أوّل الكلام آخرُه:
- خلال الأسبوع الماضي ، وافقت فرنسا على إرسال فرقاطاتٍ حربيّةٍ إلى شرق البحر الأبيض المتوسّط، وهو قرارٌ رحّبت به اليونان وانتقدته تركيّا.
- أدّت إمكانيّة وجود منجمٍ للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسّط إلى زيادة التوتّرات في المنطقة، من جنوب أوروبا إلى شمال أفريقيا.
- سلّط النزاع من أجل التنقيب عن الطاقة وتراخيص الإنتاج الضوء على العنصر التجاري لهذا الصراع الجيوسياسيّ.
- وقعت ليبيا في دوّامة الجغرافيا السياسيّة للطاقة، لتشكّل أرض المعركة للتدخّل الأجنبيّ والتدخّل العسكريّ الخارجيّ.
خلال الأسبوع الماضي، وافقت فرنسا على إرسال فرقاطاتٍ حربيّةٍ إلى شرق البحر الأبيض المتوسّط، وهو قرارٌ رحّبت به اليونان وانتقدته تركيّا. وقد تعزّزت العلاقات بين باريس وأثينا حول مسألة الحصول على احتياطيّات الطاقة حيث تسعى الدولتان إلى وضع إطارٍ أكثر شمولًا للدفاع الإستراتيجيّ. ومن الممكن أن يُعدّ النشر الفرنسيّ للسفن الحربيّة بكلّ بساطةٍ إشارةً إلى تركيّا الّتي استعرضت قوّتها بإظهار قوّاتها البحريّة الخاصّة في البحر الأبيض المتوسّط. تجد فرنسا وتركيّا نفسيهما على طرفي نقيضٍ في الصراع في ليبيا، وقد انتقد الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون الزعيم التركيّ رجب طيّب أردوغان علنًا بسبب تدخّل أنقرة المتزايد في ليبيا.
وقد أدّت إمكانيّة وجود منجمٍ للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسّط إلى زيادة التوتّرات في المنطقة من جنوب أوروبا إلى شمال أفريقيا حيث اكتُشفت رواسب هائلةٌ من الغاز الطبيعيّ قرب جزيرة قبرص، وهي دولةٌ مقسّمةٌ منذ منتصف السبعينيّات بين أغلبيّةٍ قبرصيّةٍ يونانيّةٍ وأقلّيّةٍ قبرصيّةٍ تركيّةٍ. وقد أحرزت الحكومة القبرصيّة اليونانيّة المعترف بها دوليًّا تقدّمًا فى استكشاف المياه المحيطة لرواسب الطاقة، ممّا استوجب حضور عملاق الطاقة الفرنسىي شركة توتال والوكالة الإيطاليّة للمحروقات إني لمواصلة البحث عن الغاز الطبيعيّ. وقد أدّى اكتشاف رواسب كبيرةٍ من احتياطيّات الهيدروكربونات عام ٢٠٠٩ إلى تفاقم التوتّرات القائمة ولكن الخاملة إلى حدٍّ ما بين بلدان شرق البحر الأبيض المتوسّط. وقد سلّط النزاع من أجل التنقيب عن الطاقة وتراخيص الإنتاج الضوء على العنصر التجاريّ لهذا الصراع الجيوسياسيّ.
يحدّد الاتّفاق بين تركيّا وحكومة الوفاق الوطنيّ الليبيّة حدودًا بحريّةً جديدةً كما يساهم في زيادة الاحتكاك بين اليونان وتركيّا. ويمثّل الاتّفاق المبرم حديثًا مع ليبيا حلقةً واحدةً في سلسلةٍ من المشاحنات التجاريّة والقانونيّة والدبلوماسيّة حول الحدود البحريّة وطرق الإمداد والشحن المحتملة. ومن الملاحظ اصطدام مطالبات تركيا، بموجب الاتّفاق، بالمطالبات القائمة من اليونان وقبرص. وقد أدّى مشروع خطّ أنابيب شرق المتوسّط (إيستميد) إلى تشكيل كتلٍ متعارضةٍ بين اليونان وإسرائيل وقبرص ومصر من جهةٍ، وتركيّا وجمهوريّة شمال قبرص التركيّة (المعترف بها فقط من قبل تركيّا) وحكومة الوفاق الوطني الليبيّة من جهةٍ أخرى، حيث يهدف المشروع إلى توصيل الغاز الإسرائيلي إلى جنوب أوروبا عبر اليونان وقبرص.
وقعت ليبيا في دوّامة الجغرافيا السياسيّة للطاقة، لتشكّل أرض المعركة للتدخّل الأجنبيّ والتدخّل العسكريّ الخارجيّ. حظي زعيم الحرب الليبيّ خليفة حفتر بدعم الإمارات العربيّة المتّحدة وروسيا والمملكة العربيّة السعوديّة ومصر والأردن وفرنسا، على الرغم من ميل قوّاته إلى القتل العشوائيّ وجرائم الحرب. وكان لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة على وجه الخصوص دورٌ خطيرٌ، حيث قامت أبو ظبي بتزويد حفتر والجيش الوطنيّ الليبيّ التابع له بطائراتٍ مسيّرةٍ وطائراتٍ ثابتة الجناحين. فأغرق الإماراتيّون والروس وغيرهم ليبيا بالأسلحة في انتهاكٍ صارخٍ لحظر توريد الأسلحة الّذي فرضته الأمم المتّحدة، الذي أشار إليه البعض بأنّه «بلا أنيابٍ». وشنّ الجيش الوطنيّ الليبيّ حملة الأرض المحروقة للاستيلاء على العاصمة الليبيّة طرابلس، ممّا أدّى إلى مقتل الآلاف، منهم مئات المدنيّين خلال العمليّة، وتدمير البنية التحتيّة في ليبيا، ونزوح مئات الآلاف من المدنيّين. وتواصل تركيّا دعم حكومة الوفاق الوطنيّ المحاصرة من خلال تقديم الدعم العسكريّ والمساعدة في إدارة المرتزقة السوريّين في ساحة المعركة. ومن أهمّ ما يمكن أن يساهم أردوغان في إنجازه، إذا تمكّن، تأخير القتال لفترةٍ كافيةٍ تسمح بالتفاوض على اتّفاقٍ لوقف إطلاق النار أو اتّفاق سلامٍ، مع سعيه، في الوقت نفسه، إلى استغلال موارد الطاقة الليبيّة.