أوّل الكلام آخرُه:
- تتصاعد التوتّرات الأمريكيّة الإيرانيّة مرّةً أخرى بعد ثلاثة أشهرٍ من الاستقرار النسبيّ.
- يؤكّد مسؤولون أمريكيّون أنّ إيران تعيد تزويد حلفائها وأذرعها في اليمن والعراق بمعدّاتٍ صاروخيّةٍ قصيرة المدى.
- يستشهد القادة العسكريّون الأمريكيّون بالتحرّكات العسكريّة الإيرانيّة دليلًا على أنّ إيران لم تُردَع بالفعل، ويطالبون بنشر المزيد من القوّات الأمريكيّة في الخليج.
- إنّ مجرّد التباحث في نشر المزيد من القوّات الأمريكيّة في المنطقة يؤكّد أنّ حملة الضغط الأمريكيّة القصوى ضد إيران لا تحقّق أهدافها الأساسيّة.
رغم حالة الاستقرار الّتي سادت العلاقات الإيرانيّة الأمريكيّة لمدّة ثلاثة أشهرٍ، طفت مؤخّرًا خلال شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأوّل/ ديسمبر بوادر تنبئ بعودة التوتّر. فخلال بدايات الشهر الحاليّ، أكدّ برايان هووك المسؤول عن الملفّ الإيرانيّ في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة أنّه في الـ 25 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر استحوذت القوّات البحريّة الأمريكيّة على شحنةٍ إيرانيّةٍ تحتوي على موادّ دقيقةٍ تُستعمل لأغراض صناعة الصواريخ التكتيكيّة قصيرة المدى كانت متّجهةً إلى الحوثيّين (أنصار الله) في اليمن وذلك لاستخدامها في حربهم مع القوّات السعوديّة. وأكّد تقريرٌ صحفيٌّ آخر أنّ إيران زوّدت حلفاءها في العراق بصواريخ قصيرة المدى. وكانت تقارير سابقةٌ قد أفادت أنّ إيران قد نقلت صواريخ للمجموعة العسكريّة الحليفة لها والّتي تُعرف باسم كتائب حزب الله في العراق، وأنّ إسرائيل قد قصفت منشآتٍ لتخزين الصواريخ الإيرانيّة في العراق خلال بدايات عام 2019. وعمليّات نقل الأسلحة هذه ليست الأولى من نوعها، فقد درّبت إيران المجموعات المسلّحة الشيعيّة العراقيّة الموالية لها منذ ثمانينيّات القرن الماضي، أمّا الحوثيّون فقد عملت على تدريبهم منذ عام 2014. إلّا أنّ العمليّات الأخيرة هذه حصلت خلال الشهرين اللذين شهدا احتجاجاتٍ واسعةً في العراق شملت التنديد بالنفوذ الإيرانيّ ووسط حديثٍ عن سعي المملكة العربيّة السعوديّة إلى الوصول إلى تسويةٍ ما في اليمن. ولذلك تبدو عمليّة نقل الأسلحة هذه شاهدًا على ثقة النظام الإيرانيّ بنفسه، إذ لم تعقه الأحداث الحاصلة في اليمن والعراق من السعي إلى استكمال بسط نفوذه على صعيد المنطقة.
وجاءت عمليّات النقل هذه لتفسّر كلام قائد المنطقة الوسطى كينيث ماكنزي أواخر الشهر الماضي حين قال إنّ ما حدث بين شهري أيّار/ مايو وتشرين الأوّل/ أكتوبر من نشر قوّاتٍ أمريكيّةٍ في المنطقة قد يكون قد ردع إيران عن الاعتداء على أهدافٍ أمريكيّةٍ غير أنّه «لا يستبعد حصول اعتداءٍ إيرانيٍّ جديدٍ مثل الّذي حصل في 14 من أيلول/ سبتمبر والّذي استهدف منشآت النفط السعوديّة». وعلّق ماكنزي على الاحتجاجات وأعمال الشغب الّتي حصلت في إيران تبعًا لزيادة أسعار المحروقات قائلًا إنّ إيران تتعرّض لضغوطاتٍ ضخمةٍ وإنّها تحاول إفشال حملة الضغوطات القصوى الّتي تعتمدها أمريكا عبر المبادرة إلى اعتداءاتٍ قد تشعل فتيل المواجهة العسكريّة مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وبالتزامن مع تحذيرات الجنرال ماكنزي أطلقت عددٌ من الصواريخ على منشآتٍ عراقيّةٍ تستخدمها القوّات الأمريكيّة ومن المرجّح أن يكون مصدر هذه الصواريخ ميليشياتٍ مدعومةً من إيران.
ويبدو أنّ الشعور بهذا الخطر الإيرانيّ الجديد، وتأكيد قيادة المنطقة الوسطى أنّ نشر المزيد من القوّات الأمريكيّة في المنطقة لم يردع إيران حتّى الآن، كانا وراء التباحث في مسألة نشر المزيد من القوّات الأمريكيّة مرّةً أخرى. وأشار تقريرٌ نفته إدارة ترامب أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة قد ترسل عشراتٍ من البوارج الحربيّة وما يفوق 14 ألف عسكريٍّ أمريكيٍّ إلى المنطقة. إلّا أنّ مسؤولين أمريكيّين من بينهم وزير الدفاع الأمريكيّ مارك أسبر نفوا نيّتهم إرسال المزيد من القوّات إلى الخليج. ولكنّ مرؤوسي أسبر في وزارة الدفاع صرّحوا في 5 كانون الأوّل/ ديسمبر، أثناء شهادتهم أمام الكونجرس، أنّ نشر المزيد من القوّات كان احتمالًا مطروحًا. وأفاد تقريرٌ نشرته السي إن إن في الـ 5 من كانون الأوّل/ ديسمبر 2019 أنّ الرقم الأصحّ قد يتراوح بين 4000 و7000 جنديٍّ من المختصّين في الدفاعات الجويّة والصاروخيّة. ومن المحتمل، رغم كونه في دائرة التخرّصات، أن يكون المسؤولون الأمريكيّون قد سعوا إلى التقليل من أهمّيّة هذا النشر الجديد ليساعدوا في إنجاح عمليّة إطلاق سراح المواطن الأمريكيّ شيو وانغ المحتجز في إيران منذ ثلاث سنواتٍ.
ومن جهةٍ أخرى يبدو أنّ حجاج المسؤولين المدنيّين في وزارة الدفاع ضدّ أيّ زيادةٍ كبيرةٍ في القوّات الأمريكيّة في الخليج قد يعود جزئيًّا إلى أنّ مثل هذه الزيادة قد تُمثّل اعترافًا ضمنيًّا منهم بأنّ حملة الضغط القصوى ضدّ إيران قد فشلت. فالمسؤولون الأمريكيّون سوّقوا حملتهم لزيادة العقوبات الأمريكيّة على إيران بوصفها الطريقة المثلى لإضعاف إيران بشكلٍ إستراتيجيٍّ من خلال التسبّب في تباطؤ اقتصادها بشكلٍ حادٍّ. وعلى الرغم من أنّ العقوبات هذه ألحقت ضررًا محقّقًا باقتصاد إيران، لا دليلَ مؤكّدًا حتّى الآن على أنّ الإنهاك الاقتصاديّ سيخفّف من نفوذ إيران الإقليميّ والإستراتيجيّ. ولو أنّ الحملة قد حقّقت أهدافها الأساسيّة أو في طريقها إلى ذلك، فمن المفترض أنّ إيران قد ضعفت إستراتيجيًّا، أو أنّها في الطريق إلى ذلك، وعندها لا حاجة لنشر المزيد من القوّات الأمريكيّة في منطقة الخليج. على أنّ الأمر لا يبدو على هذا النحو.