أوّل الكلام آخره:
- استخدم القادة الاستبداديّون جائحة كورونا ذريعة لإحكام قبضتهم على السلطة وقمع معارضيهم.
- وقد شهدت بلدان كتركيا والمجر (هنغاريا) والفلبين استخدام القادة السياسيّن فيها جائحة كورونا لتعزيز حكوماتهم وتشويه صورة مناوئيهم.
- ولا شكّ أنّ معاناة دول كإيطاليا والولايات المتّحدة لا يمكن تخطّيها بسهولة، إلّا أن بعض الديمقراطيّات كألمانيا وكوريا الجنوبيّة قدّمت نماذج إيجابيّة للتعامل الفعّال مع انتشار الوباء.
- ويخشى أنّ بعض أجهزة الرقابة التي اعتمدتها بعض الدول لمواجهة انتشار البقاء قد تبقى إلى الأبد، حتّى بعد انحسار الوباء.
استخدم القادة الاستبداديّون جائحة كورونا ذريعة لإحكام قبضتهم على السلطة وقمع معارضيهم. فقد استفاد قادة المجر (هنغاريا) وتركيّا والفلبين والصين وروسيّا من الوباء لتعزيز مواقعهم في ظلّ موجة القلق السائدة، حيث عامّة الناس يصارعون للبقاء. وقد عمدت عدّة دول لإقرار قوانين للحدّ من نشر «الأخبار الكاذبة والمعلومات المضلّلة» المتعلّقة بالفايروس وانتشاره على نحو يجعل من حكومات هذه الدول وأنظمتها المرجعيّة الصالحة الوحيدة لتعقّب أخبار الوباء، بما يضمن لها سيطرة تامة على وسائل الإعلام. على أنّ هذه السيطرة على وسائل الإعلام الّتي تعدّ حرّيّتها شرطا حيويا لعمل المجتمع المدني قد تكون أخطر تداعيات الحرب على كورونا مستقبلا.
وقد أصدرت هنغاريا مع نهاية شهر آذار/مارس تشريعا طارئا، ظاهره يتعلّق بمحاربة كورونا، غير أنه من الناحية العملية يسير بالبلاد نحو الاستبداد. وقد صوّت البرلمان بأغلبيّة 137 عضوا ومعارضة 53 آخرين على منح رئيس وزراء هنغاريا فكتور اوربان صلاحية الحكم بإصدار المراسيم، مع تعطيل كافة الانتخابات، فضلا عن تهميش عمل البرلمان من غير تحديد أمد معلوم لذلك. أمّا في إسرائيل فقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حالة الطوارئ وبات وجه تصدّي إسرائيل للوباء. وقد عنى ذلك أيضا تعليق عمل المحاكم بما في ذلك المحكمة المعنيّة بمحاكمته شخصيا بتهم الفساد. أمّا معارضه الأقوى بني جانتز فقد اختار التنحّي بذريعة أن مواجهة الوباء تتطلب الوحدة. وفي تركيا استخدم الرئيس رجب طيب أردوغان انتشار الوباء فرصة للزج بمعارضيه في السجون. وعند الكثيرين مخاوف مشروعة من أن تعقب ذلك حملة اعتقالات واسعة تشمل الأكاديميين والصحافيين وناشطي المجتمع المدني، على نحو ما حصل في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان سنة 2016. أمّا في الفلبين فقد أمر الرئيس رودريغو دوترتيه الشرطة والجيش بإطلاق النار على كل من يخالف قوانين الحظر والحجر وقتلهم.
ويعمد بعض القادة الأقوياء اليوم إلى تدبيج المدائح بحقّ النموذج الاستبدادي بوصفه الوحيد القادر على التصدي للأزمات الكبرى كجائحة كورونا. والحجة هنا هي أن الدول الديمقراطية والغربية قد فشلت لأنّ أنظمة الحكم فيها غير قادرة على إدارة الأزمات. ولا شكّ أنّ معاناة دول كإيطاليا والولايات المتّحدة لا يمكن تخطّيها بسهولة، إلّا أن بعض الديمقراطيّات كألمانيا وكوريا الجنوبيّة وتايوان قدّمت نماذج إيجابيّة للتعامل الفعّال مع انتشار الوباء. هذا دون أن ننسى أن حجة الأنظمة الاستبدادية تغفل أن النموذج الاستبدادي الذي يمثله الحزب الشيوعي الصيني دفع بالقادة المحلّيّين وزعمائهم السياسيين إلى إخفاء حجم انتشار الوباء ابتداء.
ويخشى أنّ بعض أجهزة الرقابة التي اعتمدتها بعض الدول كالصين وروسيا لمواجهة انتشار البقاء قد تبقى إلى الأبد، حتّى بعد انحسار الوباء، بل قد تصبح أمرا اعتياديا تراقب به الدولة مواطنيها والمقيمين على أرضها. ولا شك أن وباء كورونا سيخلّف تداعيات سلبية على عمل الدول والمجتمعات قد تغير تغييرا جذريا في أنماط الحياة. ولعلّ بعض مظاهر العولمة التي باتت في العقود الأخيرة أمرا طبيعيا ومعتادا، كتبادل الأفراد والسلع والخدمات عبر الحدود، قد يعاد ضبطها وتوجيهها، مع تحويل أنشطة قطاعات واسعة من الأعمال. وكما فعل المستبدون وأنظمتهم الاستبداديّة عبر التاريخ، فإنهم لن يفوّتوا هذه الفرصة لتعزيز سلطاتهم، والتحكّم في وسائل الإعلام، وإعاقة عمل المجتمع المدنيّ.