أوّل الكلام آخرُه:
- حذّر القائد الأعلى للقوّات الأمريكيّة في الشرق الأوسط من أنّ الحضور العسكريّ الأمريكيّ المتزايد في الخليج الفارسيّ ربّما لا يكون كافيًا لردع إيران عن مهاجمة دول الخليج.
- وجاءت تصريحات قائد المنطقة الوسطى الجنرال ماكنزي بعد نشر وكالة الاستخبارات الدفاعيّة تقريرًا يبيّن قدرة إيران المتصاعدة على إبراز قوّتها وتظهيرها على امتداد المنطقة.
- وتؤشّر هذه التقارير والتصريحات العسكريّة الأمريكيّة إلى أنّ سياسة «الضغوط القصوى» الّتي تتّبعها إدارة ترامب لم يكن لها سوى أثرٍ ضئيلٍ في قدرات إيران الإستراتيجيّة.
- ولعلّ من أبرز الجهود الأمريكيّة في هذا الإطار كان السعي لإشراك شركاء متعدّدين في عمليّةٍ لتسيير دوريّاتٍ بحريّةٍ في الخليج الفارسيّ لردع أيّ هجماتٍ إيرانيّةٍ مستقبليّةٍ على الملاحة في هذا الممرّ الحيويّ.
منذ تصاعد التوتّر الأمريكيّ الإيرانيّ في أيّار / مايو الماضي مع فرض إدارة ترامب عقوباتٍ مشدّدةً على صادرات النفط الإيرانيّ، نشرت الولايات المتّحدة 14000 عنصرًا جديدًا من قوّاتها في مرافق مختلفةٍ على امتداد الخليج الفارسيّ، لتنضمّ إلى ما يقارب 60000 عنصرٍ يرابطون في المنطقة بما في ذلك أولئك المرابطون في أفغانستان والعراق. وفضلًا عن ذلك، نُشرت بطّاريّات صواريخ باتريوت جديدةٌ وضُمّت طائراتٌ حربيّةٌ جديدةٌ إلى الأسطول الجويّ المرابط شملت طائراتٌ من طرازي ف-22 وف-35. ولمواجهة الهجمات الإيرانيّة على الملاحة التجاريّة ومنشآت دول الخليج، سعت الولايات المتّحدة لإشراك عددٍ من الشركاء في عمليّةٍ أمنيّةٍ بحريّةٍ سمّيت «مشروع الأمن البحريّ الدوليّ» وأُعلنت رسميًّا في البحرين في أوائل تشرين الثاني / نوفمبر الفائت. وقد انضمّت إلى التحالف حتّى الآن كلٌّ من المملكة العربيّة السعوديّة والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة المتّحدة وأستراليا وألبانيا، وأفادت التقارير أيضًا عن مساهمةٍ استخباراتيّةٍ ورقابيّةٍ من إسرائيل. ويتوقّع بعض المسؤولين الأمريكيّين، بحسب ما أفادت بعض التقارير، مشاركة قطر والكويت قريبًا.
وتحدّث قائد المنطقة الوسطى الجنرال كن ماكنزي علنًا أمام مؤتمر «حوار المنامة» الأمنيّ في البحرين (الّتي استضافت غرفة عمليّات البحريّة الأمريكيّة في الخليج) مقوّمًا جهود الولايات المتّحدة الرامية لردع إيران. وبينما رأى ماكنزي أنّ هذه الجهود قد تردع إيران بالفعل عن مهاجمة الأهداف الأمريكيّة، قال أيضًا: «إنّه من الممكن بمكانٍ أن تهاجم إيران أهدافًا تابعةً لدول الخليج مرّةً أخرى»، مشيرًا بذلك إلى هجماتٍ تشبه تلك الّتي وقعت في الـ 14 من أيلول / سبتمبر الماضي على منشآتٍ نفطيّةٍ سعوديّةٍ. وكانت تلك الهجمة على منشأتين سعوديّتين لمعالجة النفط قد تمكّنت من اختراق الدفاعات الّتي زوّدت الولايات المتّحدة بها السعوديّة، وقلّصت الإنتاج النفطيّ السعوديّ إلى نحو النصف على امتداد ثلاثة أسابيع. وتكمن أهمّيّة تصريحات الجنرال ماكنزي في أنّها تخالف التصريحات المتكرّرة الّتي يدلي بها الرئيس الأمريكيّ وبعض المسؤولين الأمريكيّين المدنيّين والّتي تؤكّد نجاح حملة الضغوط القصوى بأقسى العقوبات الممكنة في إضعاف إيران إستراتيجيًّا. وبالمثل يمكننا القول على نحو الاستشراف إنّ «مشروع الأمن البحريّ الدوليّ» ربّما لا يتمكّن من منع إيران من الهجوم على الملاحة البحريّة في الخليج، وهو الأمر الّذي استخدمته إيران فيما مضى ورقةَ ضغطٍ على الولايات المتّحدة والدول الأوروبيّة لتخفيف الضغوط الاقتصاديّة عليها. ومنذ أواسط تشرين الثاني / نوفمبر واجهت إيران مظاهراتٍ محلّيّةً متعلّقةً بزيادة أسعار الوقود، وعمدت إلى قمعها بالقوّة، ما أسفر عن سقوط ما يقارب مئتي قتيلٍ.
وعزّزت تصريحات ماكنزي نتائج تقريرٍ لوكالة الاستخبارات الدفاعيّة صدر هذه السنة وكُشف عنه في تشرين الثاني / نوفمبر الفائت وتناول قوّة إيران العسكريّة. ويظهر التقرير أنّ إيران، برغم العقوبات الأمريكيّة، تمكّنت من تطوير صواريخ بالستيّةٍ وصواريخ كروز وألغامٍ وطائراتٍ مسيّرةٍ وغير ذلك من أنواع الأسلحة، وأنّها من خلال تزويد حلفائها في الإقليم بمثل هذه الأسلحة قادرةٌ على إبراز سطوتها وتظهير قوّتها على امتداد المنطقة بأسرها. والحقّ أنّ إيران تعتمد على أذرعها القويّة كحزب الله اللبنانيّ وكالميليشيات الشيعيّة في العراق في تحقيق هدفها الإستراتيجيّ الأمنيّ الأهمّ، وهو ردع الخصوم عن الاعتداء على إيران عبر التهديد بإحداث دمارٍ كبيرٍ يصيب المهاجم أو حلفاءه ومصالحه.
ويظهر التقرير خشيةً من أنّ انتهاء مفاعيل القرار الأمميّ بحظر بيع الأسلحة لإيران سنة 2020 قد يسمح لإيران بتعزيز قوّتها التقليديّة عبر شراء طائراتٍ مقاتلةٍ ودبّاباتٍ وغوّاصاتٍ. ويعني هذا أنّ إيران قد تزيد قوّةً إلى قوّتها الإقليميّة المتصاعدة، وهذا ما أقلق صنّاع القرار في الولايات المتّحدة وجعل المسؤولين في إدارة ترامب يدفعون باتّجاه الضغط على روسيا والصين للقبول بتمديد الحظر الأمميّ. غير أنّ النجاح في حمل الصين وروسيا على مثل هذا يبدو بعيد المنال، فكلا البلدين يستفيدان من بيع السلاح لإيران، ولا يشاركان الولايات المتّحدة سياستها العدائيّة لإيران. ولكن، وحتّى لو لم يمدّد الحظر الأمميّ، لا يبدو أنّ إيران قادرةٌ على الاستفادة الكاملة من ذلك في ظلّ مشاكلها الماليّة الحادّة الناشئة عن حملة الضغط الأقصى الّتي تشنّها الولايات المتّحدة. وتظهر ميزانيّة إيران لعام 2020 عجزًا كبيرًا بسبب التقلّص الحادّ في صادرات النفط إلى حدودٍ لم تشهدها البلاد منذ الحرب العراقيّة الإيرانيّة في ثمانينيّات القرن المنصرم. على أنّ التصريحات والتقارير العسكريّة الأمريكيّة تبيّن على نحوٍ واضحٍ أنّ تحديث أنظمة إيران القتاليّة ليس أمرًا جوهريًّا لإستراتيجيّة إيران الإقليميّة، الّتي يظهر نجاحها حتّى الآن.