقاعد وزاريةٍ وهو يشكّل مع حلفائه كتلةً نيابيّةً كبرى في البرلمان اللبناني. وتنافس القوّة العسكريّة لحزب الله الجيش اللبناني من حيث العتاد والقوة العسكرية، وهو اليوم يعود من ساحة المعركة السورية بعد تحقيق نجاحاتٍ واسعةٍ في عمليّة إنقاذ نظام الرئيس بشّار الأسد من السقوط.
ولم تكن الاحتجاجات في البلدين موجّهةً ضدّ النفوذ الإيرانيّ بدايةً، ولكن سرعان ما نحت مطالب المحتجّين نحو انتقاد هذا النفوذ في العراق على وجه الخصوص. فقد كانت بوصلة المحتجّين موجّهةً بشكلٍ أساسيٍّ نحو الطبقة الحاكمة بسبب الفساد المستشري وسوء إدارة الموارد والفشل في تحسين الأوضاع الاقتصاديّة وتطوير البنى التحتيّة. وفي لبنان، خرجت بعض المظاهرات في معاقل حزب الله، وندّد بعض المتظاهرين، وإن بصوتٍ خافتٍ، بالسيّد حسن نصر الله نفسه، بوصفه جزءًا من الطبقة السياسيّة الحاكمة. أمّا المحتجّون العراقيّون فقد ندّدوا مباشرةً بالنفوذ الإيرانيّ مطالبين بالتخفيف من وطأته وأقدم بعضهم على إحراق القنصليّة الإيرانّية في كربلاء وأنزلوا اليافطات الّتي تشيد بقائد الجمهوريّة الإسلاميّة علي خامنئي وشخصيّاتٍ سياسيّةٍ إيرانيّةٍ أخرى. ويتبع كثيرٌ من هؤلاء المتظاهرين الشيعة رجلَ الدين الشيعيّ مقتدى الصدر وهو سياسيٌّ عراقيٌّ مناهضٌ للنفوذ الإيرانيّ والأمريكيّ على حدٍّ سواءٍ.
ومع تزايد وطأة الاحتجاجات في كلا البلدين، اعترفت القيادة الإيرانيّة ضمنيًّا بأنّ هذه الزعزعة في الاستقرار تشكّل تهديدًا للنفوذ الايرانيّ في المنطقة. وفي الفترة الأولى، لم يكن تفاعل إيران واضحًا مع هذه الأحداث، إلّا أنّها لاحقًا حسمت أمرها بضرورة العمل على تمكين حلفائها من الحدّ من نطاق التغييرات المحتملة في المنظومة السياسيّة والقياديّة لكلا البلدين. وفي أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أكّد قائد الجمهورية الإسلامية السيّد علي خامنئي أنّ على المحتجّين في كلا البلدين أن يحاولوا تحقيق التغيير عبر الأطر القانونيّة، وأنّ على البلدين الاستفادة من تجربة إيران في القضاء على أيّ محاولةٍ لزعزعة الاستقرار مشيرًا بذلك إلى احتجاجات سنة 2009 واحتجاجات 2018-2019. وجاء هذا التصريح من أجل شدّ عزيمة السلطات اللبنانيّة والعراقيّة لاستخدام القوّة عند الحاجة لردع المظاهرات. وأرسلت إيران قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى كلٍّ من لبنان والعراق في زيارة لإرشاد حلفاء إيران في البلدين إلى كيفيّة التعامل مع هذه الاحتجاجات بشكلٍ فعّالٍ وقويٍّ. وأفادت تقارير صحفيّةٌ بأنّ مسلّحين ملثّمين تابعين لفيلق القدس أو مسلّحين عراقيّين مدعومين من الفيلق نفسه، تسبّبوا في مقتل بعض المتظاهرين. أمّا في لبنان، فقد اعتدى مناصرون لحركة أمل، وهي حركةٌ شيعيّةٌ حليفةٌ لحزب الله، ولحزب الله على بعض المتظاهرين في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
وتسعى إيران من خلال تقديم مشورتها ودعمها لحلفائها في لبنان والعراق إلى التخفيض من الأضرار الّتي قد تطال مصالحها في البلدين. وقد دعمت إيران الإصلاحات المتواضعة الّتي قامت بها حكومتا البلدين في مجال تحديث القوانين الانتخابيّة والقوانين الضرائبيّة وقوانين مكافحة الفساد، ولكنّها تحث حلفاءها على عدم القبول بتغييراتٍ كبرى تطال المنظومة السياسيّة. وقد استقال رئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الحريري، ولكنّ تشكيل حكومةٍ جديدةٍ قد يستغرق عدّة أشهرٍ، الأمر الّذي يسمح لإيران بتقديم المساعدة لحزب الله للحفاظ على نفوذه في البلاد. وفي العراق صرح رئيس الوزراء الشيعي عادل عبد المهدي بأنه يقبل بالاستقالة إذا ما اتّفق على بديلٍ وعلى قانونٍ انتخابيٍّ جديدٍ. ولكنّ بعض التقارير أشارت إلى أنّ إيران قد عملت من خلال قائدٍ عسكريٍّ شيعيٍّ يمتلك ثاني أكبر كتلةٍ برلمانيّةٍ وهو هادي العامري على إبقاء عبد المهدي في منصبه حتى الآن. وبالرغم من ذلك فإن منصب عبد المهدي لا يزال في خطرٍ في ظلّ تصاعد وتيرة الاحتجاجات وجذبها لعددٍ أكبر من المعادين لإيران. وفي حال سقوط عبد المهدي، فإنّ إيران ستعمل بلا شكٍّ عبر حلفائها الشيعة ذوي النفوذ الواسع في العراق من أجل تعيين قيادةٍ بديلةٍ صديقةٍ لإيران كحال الحكومة العراقيّة الحاليّة.