أوّل الكلام آخرُه:
- اجتمع قادة دول حلف الناتو الأسبوع الماضي في لندن للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الحلف في ظلّ القلق المتزايد حيال مستقبل الحلف.
- وفي مقابلةٍ مع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون صرّح الأخير متحسّرًا: «ما نشهده اليوم هو الموت السريريّ للناتو».
- ولطالما وُجّهت الانتقادات للناتو من حيث كونه معبّرًا عن زمانٍ مضى، فهو أثرٌ من آثار الحرب الباردة الّتي انقضت، وهو فوق هذا قد فشل في ردع الاعتداءات الروسيّة.
- رفضت تركيا دعم خطّةٍ دفاعيّةٍ تشمل دول البلطيق وبولندا، وابتاعت منظومة صواريخ من طراز إس 400 الروسيّة رغم اعتراض العديد من دول حلف الناتو.
اجتمع قادة دول حلف الناتو الأسبوع الماضي في لندن للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس الحلف في ظلّ القلق المتزايد حيال مستقبل الحلف. وتغطّي سماء هذا الاحتفال سحبٌ سوداء عديدةٌ، فالرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب ما فتئ يتساءل عن جدوى هذا الحلف، وتركيا من جهتها تستمرّ في مغازلة روسيا. وكان الرئيس ترامب قد شكّك مرارًا بقيمة هذا الحلف داعيًا الدول الأعضاء في الناتو إلى زيادة ما تدفعه من «رسومٍ» للعضويّة واصفًا إيّاها بالدول «الراكبة بالمجّان» الّتي لا تقدر على تمويل دفاعها وأمنها الخاصّ. وفي العام الماضي سادت أجواءٌ دراميّةٌ اجتماعات بروكسيل حيث دفعت تصريحات الرئيس ترامب الخشنة العديد من الدول إلى التشكيك في وقوف واشنطن إلى جانبها خلال الأزمات. إلّا أنّه وخلال اليوم الأوّل من اللقاءات الّتي جمعت القادة في لندن، بدا ترامب مدافعًا عن الحلف وأشار إلى أنّ «للناتو غايةً عظيمةً»، واصفًا كلمات الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون الّتي انتقدت بشدّةٍ الحلف بـ«المهينة».
وفي مقابلةٍ مع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون صرّح الأخير متحسّرًا: «ما نشهده اليوم هو الموت السريريّ للناتو». الأمر الّذي أدّى إلى عتبٍ نادرٍ من رئيسة الوزراء الألمانيّة أنجيلا ميركل. ودعمت دولٌ أوروبيّةٌ أخرى أنجيلا ميركل، رغم أنّ الرئيس ماكرون لم يتنصّل من تصريحاته واكتفى بالتوضيح بأنّه يعتقد بأنّ الناتو يحتاج للمزيد من التفاوض حيال إستراتيجيّاته وحيال طبيعة الأعمال الحربيّة الّتي لا تنفكّ تتطوّر مع الزمن بدلًا من الحديث عن تقاسم الأعباء وعجز الموازنة. وأشار ماكرون إلى الاستعداد للتواصل مع موسكو في محاولةٍ لتحسين العلاقة مع روسيا، وهو أمرٌ تخشاه الدول الّتي كانت فيما مضى في فلك الاتّحاد السوفياتّي المنحلّ، وذلك نظرًا لطبيعة العلاقة خلال الحرب الباردة. ولم يتهرّب ماكرون من توجيه النقد لتركيّا «لموقفها الغامض» حيال مقاتلي داعش.
ولطالما وُجّهت الانتقادات للناتو من حيث كونه معبّرًا عن زمانٍ مضى، فهو أثرٌ من آثار الحرب الباردة الّتي انقضت، وهو فوق هذا قد فشل في ردع الاعتداءات الروسيّة، وهو علّة نشأته. إلّا أنّه خلال السنوات القليلة الماضية تضاعفت نفقات الناتو لتصل إلى 130 مليار دولارٍ أمريكيٍّ وذلك بحسب الأمين العام للحلف وهو ينس ستولتنبرغ. وتعمل دول الناتو على مواجهة النشاط الروسيّ في المنطقة الرماديّة (وهي المنطقة الواقعة بين العمل السياسيّ الروتينيّ والحرب المعلنة)، ولا سيّما عبر اكتشاف طرقٍ لمجابهة حملات التضليل الإعلاميّ والبروباغندا الّتي تشنّها روسيا. وقد انقسم الحلف أيضًا حول مسائل عدّةٍ ومنها البركزيت والعلاقات مع الصين، ولا سيّما أنّ الأخيرة تعمل على تطوير علاقاتٍ ثنائيّةٍ متنوّعةٍ من أجل دعم اقتصادها، فيما تبني أيضًا مبادرة الحزام والطريق. ويُتوقّع أن يهيمن الحديث عن التحدّيات الإستراتيجيّة الّتي تطرحها المنافسة مع الصين على محادثات القادة خلال الاجتماعات.
ويحضر الاجتماعات ضيفٌ غير محبوبٍ وهو الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان الّذي قاد بلاده نحو علاقاتٍ وثيقةٍ بروسيا بوتين. وقد رفضت تركيّا دعم الخطّة الدفاعيّة المشتركة مع دول البلطيق وبولندا في حين ألقت أنقرة باللوم على البلدان الغربيّة بسبب عدم دعمها لها في صراعها مع وحدات حماية الشعب الكرديّة في سوريا والّتي تُعدّ أحد أهمّ خصوم تركيا. وفضلًا عن ذلك، ابتاعت تركيّا منظومة صواريخ من طراز إس 400 الروسيّة رغم رفض الولايات المتّحدة الأمريكيّة والعديد من دول حلف الشمال الأطلسيّ لهذه الصفقة. وردًّا على هذه الخطوة أُخرجت تركيّا من برنامج ف-35 الأمر الّذي زاد من حدّة التوتّرات الّتي تشوب العلاقات معها. وتجدر الإشارة إلى أنّ موسكو راهنت بنجاحٍ على أنقرة من أجل تنفيذ أهدافها على المستوى الجيو إستراتيجيّ، أي زيادة الانشقاقات ضمن الناتو ودفع الدول الأوروبيّة والغربيّة إلى تكريس جهودٍ وموارد وطاقاتٍ أكبر في مجال إصلاح هذه التصدّعات في جسد التحالف.