أوّل الكلام آخرُه:
- تستمرّ الاحتجاجات في هايتي للشهر الثاني على التوالي إلّا أنّها بدأت تفقد من زخمها مؤخّرًا.
- يُطالب المحتجّون باستقالة الرئيس جوفينيل مويز الّذي تعهّد بالبقاء في منصبه رغم المظاهرات الواسعة.
- فاقمت الاحتجاجات الضخمة أزمةَ الإمدادات الغذائيّة الضئيلة والرعاية الصحيّة في أحد أفقر البلدان في النصف الغربيّ من الكرة الأرضيّة.
- زادت الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة كميّات الأغذية الّتي تزوّدها لهايتي بقرابة مليوني طنٍّ للمساعدة في التخفيف من الأزمة.
أدّى سخط ملايين الهايتيّين جرّاء الفساد المستشري إلى موجةٍ واسعةٍ من الاحتجاجات في كافّة أرجاء الجزيرة على مدى الشهرين الماضيين. ويُمثّل هؤلاء المحتجّون جزءًا كبيرًا من الشعب الهايتي بكافّة مستوياته من الفقراء إلى الموظّفين الّذين برغم وظائفهم يعانون أزماتٍ ماليّةً متفاوتةً. وخرج المحتجّون إلى الشوارع مغرقين بجموعهم المناطق المزدهرة للتعبير عن سخطهم، وأحرقوا الإطارات وأغلقوا الطرقات بحواجز مؤقّتةٍ. وطالب المحتجّون باستقالة رئيس الجمهوريّة جوفينيل مويز الّذي وصل إلى السلطة عام 2017 والّذي تبقّى لانتهاء ولايته ثلاث سنواتٍ. أمّا الحدث الّذي أجّج بشكلٍ كبيرٍ سخط المحتجّين فهو الزعم بأنّ مويز قد اختلس ملايين الدولارات من صندوقٍ تمويليٍّ يعرف ببترو كاريبي وذلك قبل انتخابه رئيسًا. وفي حين كان الدافع الأساسيّ للمحتجّين هو المزاعم حول اختلاس مويز للأموال، وهو أمرٌ كشفته تحقيقاتٌ رسميّةٌ فرض الشروعَ بها الضغطُ الشعبيّ على الرئيس خلال الربيع الماضي، اندفع الهايتيّون الساخطون نحو الطرقات لأسبابٍ أخرى أيضًا من ضمنها الفساد والزبائنيّة السياسيّة ونقص الخدمات الأساسيّة فضلًا عن ارتفاع أسعار الاحتياجات اليوميّة ومن ضمنها الوقود.
على مدى 33 عامًا ومنذ الإطاحة بالديكتاتور جان كلود «بيبي دوك» دوفالييه غرقت هايتي في حالةٍ من الفوضى الدائمة. وعانى البلد الكاريبيّ خلال عقودٍ من الحكم الديكتاتوريّ والفاسد إلّا أنّ بصيصًا من الأمل في العاصمة بورت أوبرانس ظهر مبشّرًا أنّ أعوامًا من سوء الإدارة قد تنقلب اليوم. غير أنّ إحراز التقدّم يبدو أصعب من المتوقّع، ومع ذلك ما زالت هايتي تتمتّع بالحرّيّة السياسيّة إلى حدٍّ ما، وإن كانت رهينة أوضاعها الاقتصاديّة. وقد فشلت الحكومة في تقليص دائرة الفقر ولم تستطع التعامل بنجاحٍ مع إرث البلاد من الفساد المستشري. وتأتي هذه الاحتجاجات نتيجة سخط الشعب المتنامي حيال هدر الحكومات المتتالية المساعداتِ الخارجيّةَ بسبب سوء الإدارة والفساد.
ومنذ منتصف شهر أيلول / سبتمبر قُتل 18 شخصًا على الأقلّ في الاحتجاجات. وتضاءلت أحجام الاحتجاجات خلال الأسابيع القليلة الماضية إلّا أنّها ما زالت إلى حدٍّ ما ضخمةً ومعطِّلةً. وتضرّرت المدارس على وجه الخصوص فاضطر العديد منها إلى إغلاق أبوابها، وكذا الحال بالنسبة لكثيرٍ من المحلّات التجاريّة، وانسدّت طرق المواصلات الرئيسة أو تعطّلت. وفاقمت الاحتجاجات أيضًا الأزمة الغذائيّة في هايتي الّتي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على المساعدات الغذائيّة الّتي تصلها من الأمم المتّحدة ومن الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة. وفي هذا المجال، أفاد تقريرٌ صادرٌ عن الحكومة الهايتيّة أنّ ثلث الشعب الهايتي، أي ما يقارب 3.6 مليون شخصٍ، قد يعانون من أزمةٍ غذائيّةٍ أو حالة طوارئٍ غذائيّةٍ. الأمر الّذي دفع الوكالة الأمريكيّة للتنمية الدوليّة إلى زيادة كميّات الأغذية الّتي تزوّدها لهايتي بقرابة مليوني طنٍّ.
ويعيش أكثر من نصف سكّان هايتي بدخلٍ شهريٍّ ضئيلٍ لا يتخطّى ثلاثة دولاراتٍ. وبالنسبة للولايات المتّحدة تُعدّ زيادة الدعم إلى هايتي مسألةً ضروريّةً من الناحية الإنسانيّة فضلًا عن أنّها تخدم مصالحها وتحميها. وهذا الأمر يعني توفير المساعدات، ويعني أيضًا دعم المنظّمات الديمقراطيّة وتشجيع المنطقة على النهوض ومواجهة الفساد في هايتي. وكانت أعدادٌ هائلةٌ من الهايتيّين قد تركت الجزيرة في بدايات التسعينيّات، والحل الأمثل كي لا نرى تكرار ذلك هو استئصال جذور الأزمة. ويقلق غياب الاستقرار في هايتي الدول المجاورة في منطقة الكاريبي ولا سيّما جمهوريّة الدومينيكان. وتجدر الإشارة إلى أنّ هايتي كانت على مدى سنواتٍ عديدةٍ قد استقبلت بعثاتٍ عدّةً لحفظ السلام من ضمنها بعثات الأمم المتّحدة لدعم العدالة في هايتي. إنّ تجنّب تفاقم الأزمة الاقتصاديّة والإنسانيّة في هايتي، على نحو ما يحصل في فنزويلا، يجب أن يكون من أولويّات صُنّاع السياسات في واشنطن.