أوّل الكلام آخرُه:
- غادر الزعيم البوليفيّ إيفو موراليس البلاد في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ومنحته الحكومة المكسيكيّة حقّ اللّجوء، بعد أسابيع طويلةٍ من الاحتجاجات الّتي أدّت إلى إسقاطه، وهو أمرٌ يراه كثيرون خلعًا غير شرعيٍّ.
- وفي الـ 12 من تشرين الثّاني/ نوفمبر، أعلنت نائبة رئيس مجلس الشيوخ جانين آنيز بأنّها ستستلم رئاسة البلاد بشكلٍ مؤقّتٍ وبأنّها ستشكّل حكومةً لتصريف الأعمال.
- دعمت الولايات المتّحدة الأمريكيّة بشكلٍ علنيٍّ مبادرة آنيز، إلّا أنّ تاريخ تدخّل الولايات المتّحدة في السياسات اللاتينيّة قد لا يمنحها مصداقيّةً تامّةً.
- ومن أجل تجنّب تفاقم حالة غياب الاستقرار الّتي تشهدها البلاد، على حكومة آنيز المؤقّتة أن تتجنّب السياسة الحزبيّة بمعناها الضيّق وأن تسعى إلى دمج كافّة البوليفيّين في العمليّة السياسيّة.
.
غادر الرئيس البوليفيّ إيفو موراليس البلاد في الـ 10 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات المندّدة بنتائج الانتخابات الرئاسيّة المطعون بها، وهي انتخاباتٌ رأت منظمّة الدول الأمريكيّة أنّها قد تعرّضت لتلاعبٍ واضحٍ. ومنحت الحكومة المكسيكيّة موراليس، الّذي تولّى منصب الرئاسة للمرّة الأولى عام 2006، حقّ اللجوء بعد أن زعم بأنّه أُجبر على مغادرة البلاد جرّاء ما يُسمّيه بعضهم اليوم انقلابًا. وقبل أن يرضخ لقرار النفي كان موراليس قد ترشّح للرئاسة للمرّة الرابعة خلال شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر، منتهكًا بذلك بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ الدستور البوليفيّ. واندلعت الاحتجاجات بشكلٍ واسعٍ بُعَيد الانتخابات الّتي زعم موراليس وحلفاؤه بأنّه ربحها بشكلٍ نزيهٍ. ولم ينجح موراليس بتهدئة صفوف المعارضة رغم إعلانه عن نيّته إجراء انتخاباتٍ أخرى. وبعد الانتخابات والاحتجاجات المتكرّرة وإسقاط الرئيس، تعيش اليوم بوليفيا انقسامًا كبيرًا يُهدّد استقرار البلاد وسط الأوضاع العامّة الهشّة في المنطقة. وبوليفيا هي آخر البلدان اللاتينيّة الّتي هزّتها الاحتجاجات وذلك بعد تدهور الاستقرار في تشيلي والإكوادور.
وفي الـ 12 من تشرين الثّاني/ نوفمبر، أعلنت نائبة رئيس مجلس الشيوخ جانين آنيز بأنّها ستستلم رئاسة البلاد بشكلٍ مؤقّتٍ وبأنّها ستشكّل حكومةً لتصريف الأعمال. ونفت آنيز الاتّهامات بتدبير انقلابٍ عسكريٍّ بالرغم من أنّ الرئيس المخلوع قد سمّى الأحداث الّتي جرت في البلاد بالانقلاب. وفور قيام آنيز بهذه الخطوة، تلقّت دعمًا من أعلى محكمةٍ دستوريّةٍ في البلاد، أي المحكمة الدستوريّة المتعدّدة القوميّات، الّتي أشارت بأنّ آنيز الآن على رأس الهرم التشريعيّ بعد موجةٍ من الاستقالات الواسعة الّتي تلت إسقاط موراليس خصوصًا بين المسؤولين الكبار والوزراء والسياسيّين المرتبطين بحزب الحركة نحو الاشتراكيّة. وفي الـ 13 من تشرين الثاني/ نوفمبر، أكّدت آنيز من جديدٍ بأنّ موقعَها مؤقّتٌ وأنّ انتخاباتٍ نزيهةً أخرى ستقام قريبًا. وفي خضمّ هذا كلّه، عمدت إلى تعيين قائدٍ جديدٍ للقوّات المسلّحة البوليفيّة وهو الجنرال كارلوس أوريلانا. وحتّى الآن تلقّت أنيز دعم الولايات المتّحدة الأمريكيّة والمملكة المتّحدة والبرازيل، فضلاً عن دولٍ أخرى متعدّدةٍ، في حين قال قادة بعض الدول ومن ضمنها المكسيك ونيكاراغوا وكوبا وفنزويلا إنّ إسقاط موراليس غير شرعيٍّ.
وللولايات المتّحدة الأمريكيّة تاريخٌ طويلٌ مقلقٌ في دعم الانقلابات المعادية للديمقراطيّة في الدول اللاتينيّة، الأمر الّذي دفع بالعديد من سكّان هذه البلدان إلى التشكيك الدائم في نوايا واشنطن الحقيقيّة. وقد قدّمت إدارة ترامب الدعم للخطوات الانتقاليّة الّتي تقدّمت بها آنيز. وأصدر الرئيس ترامب بيانًا أشار فيه إلى أنّه «بعد 14 عامًا من الحكم، وبعد أن حاول موراليس مؤخّرًا انتهاك الدستور البوليفيّ والتحكّم بإرادة شعبه، يُعدّ خروجه من السلطة اليوم خطوةً تحافظ على الديمقراطيّة وتفتح الطريق للاستماع إلى صوت الشعب البوليفيّ.» وتضغط الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أجل إنجاز تغييراتٍ مماثلةٍ في فنزويلا ونيكاراغوا نازعةً الشرعيّة عن حكومتي البلدين. ودعمت إدارة ترامب بشكلٍ علنيٍّ الإطاحة بالرئيس الفنزويلّيّ نيكولاس مادورو مشجّعةً على القيام بانقلابٍ عسكريٍّ ضدّه. بَيْد أنّ الضغوطات الغربيّة الممارسة على مادورو لم تكن متّسقةً بالرغم من أنّه يرأس اليوم بلدًا شهد انهيارًا اقتصاديًّا وهجرة الملايين إلى الدول المجاورة ولا سيّما كولومبيا. وخلال الأشهر القليلة الماضية، استمدّ مادورو شجاعةً وعزمًا من دعم الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين والقوّات العسكريّة الروسيّة وشركات الأمن الخاصّة.
مقارنةً بفنزويلا فإنّ الأزمات الّتي تعاني منها بوليفيا يمكن حلهّا، وقد أنجزت البلاد إنجازاتٍ كبرى في السنوات الماضية حيث انتُشل عددٌ كبيرٌ من السكّان من آفة الفقر. وتركّزت الاحتجاجات المناوئة لمادورو على انتهاكه الدستور البوليفيّ بالترشّح لولايةٍ رئاسيّةٍ رابعةٍ فضلًا عن نتائج الانتخابات المشكّك بها. وتستمرّ الأزمة البوليفيّة بالتفاقم منذرةً باحتمال اندلاع أعمال عنفٍ بين المتظاهرين وأولئك المعادين لهم. ولا يزال موراليس يتمتّع بدعمٍ كبيرٍ في مجلس الشيوخ البوليفيّ الّذي أكّد نيّته منع آنيز من الاستيلاء على السلطة. وتستمرّ الاحتجاجات في شوارع لاباز، ولكن هذه المرّة ضدّ استحواذ آنيز على السلطة، فضلاً عن مظاهرات مؤيّدي الرئيس موراليس الّذين يدعونه إلى العودة إلى البلاد. ونظرًا لماضي واشنطن المتقلّب في التدخّل بالشؤون السياسيّة اللاتينّية، فعلى إدارة ترامب أن تتمهّل في التعامل مع هذه الأزمة ويجب أن تتجنّب السعي إلى السيطرة على ما ستؤول إليه الأمور. ومن أجل تجنّب تفاقم حالة غياب الاستقرار الّتي تشهدها البلاد، على حكومة آنيز المؤقّتة أن تتجنّب السياسة الحزبيّة بمعناها الضيّق وأن تسعى إلى دمج كافّة البوليفيّين في العمليّة السياسيّة ولا سيّما أنّ موراليس لا يزال يتمتّع بشعبيّةٍ كبيرةٍ في صفوف قطاعاتٍ واسعةٍ من البوليفيّين.
.