أوّل الكلام آخرُه:
- في الرابع من كانون الأوّل/ ديسمبر، أعلنت ألمانيا رسميًّا أنّ أصابع الاتّهام تتّجه نحو روسيا في عمليّة اغتيالٍ حصلت بدمٍ باردٍ في برلين في شهر آب/ أغسطس الماضي.
- تعتقد السلطات الألمانيّة أنّ فاديم كراسيكوف، وهو الآن قيد الاعتقال، هو الّذي أقدم على قتل زيليمخان خانغوشفيلي الّذي ينتمي إلى الإثنيّة الشيشانيّة الجورجيّة.
- وإذا صحّ ذلك فإنّ عمليّة الاغتيال هذه ستكون الأولى الّتي يُعرف فيها أنّ موسكو قد أعطت أمرًا بالقيام بعمليّة اغتيالٍ في ألمانيا منذ نهاية الحرب الباردة.
- وقد أصبحت عمليّات الاغتيال الفاضحة في البلدان الغربيّة إحدى التكتيكات الشائعة الّتي تعتمدها السياسة الخارجيّة الروسيّة.
صرّح مسؤولون ألمان رسميّون في الـ 4 من كانون الأوّل/ ديسمبر أنّ روسيا مسؤولةٌ عن عمليّة اغتيالٍ بدمٍ باردٍ طالت القائد العسكريّ الشيشانيّ السابق ذا الأصول الشيشانيّة الجورجيّة في أحد شوارع برلين خلال الصيف الماضي. وسرعان ما ألقت السلطات القبض على مواطنٍ روسيٍّ يحمل جواز سفرٍ باسم فاديم سوكولوف، إلّا أنّه تبيّن لاحقًا أنّ اسمه فاديم كراسيكوف. ومن المرجّح أن يكون كراسيكوف منخرطًا في عمليّة اغتيالٍ جرت في موسكو عام 2014 مماثلةٍ لعمليّة اغتيال زيليمخان خانغوشفيلي في آب/أغسطس الماضي في برلين.
وبعد انتهاء قمّة باريس هذا الأسبوع والّتي ضمّت إليها قادةً من روسيا وأكرانيا، وصف الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين خانغوشفيلي بالشخص «الوحشيّ المتعطّش للدّماء» وحمّله مسؤوليّة التفجيرات الّتي حصلت في قطار الأنفاق في موسكو في آذار/مارس من عام 2010 والّتي أودت بحياة 98 شخصًا. وتعتقد السلطات الألمانيّة أنّ موسكو هي من أدارت خطّة كراسيكوف بالسفر تحت اسمٍ مستعارٍ في سبيل قتل خانغوشفيلي. وإذا صحّ ذلك فإنّ عمليّة الاغتيال هذه ستكون الأولى الّتي يُعرف فيها أنّ موسكو قد أعطت أمرًا بالقيام بعمليّة اغتيالٍ في ألمانيا منذ سقوط جدار برلين في عام 1989. وردًّا على هذه العمليّة، أعلنت ألمانيا طرد اثنين من الموظّفين الروس من السفارة الروسيّة في برلين، واصفةً إيّاهما «بغير المرغوب فيهما» وذلك وفق التعابير الديبلوماسيّة المتعارف عليها. ورفضت روسيا الاتّهامات الجديدة، على نحو عادتها في إنكار جميع الاتّهامات السابقة، واصفةً إيّاها بأنّها «لا أساس لها» وواعدةً بالانتقام الديبلوماسيّ.
على أنّ روسيا ليست بعيدةً عن عمليّات الاغتيال المارقة في الدول الأجنبيّة، ففي عام 2006 سمّمت موسكو ألكساندر ليتفينينكو بالإشعاع وهو ضابط مخابراتٍ روسيٌّ منشقٌّ لجأ إلى المملكة المتّحدة. وفي خطوةٍ مألوفةٍ من الكرملين، رفضت الحكومة الروسيّة الأدلّة المقدّمة الّتي تفيد بأنّها قتلت ذلك المنشقّ في لندن، على أنّها صرّحت في الوقت عينه أنّ ليتفينينكو قد نال المصير الّذي يناله من يعمل ضدّ روسيا. وتُعدّ هذه الجريمة بشكلٍ واضحٍ بمثابة تحذيرٍ واضحٍ للآخرين الّذين يُفكّرون في أعمالٍ مشابهةٍ يمكن أن تُفسّر على أنّها خيانةٌ لبوتين. وتعزّز هذا التحذير في آذار/مارس من عام 2018 عندما استخدم عملاء روسٌ مادّة النوفيشوك وهي سلاحٌ كيماويٌّ من اختراعٍ روسيٍّ يصيب النظام العصبيّ وذلك في محاولةٍ لاغتيال سيرغي سكربيل (وهو عميلٌ استخباراتيٌّ روسيٌّ مزدوجٌ عمل لصالح البريطانيّين سابقًا) وابنته يوليا في سالسبوري البريطانيّة. وكادت عمليّة الاغتيال هذه أن تودي بحياة سكربيل وابنته فضلًا عن شرطيٍّ بريطانيٍّ، وأودت بالفعل بحياة امرأةٍ إنجليزيّةٍ تُدعى دون ستراجيس الّتي تعرّضت لهذه المادّة الكيماويّة بعد أن تخلّص منها بعض العملاء الروس.
ويتبيّن من عمليّة اغتيال ليتيفينكو ومحاولة اغتيال سيرغي ويوليا سكربيل أنّ القانون الدوليّ غير كافٍ لردع موسكو عن الإقدام على تنفيذ خططها ومشاريعها على الأراضي الأجنبيّة. ويريد بوتين أن يُوضح للعالم أجمع أنّ لا شيء سيردع روسيا عن إسكات منتقديها أو الانتقام من أعدائها. أمّا التنديد العالميّ فهو لا يعني لموسكو شيئًا، فهي لا تأبه إلّا بالإجراءات العقابيّة. إلّا أنّه ورغم العقوبات الّتي فُرضت على روسيا واستبعادها ديبلوماسيًّا على نطاقٍ واسعٍ بعد محاولة اغتيال سكربيل، لم يتوقّف الكرملين عن تنفيذ مثل هذه العمليّات واستخدامها أداةً في السياسات الخارجيّة. أمّا الغرب، فرغم تنديده بهذه الحوادث وطرده لديبلوماسيّين روسٍ فضلًا عن فرض عقوباتٍ تستهدف أشخاصًا أو قطاعاتٍ روسيّةً محدّدةً، فهو لا يزال يعمل عن كثبٍ مع روسيا في العديد من المجالات الأخرى ولا سيّما في مجال الطاقة. وتأتي عمليّة الاغتيال الّتي حصلت في ألمانيا لتزيد من التعقيدات الّتي تشوب العلاقة بين البلدين بلا شكٍّ، إلّا أنّها ليست كافيةً لزعزعة خطّة العمل المشتركة في مجال الغاز الطبيعيّ. وفي هذا المجال يبدو أنّ روسيا ستستمرّ في النظر إلى عمليّات الاغتيال هذه بوصفها أداةً من أدوات سياستها الخارجيّة. فبالنسبة لموسكو تبقى الخسارة على الصعيد الاقتصاديّ مقبولةً في مقابل الأرباح الّتي تعتقد أنّها ستجنيها من إسكات المنتقدين وقمع المعارضين المحتملين.