أوّل الكلام آخره:
- زادت على نحو ملحوظ دعاية الأحزاب اليمينية المتطرفة والجماعات المناهضة للدولة والجماعات المتطرفة العنيفة منذ بداية تفشي وباء كورونا هذا العام.
- تحرّض الجماعات المناهضة للدولة أتباعها على رفض تدابير «الحجر المنزلي» التي فرضتها مختلف الدول، ويتظاهر أنصارها حاملين أسلحتهم النارية في وضح النهار احتجاجا على هذه التدابير.
- يعد وباء كورونا إطارا مثاليا لنشر نظريات المؤامرة حول الحكومات القمعية التي تسلب المواطنين حرياتهم الشخصية.
- دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شعبه إلى «تحرير» الولايات، وكان من نتائج ذلك انتشار الدعوات إلى حرب أهلية انتشارا حادّا على شبكات الإنترنت.
لا خلاف على أنّ جماعات اليمين المتطرف والجماعات المتطرفة المناهضة للدولة في الولايات المتحدة كانت في صعود حتى قبل تفشي وباء كورونا. وكانت الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديموغرافية المتنامية داخل البلاد من العوامل المحفزة لها، كما أنّ كثيرا من خطابات السياسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت في كثير من الأحيان تصبّ الزيت على النار. غير أن جائحة الوباء قدّمت على طبق من فضّة فرصة مثالية لهذه الجماعات لنشر نظرياتها ومظلوميّتها المزعومة، مستغلة هذه الأزمة العالمية لزرع المزيد من الارتياب بالدولة ومؤسساتها. وكانت العديد من البلدان قد فرضت قيودا على مراحل مختلفة على التجمعات العامة والمصالح التجارية للحد من انتشار الوباء على نحو قد يهدّد بانهيار نظم الرعاية الصحية، ولا سيّما إذا ما كانت النظم هذه متصدّعة أصلا. وفي الولايات المتحدة، يتخذ حكام الولايات هذه القرارات بعد دراسة متأنية للبيانات الموجودة، ولا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات. ولا شكّ أنّ الوباء شكّل أزمة صحية عالمية وكارثة اقتصادية لم يسبق لها مثيل، وقد أدّت العواقب المالية المترتبة عليه إلى انتشار الخوف والقلق حول أزمة ركود أو كساد تلوح في الأفق.
وقد استغلّت الجماعات المناهضة للدولة في الولايات المتحدة هذه المرحلة العصيبة التي يسودها القلق الشديد والارتياب المتزايد للترويج لسردياتها. ولا تفتأ هذه الجماعات تشكّك في الحكومة، ومعظم عناصرها مدججون بالسلاح ويشجعون مناصريهم على حمل السلاح ضد ما يسمّونه «حكومة استبدادية». ولا جديد في هذه الدعوى، فقد ظهرت واختفت عدة مرات لعقود من الزمن. وكانت هذه وجهة نظر تيموثي ماكفي، الذي قتل 168 شخصا في تفجير مبنى ألفريد مورا الاتحادي في أوكلاهوما سيتي، عام 1995، كما أنها النظرة العالمية للجماعات العنيفة من العنصريين البيض الذين ساروا في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا في آب / أغسطس 2017 في مسيرة «توحيد اليمين». ولا شكّ أن إجراءات الحجر المنزلي التي فرضتها الدول كانت مدمرة للاقتصادات المحلية ولكنها كانت ضرورية لمنع الإصابات المرتبطة بالجائحة من تخطّي الحدّ الّذي قد تنهار معه أنظمة الرعاية الصحّية. وقد وصل عدد الوفيات بالكورونا في الولايات المتحدة إلى 55,000، وهو عدد مرتفع في فترة لا تتجاوز الشهرين، ولكنّ العدد كان سيكون أكثر بكثير لولا هذه التدابير. ومنذ منتصف آذار / مارس، دعت الجماعات اليمينية المتطرفة إلى العصيان المدني الجماعي بسبب هذه التدابير الصحية العامة. وقد شجع مسؤولو حكومات المدن المنتخبون، وصولا إلى الرئيس ترامب، مؤيديهم على «تحرير» الولايات التي أغلقت فيها معظم المصالح التجارية.
وقد احتفت مجموعة من الجماعات، من النازيين الجدد إلى منظري مؤامرة كيو، بتصريحات الرئيس وحاولت تنظيم احتجاجات مسلحة في ولايات مختلفة. والعجيب أنّ هذه الجماعات ومنصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي ساوت بين تدابير الصحة العامة وما عاناه الأمريكيون من أصول إفريقية أثناء حركات الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين والمحرقة النازية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، من غير التفات إلى المفارقة التي يشتمل عليها هذا الخطاب الذي يروّج له بعض عتاة العنصريّين ومعادي الساميّة، الّذين لا يشعرون بالخجل إذ يساوون بين نضالاتهم ونضالات الأقليات المضطهدة التي تحارب الظلم الواقع عليها. واليوم، تستخدم أكثر من 125 مجموعة تطبيق فيسبوك لتشجيع مقاومة تدابير الصحة العامة فضلا عن تشجيع العنف. ولا يتوقّع أن تنحسر نشاطات هذه الجماعات حتى بعد انحسار الوباء.
وتجد الجماعات المناهضة للدولة وجماعات العنصريين البيض نقطة التقاء مع الجماعات المناهضة للتطعيم، وتجتمع جميعا على وصف تدابير الصحة العامة بالقاسية. وفي الوقت الذي تبذل فيه الدول قصارى جهودها لتطوير لقاحات آمنة وفعالة، تصوّر هذه الجماعات لأتباعها أن الوباء ليس بالسوء الذي يتصورونه، وأن اللقاح مؤامرة يشارك فيها مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس ورجل الأعمال جورج سوروس (المعروف بدعمه للأعمال الخيرية). كما تدعي هذه الجماعات أن جميع القيود المؤقتة على قطاع التجارة والسفر هي مجرد مقدمة لاستيلاء الحكومة الفيدرالية على السلطة، وتطغى على الاحتجاجات والتصريحات المناوئة لتغوّل الدولة مسألة الأسلحة النارية، إذ تصور هذه الجماعات نفسها دائما على أنها ضحية لحكومة تسعى للسيطرة على الأسلحة النارية، وذلك على الرغم من غياب أيّ تدابير حقيقية لمراقبة هذه الأسلحة منذ سنوات. ويظهر المتظاهرون الملثمون مدججين بالسلاح زاعمين أن هذا ليس إلا ممارسة لحقوقهم التي أقرها التعديل الثاني للدستور. وبالنسبة للعديد من المدنيين وضباط الأمن، تعتمد هذه التجمعات المسلحة أساليب تهدف إلى الترهيب الصارخ. وحتى الآن، لم تحدث مواجهات بين المتظاهرين المسلحين وقوات الأمن، ولكن أي خطأ أو رد فعل مبالغا فيه قد يؤدي إلى نتيجة مروعة، وهو السيناريو الذي سيبدو بعد ذلك بمثابة النبوءة الّتي تحقق نفسها بنفسها، كما سيعزّز السردية التي يروّج لها اليمينيون المتطرفون والجماعات المتطرفة من العنصريين البيض والميليشيات المحلية والجماعات المناهضة للدولة.