أوّل الكلام آخرُه:
- الصور الملفّقة هي المقاطع المصوّرة الّتي عُدّلت وتلوعب بها لإنتاج صورٍ عن أجسادٍ أو وجوهٍ تبدو وكأنّها حقيقيّةٌ.
- مع تنوّع مواقع التواصل الاجتماعيّ وانتشارها وسهولة النفاذ إلى البرامج والتكنولوجيّات فإنّ عددًا واسعًا من الخيارات بات اليوم متاحًا أمام أيّ شخصٍ يسعى إلى التلاعب بمقطعٍ مصوّرٍ أو بصورٍ.
- نظرًا للضغوطات الشديدة لاتّخاذ مواقف عمليّةٍ ونظرًا لسرعة اندلاع الحروب في عصرنا الراهن فإنّ للصور والمقاطع المصوّرة المزيّفة تأثيرًا ضخمًا وعميقًا.
- ويُعدّ الجمع بين الحلول التكنولوجيّة والتنظيميّة والاستخباراتيّة والديبلوماسيّة وحلول المجتمع المدنيّ أمرًا ضروريًّا لبدء التفكير في التهديد والتحديّات الأساسيّة الّتي تشكّلها المعلومات المزيّفة للمجتمع بأكمله.
الصور الملفّقة هي المقاطع المصوّرة الّتي عُدّلت وتلوعب بها لإنتاج صورٍ عن أجسادٍ أو وجوهٍ تبدو وكأنّها حقيقيّةٌ. وقد شهدنا ما حصل مع الممثّل الكوميديّ جوردان بيل في المقطع المصوّر الّذي يظهر فيه وكأنّه الرئيس باراك أوباما، على أنّ هذا حصل في إطار الإمتاعٍ. ولهذه التقنيّة استخداماتٌ إيجابيّةٌ أخرى مثل إظهار الممثّلين المتوفّين في الأجزاء المتبقّية من أفلامهم ومسلسلاتهم على أنّهم أحياءٌ ويشاركون في العمل. إلّا أنّ الاستخدام الأكثر إثارةً للقلق في هذه التقنيّات هو الّذي يسمح للمقاطع المصوّرة المفبركة بأن تتلاعب بمعتقدات الأشخاص اتّجاه أشخاصٍ آخرين أو اتّجاه مبادئ معيّنةٍ. وتداعيات هذه العمليّة كثيرةٌ. فعلى سبيل المثال تخيّلوا أن يُنشر مقطعٌ مصوّرٌ مزيّفٌ لأحد قادة العالم يُعلن فيه بدء عملٍ عسكريٍّ على بلدٍ عدوٍّ. ويتعاظم التهديد الّذي يُشكّله استخدام هذه المعلومات والأخبار المزيّفة إذا أخذنا بعين الاعتبار استخدامها بالتزامن مع هجماتٍ أخرى سواءٌ أكانت هجماتٍ في الفضاء الافتراضيّ أم كانت في العالم الحقيقيّ، وإذا لاحظنا سرعة انتشارها عبر الإنترنت وعلى منصّات التواصل الاجتماعيّ.
وبعض التلفيق يُعرف بـ «التلفيق الرخيص» ويشمل محاولات تلاعبٍ عبر برامج رخيصة السعر، وربّما يقتصر على تعديل الصور والمقاطع المصوّرة باستخدام نسخةٍ ما من برنامج الفوتوشوب. ومع تنوّع مواقع التواصل الاجتماعيّ وانتشارها وسهولة النفاذ إلى البرامج والتكنولوجيّات فإنّ عددًا واسعًا من الخيارات بات اليوم متاحًا أمام أيّ شخصٍ يسعى إلى التلاعب بمقطعٍ مصوّرٍ أو بصورٍ. وخلال السنة الماضية انتشر مقطعٌ مزيّفٌ لرئيسة مجلس النوّاب الأمريكيّ نانسي بيلوسي. وقد تلوعب بهذا المقطع المصوّر لتظهر الرئيسة بيلوسي تتكلّم ببطءٍ وتنطق بكلماتٍ غير مفهومةٍ. ورغم أنّه قد عُرف حينها بأنّ هذا المقطع المصوّر متلاعبٌ به إلّا أّنه حصل على ملايين من المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعيّ فضلًا عن أنّه ظلّ حديث الساعة لفترةٍ طويلةٍ. وأخيرًا تجدر الإشارة إلى الأخبار النصّيّة المزيّفة حيث يستطيع أيّ مستخدمٍ لمواقع التواصل الاجتماعيّ أن يتلاعب بنصٍّ عبر استخدام برامج معيّنةٍ فيزيد في النصّ الأصليّ أو يحذف منه، وسهولة هذا الأمر جعلت من نشر المعلومات المزيّفة نشاطًا سهلًا جدًّا. وقد باتت هذه الصور الملفّقة والنصوص المزيّفة أداةً سهلة الاستخدام في السلسلة الطويلة من الإجراءات والعمليّات الّتي تقوم بها حملات التضليل الإعلاميّ الّتي تشرف عليها جهاتٌ حكوميّةٌ أو غير حكوميّةٍ.
وللتعامل مع تلفيق الصور والتكنولوجيّات المرتبطة بها تبعاتٌ جدّيّةٌ. أوّلًا، يرفع التهديد المحتمل الّذي تفرضه هذه التكنولوجيّات الناشئة من أهمّيّة العمل الديبلوماسيّ. إذ من السهل أن يُفبرك مقطعٌ مصوّرٌ مزيّفٌ لكم جونغ أون أو أيّ قائدٍ آخر من قادة العالم، يُهدّد فيه بشنّ اعتداءٍ. وهذا الأمر يجعل الحاجة إلى ديبلوماسيّين قادرين على بناء علاقات اتّصالٍ فعّالةٍ مع الحكومات الأجنبيّة ومن ضمنها حكومات الدول العدوّة أمرًا في غاية الأهمّيّة، إن لم يكن لشيءٍ إلّا للتأكّد من حقيقة أيّ صورةٍ ملفّقةٍ أو أيّ مقطعٍ مصوّرٍ مزيّفٍ يُنشر ويُتداول بشكلٍ كبيرٍ. ونظرًا للضغوطات الشديدة لاتّخاذ مواقف عمليّةٍ ونظرًا لسرعة اندلاع الحروب في عصرنا الراهن فإنّ للصور والمقاطع المصوّرة المزيّفة تأثيرًا ضخمًا وعميقًا. ثانيًا، قد يؤدّي تعوّد الحكومات والأفراد على المقاطع والصور الملفّقة إلى إغفالها، وهذا الأمر يُشكّل إشكاليّةً في حال كانت الصور الّتي يُعتقد تلفيقها حقيقيّةً فعلًا وتستوجب تعاملًا سريعًا من السلطات المعنيّة. ثالثًا، سيحتاج المحلّلون الاستخباراتيّون الّذين تقع على عاتقهم مهمّة تحليل المعلومات وتحديد الاتّجاهات الجديدة إلى بذل مجهودٍ أكبر من أجل التأكّد من حقيقة المعلومات، الأمر الّذي قد يؤثّر سلبًا في عملهم. وهذا أمرٌ حقيقيٌّ بالرغم من أنّه يُعمل اليوم على تطوير أدواتٍ جديدةٍ من أجل مساعدة المحلّلين في التفرقة بين المعلومات الحقيقيّة وتلك المزيّفة.
وقد حاولت ولايتا كاليفورنيا وتكساس الحدّ من انتشار المقاطع المصوّرة الملفّقة من خلال سنّ قوانين تحظر المقاطع الّتي يعرف تلفيقها إذا كانت تهدف إلى التأثير على التصويت في الانتخابات الأمريكيّة. أمّا ولاية ماين فهي تدرس اليوم قانونًا شبيهًا بذلك. إلّا أنّ الحكومة الفيدراليّة لم تظهر أيّ قدرةٍ على مواجهة تحدّي الصور الملفّقة بطرقٍ فعّالةٍ. وعلى هذا، فإنّ تنوّع تكنولوجيّات تلفيق الصور سوف يستمرّ في خدمة القوى الّتي تسعى وراء التضليل الإعلاميّ. وفي حين أنّ الحلول الديبلوماسيّة والاستخباراتيّة للتحدّيات الّتي يشكّلها تلفيق الصور على الأمن القومي ستكون المفتاح لمواجهة الصور الملفّقة إلّا أنّه ما من حلٍّ سحريٍّ. فالجمع بين الحلول التكنولوجيّة والتنظيميّة والاستخباراتيّة والديبلوماسيّة وحلول المجتمع المدنيّ يعدّ أمرًا ضروريًّا لبدء التفكير في التهديد والتحديّات الأساسيّة الّتي تشكّلها المعلومات المزيّفة للمجتمع بأكمله..