أوّل الكلام آخرُه:
- كشفت وثائق حكوميّةٌ صينيّةٌ سريّةٌ النقاب عن خبايا حملةٍ واسعةٍ من الاعتداء والاعتقال والترهيب ضدَّ الإيغور والكازاخستانيّين وأقلّياتٍ مسلمةٍ أخرى في مقاطعة شينجيانغ.
- وتعتمد الصين بشكلٍ واسعٍ على التكنولوجيّات الناشئة والذكاء الاصطناعيّ بهدف رصد مواطنيها وتتبّعهم ومراقبتهم.
- لم تُقدِم سوى دولٍ قليلةٍ على الضغط على بكّين الّتي تعتمد على نفوذها الاقتصاديّ لثني الحكومات والهيئات الكبرى عن إبداء آرائها في هذا الخصوص.
- استعارت الحكومة الصينيّة لغة الولايات المتّحدة الأمريكيّة وخطابها في الحرب العالميّة على الإرهاب، لتسويغ سياساتها الخاصّة بمكافحة الإرهاب.
كشفت وثائق حكوميّةٌ صينيّةٌ سريّةٌ سُرّبت مؤخّرًا النقابَ عن خبايا حملةٍ واسعةٍ من الاعتداء والاعتقال والترهيب ضدَّ الإيغور والكازاخستانيّين وأقلّياتٍ مسلمةٍ أخرى في مقاطعة شينجيانغ. وحصلت صحيفة نيو يورك تايمز على هذه الوثائق المسرّبة من أحد قادة الصين، الّذي يأمل، على ما تزعم الصحيفة، أن يُضطرّ الرئيس الصينيّ شي جين بينغ إلى مواجهة هذه المزاعم والتداعيات الناجمة عنها. إلّا أنّ الاعتداءات الّتي تمارسها الصين بحقّ الإيغور كانت على الدوام موضع مدٍّ وجزرٍ حتّى قبل بدء الحديث عن هذه التسريبات. وبالرغم من ذلك، لم تُقدِم سوى دولٍ قليلةٍ على الضغط على بكّين الّتي تعتمد على نفوذها الاقتصاديّ لثني الحكومات والهيئات الكبرى عن إبداء آرائها في هذا الخصوص أو حصر تفاعلها مع القضيّة بتصريحات إدانةٍ خفيفة الوطأة. وهذا تكتيكٌ شائعٌ تلجأ إليه الحكومة الصينيّة، الّتي استندت إلى تفوّقها الاقتصاديّ لإسكات الانتقادات الّتي تطال إجراءاتها في هونغ كونغ ومن أجل دعم مواقفها حيال قضيّة تايوان.
ويحتجز الحزب الشيوعيّ الصينيّ أكثر من مليون شخصٍ ينتمون إلى أقلّيّاتٍ إثنيّةٍ في منشآتٍ تسمّيها الحكومة «معسكراتٍ مهنيّةً» في الشمال الغربي للبلاد، وربّما تجاوز العدد المليونين. أمّا في الحقيقة فهذه سجونٌ أو معسكرات احتجازٍ يُعتقل فيها المواطنون ويبعدون عن عوائلهم بغرض غسل أدمغتهم في محاولةٍ للتأثير على الأقليّات المسلمة لجرّها نحو الثقافة الصينيّة المهيمنة. وتعتمد الصين بشكلٍ واسعٍ على التكنولوجيّات الناشئة والذكاء الاصطناعيّ والدوائر التلفزيونيّة المغلقة المزوّدة ببرامج التعرّف على الوجوه بهدف رصد مواطنيها وتتبّعهم ومراقبتهم. ويُفرض على المقيمين في مقاطعة شينجيانغ حمل بطاقة الهويّة الشخصيّة دائمًا، والخضوع للكشف البيوميتريّ عند مرورهم على نقاط التفتيش الدائمة، فضلًا عن تركيب أجهزة رصدٍ وتعقّبٍ في هواتفهم وسيّاراتهم. وأشارت تقارير صادرةٌ مؤخّرًا بأنّ موظّفين حكوميّين صينيّين أُرسلوا للمبيت في منازل أسرٍ من الإيغور اعتُقل رجالها في المعسكرات المذكورة. وفي بعض الحالات، يُعتقل الوالدان معًا، فيصبح أطفال هذه الأسر بذلك أيتامًا، وينقلون للعيش في مياتم تديرها الدولة.
ومن جهتها أكّدت الحكومة الصينيّة بأنّه من الواجب محاربة التشدّد والوقوف بقوّةٍ في وجه ما أسمته إرهابًا وانعزالًا وتطرّفًا. وفي ربيع عام 2014، قام مسلّحون إيغوريّون بحملةٍ من هجمات الطعن في مقاطعة شينجيانغ أدّت إلى مقتل 31 شخصًا وإصابة 150 آخرين. وتبعًا لهذه الهجمات، وضع الرئيس الصينيّ حيّز التنفيذ النسخة المبكّرة من سياسة «القبضة الحديديّة» في التعامل مع المسألة الإيغوريّة والّتي اتّبعتها الصين لاحقًا، واستعار لغة الولايات المتّحدة الأمريكيّة وخطابها في الحرب العالميّة على الإرهاب. وقد تضمّنت الوثائق الحكوميّة المسرّبة محادثاتٍ جرت داخل الحزب الشيوعيّ الصينيّ. وأظهرت الوثائق أنّ حملة الصين القمعيّة الداخليّة هي حملةٌ ممنهجةٌ تتبع إستراتيجيّةً مدروسةً ومخطّطًا لها منذ زمنٍ بعيدٍ، وأنّها تحظى بغطاءٍ من المسؤولين الرفيعي المستوى في الحزب. غير أنّ أوّل مشروع قانونٍ لمكافحة الإرهاب (وهو الّذي وُضع حيّز التنفيذ في بداية عام 2016) ودور الزعيم الحزبيّ الجديد في مقاطعة شينجيانغ وهو تشين جوانغو أدّيا إلى التسريع في عمليّات القمع والتشدّد في سياسة الأرض المحروقة ضدّ الإيغوريّين جميعًا وذلك خلال صيف عام 2016.
وتستشهد الصين دائمًا بالأحداث الخارجيّة، وتشير باستمرارٍ إلى العلاقة الّتي تربط المسلّحين المحلّيّين بالمنظّمات الإرهابيّة العابرة للحدود الوطنيّة مثل القاعدة، من أجل تسويغ موقفها ممّا تعدّه قضيّةً داخليّةً بحتةً. ولطالما أشارت القيادة الصينيّة إلى الحرب الأهليّة في سوريا وانسحاب القوّات العسكريّة الأمريكيّة من أفغانستان بوصفهما عاملين يحفّزان العمل العسكريّ في صفوف الإيغور في الخارج. وفي حين تُقلّل بكّين من شأن الإرهاب في تواصلها مع مواطنيها أي على الصعيد المحليّ، تستخدم قيادتها هذه المسألة لتستجدي التعاطف على الصعيد الدوليّ. وعمدت الصين إلى ذلك بغرض التعبير عن تهديدٍ مشتركٍ يجمعها بالولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا وفرنسا والمملكة المتّحدة وغيرها من الدول الّتي عانت من اعتداءاتٍ إرهابيّةٍ نظّمها أفرادٌ ومجموعاتٌ متأثّرةٌ بالإيديولوجيّة «السنّيّة» الجهاديّة. ويجب على المجتمع الدوليّ ألّا يسمح بأن تمرّ سلوكيّات الصين في هذا المجال من دون محاسبةٍ جدّيّةٍ. فإنّ اتخاذ محاربة الإرهاب حجّةً تسوّغ قمعَ المعارضة السياسيّة والاعتداء على الأقليّات الشعبيّة لا يُعدّ عملًا غيرَ أخلاقيٍّ فحسب، بل قد يخدم في تأجيج الدعوة إلى التطرّف. في المحصّلة، إنّ سياسة «محاربة الإرهاب» الّتي تعتمدها الصين في مقاطعة شينجيانغ تعدّ انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان من جهةٍ وقد تأتي بنتائج عكسيّةٍ على صعيد القضاء على الإرهاب داخل الحدود الصينيّة وخارجها من جهةٍ أخرى.