أوّل الكلام آخره:
- كما أنّ إخفاقات القيادة الوطنية الأمريكية تحدّ من قدرة الحكومة الفدرالية على مواجهة تفشي وباء كورونا داخل البلاد، فإنّ إدارة ترامب أخفقت حتى الآن في تأمين الدعم الدولي اللازم لمواجهة الوباء عالميا.
- إنّ امتناع إدارة ترامب عن توظيف موارد منظمة الصحة العالمية، ربّما بسبب فقدان هذه الإدارة للثقة في الهيئات الدولية، ضيّع على الولايات المتحدة وقتا ثمينا كان يمكن أن يستفاد منه في كبح انتشار الوباء.
- وبتبخيس عمل المنظمات الدولية، الّذي ترافق مع الفشل في الدفع نحو أجندات عالمية لمواجهة الكورونا على مستوى مجموعة السبع ومجموعة العشرين والأمم المتحدة، أهدرت الولايات المتحدة فرصا متعددة للقيام بعمل دولي منسق لاجتراح حلول دائمة لأزمة الوباء.
- من المرجح أن تزيد الاتجاهات الانعزالية العميقة للإدارة الأمريكية من صعوبة التوصل إلى حلول دائمة لأزمة صحية يمكن حلها على أفضل وجه من خلال توحيد الجهود.
مع تسارع وتيرة انتشار جائحة كورونا وتحول النظام الدولي إلى عالم متعدد الأقطاب، وضعت قدرة الولايات المتحدة على القيادة في ظل أزمة عالمية موضع شك في جميع أنحاء العالم. ومرة أخرى، عادت إدارة ترامب إلى ميولها الانعزالية التي لطالما تبنّتها، في وقت تبحث فيه بلدان العالم عن حلول بعيدا عن الولايات المتحدة. وعبر التاريخ الحديث، كان للولايات المتحدة التأثير الأكبر على قرارات المؤسسات المتعددة الأطراف، وهي، فضلا عن ذلك، من الأعضاء الخمسة الدائمين من أصل خمسة عشر عضوا في مجلس الأمن، وهي كانت على الدوام المساهم المالي الأول في جميع أنحاء العالم. ولذلك فإن تراجع نفوذ واشنطن العالمي يشكّل جرحا ذاتيا يمكن أن يعزى بشكل جزئي إلى تقليل إدارة ترامب من شأن الهيئات الدولية. وقد أدى تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، إلى جانب موقف الولايات المتحدة العدائي في الاجتماعات الدولية، إلى تفاقم التوترات في جميع أنحاء العالم مع عجز الولايات المتحدة عن ممارسة التاثير اللازم.
ولعل من دلائل عدم ثقة الحكومة الأمريكية بالهيئات الدولية امتناع الولايات المتحدة عن اقتناء الاختبارات التشخيصية لوباء كورونا من منظمة الصحة العالمية ، حيث أكدت إدارة ترامب في بداية الأزمة أنها تفضل اختباراتها التشخيصية الخاصة. وقد تذرّعت الإدارة حينئذ بأن الاختبارات لم تكن دقيقة، ولكنّ الملايين من هذه الاختبارات أرسلت إلى بلدان العالم لزيادة القدرة على التشخيص والتخفيف من الإصابات، ومن المؤكد الآن أن الولايات المتحدة تفتقر إلى البدائل العمليّة. وسواء أكان ذلك بدافع الكبرياء أم كان خطأ سياسيا يجد جذره في المبالغة في تقدير القدرة الإنتاجية الداخلية، فإن قرار الولايات المتحدة بالاعتماد على نفسها في هكذا أمور عرّض صحة الملايين من الأميركيين للخطر. وكان من الممكن أن يؤدي بذل الجهد المضاعف في الفحوص من خلال الاختبار، إلى إبطاء انتشار الوباء الجديد. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الاجتماعات التي عقدت في غرفة العمليات في البيت الأبيض لم تركز بالقدر الكافي على أهمية التشخيص، ويأتي ذلك مع تجاهل الإدارة الأمريكية تحذيرات الأجهزة الاستخباراتية من وباء عالمي يلوح في الأفق في كانون الثاني / يناير ٢٠٢٠.
وكان تراجع نفوذ الولايات المتحدة داخل الهيئات الدولية واضحا الأسبوع الماضي عندما فشلت مجموعة السبع في إصدار بيان هادف بشأن أزمة كورونا. وضغطت الولايات المتحدة، ممثلة بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من أجل بيان يذكر فيه فيروس كورونا باسم «فيروس ووهان». وبسبب إصرار واشنطن، فشلت مجموعة السبع في التوصل إلى بيان توافقي بشأن الوباء وكيفية التصدي له من منظور عالمي. كما أنّ إصرار وزارة الخارجية على تسمية فيروس كورونا باسم «فيروس ووهان» ليس بالأمر المفاجئ، فهو يستعيد إصرارا مماثلا من الرئيس ترامب الذي أطلق بدوره اسم «فيروس الصين» على فيروس كورونا لصرف الانتباه عن نقص كفاءة إدارته في محاربة الوباء. وبدلا من أخذ الدور القيادي على الساحة العالمية وفي المنتديات الكبرى مثل مجموعة السبع، أضاعت الولايات المتحدة أي دعم محتمل، وأصبحت اليوم بؤرة أساسية لانتشار الوباء. وفي أعقاب أسبوع الفشل الذريع لمجموعة السبع، سجلت مجموعة العشرين تصدعات عميقة بين الولايات المتحدة والصين، ولكن النتيجة كانت أفضل قليلا. ولم تكفّ الولايات المتحدة والصين عن توجيه أصابع الاتهام كل منهما إلى الأخرى، في الوقت الذي كثفت فيه بكين جهود الدعاية والتضليل لإلقاء لوم انتشار الوباء على بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. وبعد اجتماع مجموعة العشرين لأهم القوى الاقتصادية في العالم، أصدرت المجموعة بيانا لا يبعث على الحماس، فقد كان كثير الكلام قليل الإنجازات، عاجزا عن تقديم أي أمل أو مساعدة لثمانية مليار نسمة يبحثون عن الراحة في زمن الوباء.
وبصرف النظر عن الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مؤخرا للحصول على ملياري دولار لمساعدة أفقر بلدان العالم، فقد همّشت طلبات الأمم المتحدة خلال جائحة وباء كورونا. فالجمود الذي تعاني منه الأمم المتحدة لا تدرك حدّته إلّا عند تذكّر درجة الحسم الذي قابلت به المنظّمة الهجمات الإرهابية في ١١ أيلول / سبتمبر ٢٠٠١، وهو حدث دولي رئيس آخر هز ضمير العالم كما فعل الوباء. وبعد أحداث ١١ أيلول / سبتمبر، عملت الولايات المتحدة مع نظرائها الدوليين في الأمم المتحدة لتمرير قرارات وأطر متعددة لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حين أن التهديد الذي يشكله وباء كورونا لا يماثل التهديد الذي يشكله الإرهاب، يشير عدم اهتمام الولايات المتحدة بالعمل مع أهم هيئة متعددة الأطراف في العالم إلى نقاط مهمة. إذ سيؤدي الانسحاب الأمريكي من تبوّؤ الأدوار القياديّة في ظل أزمة عالمية كهذه إلى صعوبة حشد التعاون الدولي اللازم لوقف انتشار فيروس قاتل خلّف الآلاف من القتلى وسيودي بحياة كثيرين آخرين.