أوّل الكلام آخره:
- تواصل إيران جهودها لتعزيز نفوذها في العراق وطرد العسكريين الأمريكيين.
- لم تسهم التحديات التي واجهتها إيران نتيجة انتشار وباء كورونا في تراجع أنشطتها على الأراضي العراقية.
- تتضمن استراتيجية إيران دعم الهجمات المسلحة على القواعد العراقية، فضلا عن استثمار حضور حلفائها في البنى الحكومية العراقية.
- من المحتمل أن تدخل الولايات المتحدة وإيران في صراع على الأراضي العراقية مرة أخرى.
على الرغم من جائحة وباء كورونا التي استحوذت على اهتمام كل من إيران والولايات المتحدة والعراق، حاولت إيران جاهدة ضمان احتفاظها بنفوذ كبير في العراق. وبحسب نظرة إيران، فإن بؤرة النفوذ الأمريكيّ في العراق تكمن في حضورها العسكريّ، والّذي يشكّل أيضا تهديدا للأمن القومي الإيراني. وقد استحوذ تصور التهديد هذا على تفكير الدوائر السياسية والامنية في طهران منذ اغتيال الولايات المتحدة في ٣ كانون الثاني / يناير لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد. ومن الواضح أن إيران، وهي الدولة التي تأثرت كثيرا بالوباء، قلصت جهودها الاستراتيجية في العراق لعدة أسابيع. ولكن ثبت أن حرف الانتباه وفرض قيود عراقية على السفر بين إيران والعراق كلها مكونات مؤقتة، لأنّ إيران قد أعادت الآن تنشيط جميع مكونات استراتيجيتها تجاه العراق.
استأنفت إيران جهودها في العراق في أوائل آذار / مارس بزيارة قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وهو قائد رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني ووزير دفاع سابق. وكانت زيارة شمخاني بين ٦ و ٧ آذار / مارس من أرفع الزيارات التي قام بها الحرس الثوري إلى العراق منذ مقتل سليماني. وفي ١١ آذار / مارس، أسفر هجوم صاروخي على معسكر التاجي عن مقتل جنديين أمريكيين ومسعف بريطاني، وبدا تجدد دورة الصراع وشيكا عندما ردت الولايات المتحدة بضرب عدة مواقع ذخيرة تسيطر عليها كتائب حزب الله وهي ميليشيا موالية لإيران. ومع ذلك، وبعد بضعة أيام، هاجمت قوات الميليشيات الشيعية منشأة عراقية أخرى يستخدمها أفراد عسكريون أمريكيون في بسماية دون وقوع إصابات. وأعلنت جماعة لم تكن معروفة من قبل، تعرف باسم «عصبة الثوار»، مسؤوليتها عن هجمات التاجي وبسماية، مما يشير إلى أن فيلق القدس في الحرس الثوري قد أعاد تشكيل الميليشيات المرتبطة به في ائتلاف جديد. وقد أصدرت العصبة تهديدات جديدة ضد القوات الأمريكية، وأظهرت أدلة مصورة على خضوع منشآت مأهولة بالعسكريين الأمريكيين لمراقبتها المستمرة.
وقد حقق المكوّن العسكري في الاستراتيجية الإيرانية بعض النجاح. فمنذ شباط / فبراير ٢٠٢٠، أخلت القوات الامريكية عددا من مواقعها لصالح القوّات العراقيّة وتجمّعت في القواعد العراقية الكبرى التي تتمتع بأنظمة دفاع قوية. كما نُقل 5200 من جنود القوات الأمريكية إلى الكويت ودول أخرى. وردا على مؤشرات تدل على تخطيط القوات المدعومة من إيران لشن المزيد من الهجمات، حذّر الرئيس ترامب إيران في أوائل نيسان / أبريل من الرد الانتقامي وشن هجمات جديدة. وفي الوقت نفسه، قدّر العديد من الخبراء أن إدارة ترامب ستتردد في الانخراط في دورة أخرى من الأعمال العدائية مع إيران أثناء التعامل مع وباء كورونا الذي يبلغ ذروته في عدة مدن.
كما سارعت إيران بالتقدم على المسار الموازي لاستراتيجيتها، إذ تحاول السيطرة على البنية السياسية في العراق. وقد وصل إسماعيل قاآني، خليفة سليماني، إلى بغداد في ٣٠ آذار / مارس لحشد الفصائل السياسية الشيعية الموالية لإيران لمنع تعيين عدنان الزرفي رئيسا جديدا للوزراء في العراق. وفي ١٧ آذار / مارس، كان الرئيس الموالي للولايات المتحدة برهم صالح قد رشح الزرفي، وقد أعطي مهلة حتى ١٥ نيسان / أبريل تقريبا للتوصل إلى حكومة جديدة يصادق عليها البرلمان العراقي. وعلى الرغم من أنّ الزرفي شيعيّ المذهب إلا أن طهران تنظر إليه بعين الارتياب لتصويته ضد قرار طرد القوات الأمريكية من العراق في أعقاب مقتل سليماني. وحصل قاآني على تعهدات بمعارضة الزرفي من كتلتين برلمانيتين رئيسيتين مواليتين لإيران على الأقل، بما في ذلك الفصيل الذي يقوده حليف طهران، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ومع اقتراب الموعد النهائي لتشكيل الحكومة، سعى الزرفي إلى صقل صورته في إيران من خلال الدعوة إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران والإشادة بالميليشيات الشيعية في العراق. ومع ذلك، لم ينجح في التغلب على تصور طهران بأنه «مؤيد للولايات المتحدة». ومن المرجح أن تنجح جهود إيران الرامية إلى إفشال مهمّته في تشكيل الحكومة، ولا سيما في ضوء تراجع القوات الأمريكية وتضاؤل النفوذ الأمريكي في العراق. وبذلك، يعدّ العثور على رئيس وزراء قادر على إرضاء كل من إيران والولايات المتحدة من أصعب المهمات، مما يعرقل التوصل إلى مرشح توافقي في العراق.