أوّل الكلام آخرُه:
- الرئيس ترامب يعيّن السفير ريتشارد غرينيل مديرا للاستخبارات الوطنيّة ومشرفا على جميع وكالات الاستخبارات الأميركيّة.
- يفتقر السفير غرينيل إلى الخبرة في مجال الاستخبارات أو الأمن القوميّ، ولكن ينظر إليه على أنّه من أتباع ترامب.
- يرفض الرئيس ترامب التحليل الاستخباراتيّ الموضوعيّ بشكل علني، عادّا إياها تهديدا لأجندته الفئوية.
- تواصل روسيا التدخّل في الانتخابات الأميركيّة الحاليّة، مستغلّة الانقسامات القائمة وتفاقم التوتّرات داخل الرأي العام الأميركيّ.
وصلت الولايات المتّحدة إلى طريق مسدود، حيث ييهين الرئيس ترامب وكبار المسؤولين بشكل متكرّر وعلنيّ الحكومة التي من المفترض أنهم على رأسها. وتترتّب عواقب حقيقيّة على الاتّهامات الباطلة التي تكرّر مقولة “الدولة العميقة” ومؤامراتها المزعومة. ويراقب الشعب الأميركيّ قادتهم المنتخبين وهم يشوّهون سمعة موظّفي الخدمة المدنيّة بما يشكّك بمفهوم الخدمة الوطنيّة غير الفئويّة. ومع اقتراب انتخابات عام ٢٠٢٠، تزيد الانقسامات الحزبية بين الشعب الأميركيّ أكثر من أيّ وقت مضى، ومرّة أخرى، تسعى حملة التضليل الروسيّة إلى ترسيخ تلك الانقسامات. وفي ١٩ شباط / فبراير، أعلن الرئيس ترامب عن ترقية ريتشارد غرينيل، الذي يشغل حاليّا منصب سفير الولايات المتّحدة في ألمانيا، إلى منصب القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنيّة. وأفادت الأنباء عن مواصلة غرينل العمل سفيرا مع إشرافه على عمل جميع وكالات المخابرات الأمريكيّة. وعدّ الكثيرون في الهيئات الاستخباراتية قرار استبدال شخص يفتقر إلى الخبرة في مجال الاستخبارات بالعميد السابق جوزيف ماغواير قرارا محيّرا ومحبطا، كما أنّه مثال آخر على ازدراء الرئيس ترامب غير الخفي لعمل أجهزة الاستخبارات وللمعلومات الصادرة عنها حال تعارضها ومشاعره وميوله الشخصيّة.
وذكر غرينيل أنّه لن يخدم إلّا بـ« الإنابة » حتّى يختار الرئيس مرشّحا ويرسل اسمه رسميّا إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه. وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، حيث جعل الرئيس ترامب من « الإنابة » خاصّيّة شبه دائمة في حكومته. وبذلك، يتجنّب الرئيس ترامب جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ حول مؤهّلات المرشّح أو افتقاره إليها. و يصرّح بأنّه يفضّل خاصّية « الإنابة » لكبار الموظفين نظرا للمرونة التي تمنحها له. على أنّ خطوة تعيين غرينيل مديرا للاستخبارات الوطنيّة، بالإنابة أو بالأصالة، تتعارض لفظا وروحا مع التشريع الذي أنشئت على أساسه هذه الإدارة وجعلت بمثابة الوزارة، وهو قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب لعام ٢٠٠٤. وقد حدّدت المؤهّلات في قانون الولايات المتّحدة رقم ٥٠ فقرة ٣٠٢٣، وبموجبه يتوجّب على أيّ فرد مرشّح لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية أن يمتلك خبرة واسعة في مجال الأمن القوميّ. لذلك، يعدّ أيّ تعيين لا تنطبق عليه هذه المعايير إهانة علنيّة لعمل وكالات الاستخبارات وموظّفيها، المكلّفة بـ «قول الحقيقة للسلطة».
وقد ترك تعيين السفير غرينيل، وما تبعه من رحيل أندرو هولمان، ثاني أكبر مسؤول في الوزارة، مكتب مدير الاستخبارات الوطنيّة في حالة من الاضطراب في الوقت الذي يعمل فيه على مواجهة تحدّيات الأمن القوميّ الأكثر إثارة للقلق في الولايات المتّحدة. ومن بين هذه التهديدات، مخاوف أجهزة الاستخبارات من تدخّل روسيا مرّة أخرى في الانتخابات الأمريكيّة. وكانت حملة التأثير الروسيّة الواسعة النطاق في الانتخابات الأميركيّة لعام ٢٠١٦ غير مسبوقة. واستنادا إلى بيانات حاسمة وواضحة، استنتجت وكالة الاستخبارات بأنّ روسيا تدخلت في الانتخابات مع دعم واضح للمرشّح ترامب. وتفيد بعض المصادر بأنّ أيّ ذكر لحملات التأثير الانتخابيّ الروسيّة يشعل غضب الرئيس ترامب. ووفقا لتقارير إخباريّة، جاءت إقالة ماغواير بعد إبلاغ أحد كبار المسؤولين الاستخباراتيّين فريق من المشرّعين الحزبيّين بأنّ روسيا لم تكن تحاول التأثير على انتخابات عام ٢٠٢٠ فحسب، بل أنّ ترامب كان المرشّح المفضّل لموسكو.
ويدرك مسؤولو المخابرات وضبّاطها أنّ الأمر متروك تماما لتقدير الرئيس فيما يتعلّق بالتصرّف (أو عدم التصرّف) بناء على المعلومات الاستخباريّة التي يتلقّاها. ولا يجب أن يشارك مسؤولو الاستخبارات في عمليّة صنع السياسات إنّما تتمثّل مهمّتهم في تزويد واضعي السياسات بالمعلومات الدقيقة وغير المنحازة اللازمة لمساعدتهم في صياغة السياسة السليمة وتشكيلها. ومع ذلك، فإنّ البيئة السياسيّة الحاليّة تمثّل العكس تماما، فالرئيس يرفض سماع «أيّ أخبار سيّئة» متعلّقة بروسيا، ويشكّك باستمرار في ولاءات الأشخاص الذين يقدّمون له تقارير الاستخبارات. ومنذ ما قبل تولّي ترامب الرئاسة وإلى اليوم، كان ولا يزال لا يفتأ يوبّخ مجتمع الاستخبارات بصورة علنيّة، ويتّهم وكالة الاستخبارات المركزيّة ومكتب التحقيقات الفيدراليّ بالغدر، بل إنّه قد استخدم كلمة «خيانة» حرفيّا في التغريدات الرئاسيّة. ولم يكن قرار تعيين السفير غرينيل على الرغم من افتقاره إلى المؤهلات إلّا رسالة واضحة إلى مجتمع الاستخبارات الأمريكيّ المحاصر أساسا بالضغوطات بأن «قول الحقيقة للسلطة» لم يعد مرحّبا به في هذه الإدارة.