أوّل الكلام آخرُه:
- اقترح الرئيس التركي أردوغان مؤخّرًا أن تتدخّل أنقرة عسكريًّا في ليبيا إذا طلبت الحكومة في طرابلس ذلك.
- قد يؤدّي التدخّل التركيّ لدعم حكومة الوفاق الوطنيّ إلى وضع أنقرة في خلافٍ مباشرٍ مع روسيا، إذ إنّ موسكو تواصل دعم خليفة حفتر.
- لقد مكّن الدعم الروسيّ ميليشيات حفتر من التقدّم نحو العاصمة، حيث أصبحت الحكومة المعترف بها محاصرةً بشكلٍ متزايدٍ.
- بعد ثمانية أعوامٍ من الحرب الأهليّة والتمرّد، ليبيا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى أطرافٍ خارجيّةٍ ملتزمةٍ بصياغة اتّفاق سلامٍ، وليس إلى إطالة الصراع سعيًا وراء مصالح ضيّقةٍ.
لا شكّ أنّ الحرب القائمة في ليبيا كارثةٌ ولّدت أزمةً إنسانيّةً مستمرّةً على سواحل البحر الأبيض المتوسّط بضفّتيه. فخلال السنوات الثماني الماضية، غرقت البلاد في حربٍ أهليّةٍ بين حكومة الوفاق الوطنيّ المعترف بها دوليًّا والجيش الوطنيّ الليبيّ بقيادة خليفة حفتر وهو جنرالٌ مستبدٌّ ساهمت بعض الأنشطة الإجراميّة في تمويل جيشه. ولحفتر حلفاء أقوياء من ضمنهم الإمارات العربيّة المتّحدة ومصر، وانضمّت روسيا مؤخّرًا إلى القائمة. فضلًا عن ذلك فإنّ فرنسا عرضت دعم حفتر، متناغمةً بذلك مع بعض الأصوات في الغرب المنادية بأنّ ليبيا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى رجلٍ قويٍّ يُحارب المجموعات المتشدّدة العنيفة الناشطة في البلاد ومن ضمنها تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) والقاعدة. وقد أدّى الدعم الروسيّ مؤخّرًا إلى ترجيح كفّة الميزان في الحرب لصالح الجيش الوطنيّ الليبيّ وذلك من خلال مجموعاتٍ من القوّات العسكريّة والمرتزقة تساند جيش حفتر في سعيه إلى السيطرة على العاصمة طرابلس وأخذها من يد حكومة الوفاق الوطنيّ. وفي أواخر تشرين الثاني / نوفمبر وقّع الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان وحكومة الوفاق الوطنيّ وثيقة تفاهمٍ تتناول الحدود البحريّة والتعاون الأمنيّ.
وتغرق ليبيا في السلاح رغم حظر استيراد الأسلحة الّذي فرضته الأمم المتّحدة وهو قرارٌ لا ينفكّ يُنتهك. فقد أشار تقريرٌ صادرٌ عن الأمم المتّحدة في التاسع من كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري أنّ كلًّا من الإمارات العربيّة المتّحدة والأردن وتركيّا هي من أكبر البلدان المنتهكة لهذا القرار حيث يزوّد البلدان العربيّان المذكوران حفتر بالأسلحة في حين تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطنيّ. وقد صدر هذا التقرير قبل أن تدخل موسكو بصورةٍ حاسمةٍ في هذا الصراع حيث تزوّد روسيا قوّات المرتزقة الّذين يدعمون قوّات حفتر بالسلاح والعتاد. ووصف مبعوث الأمم المتّحدة الخاص إلى ليبيا غسّان سلامة التدخّلات الأجنبيّة الخارجيّة بالتهديد الأكبر الّذي يواجه أفق السلام في ليبيا. وقد تبيّن جليًّا أنّ منظّمة الأمم المتّحدة عاجزةٌ عن خلق بيئةٍ مناسبةٍ تسمح بوقف إطلاق نارٍ مستدامٍ إذ لا يزال الصراع مستمرًّا في التفاقم وتصعب السيطرة عليه. على أنّ هذا التقرير الصادر عن الأمم المتّحدة قد يشعل بصيص أملٍ فهو بفضحه الدول المستثمرة في الصراع قد يدفعها لوقف انتهاكها لحظر بيع الأسلحة إلّا أنّ هذا الأمل ضئيلٌ جدًّا. ومن المرجّح أن يستمرّ تصدير الأسلحة والقوّات المرتزقة إلى ليبيا الأمر الّذي سيزيد من حالة غياب الاستقرار الّتي تسود البلاد ممّا سيدعم موقف حفتر ويعطيه فرصًا أكبر في السيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ في البلاد.
وفضلًا عن إعاثة الأطراف المتحاربة الفوضى والفساد في مجتمع ليبيا واقتصادها، ساهمت هذه الأطراف أيضًا في خلق بيئةٍ أدّت إلى تدمير الدولة. وفي هذا الإطار، حاولت أعدادٌ لا حصر لها من اللاجئين اليائسين عبور البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا. وقد مات الآلاف أثناء محاولتهم القيام بهذه الرحلة المليئة بالمخاطر في سفنٍ غير آمنةٍ ومكتظّةٍ بالركّاب، بينما يُعاني الآلاف غيرهم في معسكرات احتجاز اللاجئين الّتي لا تحميهم إلّا قليلًا من أهوال الحرب. فقد أدّت غارةٌ جويّةٌ قامت بها حكومةٌ أجنبيّةٌ على الأغلب على مخيّم تاجوراء للّاجئين في 2 تموز/ يوليو إلى مقتل 54 لاجئًا على الأقل. وحتّى الآن، لم يتحمّل أيّ طرفٍ مسؤوليّة جريمة الحرب هذه. وفي الوقت عينه، نفّذت قوّات حفتر مئات الهجمات بشحنات أسلحةٍ غير قانونيّةٍ استلمتها من جهاتٍ خارجيّةٍ، بما في ذلك طائراتٌ صينيّةٌ بلا طيّارٍ قدّمتها الإمارات العربيّة المتّحدة. وتعهّد أردوغان بإعادة التوازن عبر إرسال طائراتٍ بلا طيّارٍ أيضًا ودبّاباتٍ وقوّاتٍ خاصّةٍ ووحدات كوماندوز لدعم حكومة الوفاق. وقد تحادث الرئيسان التركيّ والروسيّ هاتفيًّا خلال الأسبوع المنصرم حول سوريا وليبيا، ولم يرشح الكثير بعد عن هذه المحادثة.
وردًّا على دعم روسيا لحفتر، والّذي غيّر زخم الأحداث، قالت تركيّا إنّها قد تتدخّل عسكريًّا بالنيابة عن حكومة الوفاق الوطنيّ إذا طلبت طرابلس ذلك. وصرّح الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان مؤخّرًا أنّه «في حال طلبت حكومة الوفاق الوطنيّ من تركيّا التدخّل»، فإنّ الأخيرة «ستقرّر نفسها نوع المبادرة الّتي يتعيّن القيام بها». وأوضح أنّ ذلك يشمل إشراك الجنود الأتراك، وليس الأسلحة التركيّة فحسب. إنّ احتمال القتال في مدن طرابلس بين القوّات الّتي تضمّ مرتزقةً مدعومين من روسيا من جهةٍ والجنود الأتراك من جهةٍ أخرى لم يعد أمرًا مستبعدًا. ومن شأن هذا السيناريو أن يُقدّم ديناميكيّةً جديدةً تمامًا للنزاع، من شأنها أن تزيد من عرقلة أيّ أملٍ في التوصّل إلى اتّفاق سلامٍ في المستقبل المنظور. فكلّما زاد عدد القوى الخارجيّة المشاركة في الحرب الأهليّة لبلدٍ ما، زاد تعقيد الحالة على الأرض، وزاد عدد المدنيّين الّذين يعانون، وزاد أمد الصراع.