أوّل الكلام آخرُه:
- أعلنت المملكة المتّحدة مؤخّرًا عن استعادتها لعدّة أطفالٍ كانوا يعيشون في الأراضي الّتي كان تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) يسيطر عليها.
- لطالما رفضت المملكة المتّحدة عودة مواطنيها الّذين التحقوا بتنظيم داعش وجرّدتهم من جنسيّتهم البريطانيّة.
- إنّ العقبة الأساسيّة بالنسبة للدول الأوروبيّة هي عقبةٌ سياسيّةٌ ليست لوجستيّةً أو قانونيّةً وقد اعتمدت دولٌ أخرى سياساتٍ يُسمح بموجبها بعودة عشرات الأطفال من مناطق النزاع إلى بلدانهم الأمّ.
- يترتّب على المجتمع الدوليّ التزاماتٌ أخلاقيّةٌ تقضي بمنح هؤلاء الأطفال فرصًا للخروج من دائرة التشدّد وهو أمرٌ لا يمكن إنجازه إلّا في حال عودتهم إلى الوطن وتلقّيهم الرعاية اللازمة.
أعلنت المملكة المتّحدة خلال الأسبوع الماضي عن استعادتها لعدّة أطفالٍ تتراوح أعمارهم بين السابعة والعاشرة كانوا يعيشون في سوريا في الأراضي الّتي كانت خاضعةً لتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش). ورفض رئيس الوزراء البريطانيّ بوريس جونسون تصنيف عودة هؤلاء الأطفال سياسةً رسميّةً معتمدةً بل أشار إلى أنّ هذه العمليّة كانت ناجحةً إلّا أنّه لا يجب «المبالغة بالتفاؤل بإمكانيّة التوصّل إلى مثل هذه النتيجة في كلّ حالةٍ». إلّا أنّه من المؤكّد أنّ المملكة المتّحدة تستطيع التعامل مع كلّ حالةٍ بشكلٍ مماثلٍ إذا ما أرادت حكومتها القيام بذلك فعلًا، فالعقبة الأساسيّة هي عقبةٌ سياسيّةٌ بالرغم من أنّ البلدان الأوروبيّة تحتجّ بالتحدّيات اللوجستيّة والقانونيّة الّتي تواجهها في حال قرّرت استعادة الأطفال من سوريا. على أنّ بلدانًا أخرى من ضمنها كوسوفو وكازاخستان قد خطت الخطوة الأولى في هذا الاتّجاه حيث أعادت كوسوفو 70 طفلًا وكازاخستان 350 طفلًا إلى ديارهم.
وكانت المملكة المتّحدة من بين البلدان الأوروبّة الأعلى صوتًا في الاعتراض الحازم على عودة مواطنيها الّذين سافروا سابقًا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى داعش. فقد اعترضت وزيرة الداخليّة البريطانيّة الحاليّة بريتي باتل فضلًا عن وزير الداخليّة البريطانيّ الأسبق ساجد جاويد على عودة المواطنين البريطانيّين من مراكز الاحتجاز في سوريا. وتجدر الإشارة إلى قضيّة شميما بيجوم وهي قضيّةٌ ذاع صيتها في بريطانيا. وبيجوم فتاةٌ من شرق لندن تركت منزلها في الـ 15 من عمرها للالتحاق بداعش. جرّدت الحكومة البريطانيّة بيجوم من جنسيّتها وهي اليوم لا تزال في مراكز الاحتجاز في سوريا حيث تنوي تقديم طلب استئنافٍ للنظر في قضيّتها.
على أنّ في الحكومة البريطانيّة بعض المتحمّسين لتأمين عودة الأطفال ومن بينهم وزير الخارجيّة دومينيك راب الّذي صرّح بلا مواربةٍ بأنّ «هذا ما يجب فعله». ومن جهتها تُفضّل وزارة الداخليّة البريطانيّة أن يُتعامل مع العائدين المحتملين بشكلٍ فرديٍّ عادّةً ذلك أفضل من فتح الأبواب في إطار سياسةٍ عامّةٍ تسمح لهم بالعودة الجماعيّة. وأعرب متشدّدون عن قلقهم من أنّ الأطفال العائدين أيضًا سيشكّلون تهديدًا أمنيًّا على المملكة المتّحدة. وتشير الأرقام بأنّ قرابة 60 طفلًا بريطانيًّا لا يزالون في سوريا.
أمّا بالنسبة للأطفال فكلّما طالت مدّة احتجازهم وتعرّضهم لكافّة أنواع الرعب والعنف كان من الصعب إعادة خرطهم بالمجتمع عند عودتهم المحتملة إلى الوطن. فإنّ الصدمات الّتي عانوا منها خلال «خلافة» داعش المزعومة تتفاقم اليوم بسبب الأوضاع المزرية لمراكز الاحتجاز مثل مخيّم النازحين في الهول الّذي قد ينهار على رؤوس قاطنيه في أيّ وقتٍ. ويرى البعض أنّ مقاتلي داعش لا يستحقّون محاكمةً عادلةً. والحقّ أنّ من الضروريّ عودة المقاتلين الأجانب ومثولهم أمام محاكم بلدانهم الأمّ وذلك بموجب قوانينها بالرغم من أنّ دولًا مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا والمملكة المتّحدة قد تواجه تحدّياتٍ كبرى خلال عمليّة المحاكمة. إلّا أنّ الأطفال، أولئك الّذين أُخذوا إلى العراق وسوريا وأولئك الّذين وُلدوا هناك على حدٍّ سواءٍ، لم يكن لديهم الخيار في هذه المسألة أساسًا. وعلى المجتمع الدوليّ أن يتأكّد من أنّ حكومات البلدان تتحمّل مسؤوليّة هؤلاء الأطفال وتُوفّر لهم فرصًا للخروج من دائرة التشدّد والإرهاب ولشقّ طريقهم وتحوّلهم إلى أعضاءٍ فاعلين في مجتمعاتهم. أمّا تجريدهم من هذه الفرصة فيُعدّ عملًا لا أخلاقيًّا ولن يساهم في أيّ حالٍ من الأحوال في إبقاء هذه المجتمعات آمنةً من أيّ تهديداتٍ مستقبليّةٍ.