أوّل الكلام آخره:
- أفادت التقارير بأنّ فيروس كورونا قد بدأ مؤخّرا بالانتشار في معظم البلدان الأفريقية.
- شهدت عدة بلدان إفريقية تزايدا في عدد الإصابات تزامنا مع سعيها لمكافحة الجماعات الجهادية والمتمرّدة.
- من المتوقع أن يشكّل وباء كورونا ضغطا على الجيوش الإفريقية التي شهدت مؤخّرا زيادة في إصابات الوباء وبعض الهجمات الجهادية الأكثر فتكا.
- وإجمالا، لا يشكّل انتشار وباء كورونا في إفريقيا تحديا صحيا فحسب، بل تحدّيا أمنيّا أيضا لما له من تأثير في جهود مكافحة التمرد في القارة، مما قد يؤدي إلى مزيد من العنف وزعزعة الاستقرار.
على الرغم من تفشي وباء كورونا عالميا، مخلفا الدمار في البلدان والشعوب كافة، إلا أنه لا يزال في مراحله الأولى في القارة الإفريقية. ولعلّ ضعف اتّصال مطارات القارّة بالعالم الخارجيّ كان العامل المساعد الأول الذي ساعد هذه الدول، ولو في بداية الأزمة، على عزلها وتجنيبها التعرض للوباء. وفضلا عن ذلك، يستعد عدد من الدول الإفريقية للوقاية من الوباء بسبب خبرتها التي تراكمت من التجارب السابقة في مكافحة الإيبولا. وكانت الحالات الأولى المبلغ عنها في البلدان الأفريقية لأوروبيين مسافرين من بلدانهم الأصلية إلى إفريقيا، منهم دبلوماسيون، وكذلك لأفارقة في أوروبا عائدين إلى ديارهم. وبدأ هؤلاء بالعودة إلى الوطن بوتيرة أسرع عندما أعلنت عدة دول إفريقية إخضاع أي مسافر قادم من أوروبا لاجراءات الحجر الصحي، وكانت غانا والكاميرون السباقتين في اتخاذ الإجراءات على الرغم من بعض التفلّت في تنفيذها بحذافيرها.
وفي المراحل الأولى، كان العدد الأكبر من مصابي كورونا في البلدان الإفريقية يأتي من الطبقات الاجتماعية- الاقتصادية العليا. ففي نيجيريا، على سبيل المثال، أعلن المرشح الرئاسي لعام ٢٠١٩ عتيق أبو بكر عن إصابة ابنه بفيروس كورونا بعد عودته إلى نيجيريا من المملكة المتحدة. كما أصيب مساعد الرئيس النيجيري لعام ٢٠١٩، محمدو بخاري، بالفيروس بعد عودته إلى نيجيريا من ألمانيا. كما أعلن حاكم ولاية كوجي النيجيرية عن إصابته بالفيروس. وعلى الرغم من فقدان الإحصاءات الدقيقة، فقد سجلت إفريقيا أكثر من عشرة آلاف حالة، على أن المخاوف من أنّ الحالات أكثر بكثير ليست في غير محلّها. وتصنف نيجيريا في الوسط مع تسجيل ٣٢٠ حالة فقط، بينما ارتفعت محصلة الحالات إلى ٢١٧٠ حالة في جنوب إفريقيا. وحققت الكاميرون المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى بـ ٨٢٠ حالة، تليها ساحل العاج بـ 574 حالة مسجّلة. وتبقى المئات، إن لم يكن الآلاف، من الحالات في قيد الكتمان. وبصفة عامة، تسجل بلدان شمال أفريقيا حالات أكثر من دول القارة الأخرى.
وفي الأسابيع الأخيرة، أبلغت مالي والنيجر أيضا عن أول حالات إصابة. وبسبب ضعف البنية التحتية ونقص الرعاية الطبية، لا سيما في المناطق الريفية، ستواجه دولتا مالي والنيجر وغيرهما في منطقة الساحل صعوبات شديدة في علاج المرضى المصابين بالكورونا إذا انتشر الفيروس من دوائر النخبة إلى جميع طبقات المجتمع. وبالنظر إلى الأزمة الأمنية القائمة في منطقة الساحل ونيجيريا منذ فترة، يثير وباء كورونا القلق لعرقلته جهود مكافحة التمرد، إذ وقع عدد من الهجمات الرئيسة في منطقة الساحل ونيجيريا على مدى الأسابيع القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، قتلت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل، عشرات الجنود في هجوم على ثكنات في مالي. وفي شمال شرق نيجيريا، قتل فرع تنظيم داعش في مقاطعة غرب أفريقيا ما يعادل مئة جندي في غونيري بولاية يوبي.
ومؤخرا، قامت جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد التي تعرف عادة باسم بوكو حرام، وهي الجماعة المنافسة لفرعتنظيم داعش في مقاطعة غرب أفريقيا، بقتل ٩٢ جنديا تشاديا وهو أكبر هجوم تشنه الجماعة في تشاد. وتقوم عمليات مكافحة التمرد التي تشرف عليها القوات الفرنسية والإقليمية، بما في ذلك القوات التشادية، باستهداف تنظيم داعش في الصحراء الكبرى بكامل قوتها، ولكن تهديد الفيروس يعرقل هذه الجهود. وانسحبت قوات العمليات الخاصة التابعة للولايات المتحدة من عدة نقاط ساخنة رئيسة في إفريقيا، مما أتاح للمسلحين فرصة الراحة وإعادة التسلح. وقد نجح مقاتلو تنظيم داعش في موزمبيق في احتلال الأراضي في شمال البلاد. ومن المعروف أنّ سيطرة الدول الإفريقية على حدودها ضعيفة للغاية، مما يصعب عمليات مكافحة التمرد. وسيتعين الآن إشراك الجيوش التي تعاني من الضغوط في إفريقيا في جهود الإغاثة، إذ من الممكن أن يفرض الجيش النيجيري قيودا على التجوال للحد من انتشار الوباء. وفضلا عن ذلك، قد يؤثر الوباء في الإنتاجية الاقتصادية، مما سيزيد من استنزاف الموارد في جميع أنحاء القارة. وقد يصل الحال إلى تراجع عدد العميات العسكرية إذا وصل الوباء للجنود في ثكناتهم. وقد ألغى الجيش النيجيري عدة برامج نتيجة الأزمة. وإجمالا، لا يشكّل انتشار وباء كورونا في إفريقيا تحديا صحيا فحسب، بل تحدّيا أمنيّا أيضا لما له من تأثير في جهود مكافحة التمرد في القارة، مما قد يؤدي إلى مزيد من العنف وزعزعة الاستقرار.