أوّل الكلام آخره:
- أتت زيارة وزير الدّفاع الأميركي لويد أوستن إلى الفلبّين لتترجم الجهود التي تبذلها واشنطن لتعزيز علاقاتها الدّفاعيّة بمانيلا تحضيراً لنزاعٍ عسكريّ محتمل مع الصّين بشأن تايوان.
- تسعى الولايات المتّحدة إلى بناء تحالف من الدّوَل التي تتشارك المبادئ والأفكار ذاتها بهدف تعزيز قدرات الرّدع في شرق آسيا.
- شَهِدَت العلاقات بين الولايات المتّحدة والفلبّين توتّراتٍ في أكثر من مناسبة على خلفيّة التاريخ الاستعماري للأولى، لكنّ الموقف العدائي للصّين في المنطقة ساهم في التّقريب بين مانيلا وواشنطن.
- تُعدّ إمكانيّة استخدام قواعد عسكريّة جديدة مكسباً كبيراً لجهود الرّدع الأميركيّة، لكنّ زيارة وزير الدّفاع الأميركي لويد أوستن إلى الفلبّين أثارت استياء الحكومة الصينيّة التي اتّهمَت واشنطن بزعزعة استقرار المنطقة.
أتت الزّيارة التي قام بها وزير الدّفاع الأميركي لويد أوستن مؤخّراً إلى الفلبّين لتترجم الجهود التي تبذلها واشنطن لمواجهة النّفوذ المتصاعد للصّين في المنطقة وتعزيز علاقاتها الدفاعيّة مع مانيلا تحضيراً لنزاعٍ عسكريّ محتمل مع بيجين بشأن تايوان. ويسعى الجيش الأميركي إلى نشر قوّاته في أربع قواعد عسكريّة إضافيّة على الأراضي الفلبّينيّة ليرتفع العدد الإجمالي إلى تسع، علماً بأنّ القواعد الأهمّ هي تلك المتواجدة في شمال البلاد، وبالتّحديد قبالة قناة باشي الواقعة بين تايوان والفلبّين. وتجدر الإشارة إلى أنّ مقاطعة لوزون في شمال الفلبّين تبعد مسافة 483 كيلومتراً تقريباً عن ميناء كاوشيونغ في جنوب تايوان. ويُضاف التحرّك الأميركي الأخير إلى اتّفاقيّة “أوكوس” بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتّحدة وترتيبات إقليميّة أخرى، مثل الحوار الأمني الرّباعي الذي يهدف لتحقيق الأهداف الاستراتيجيّة نفسها. وتكمن الغاية من تحالف “أوكوس” الذي يضمّ واشنطن، ولندن، وكانبيرا في مساعدة أستراليا على تصنيع غوّاصات نوويّة على امتداد العقدين المقبلَين. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الولايات المتّحدة على تعزيز التّقارب مع اليابان الّتي تستعدّ لإعادة النّظر في عقيدتها العسكريّة، في خطوةٍ تُمثّل خروجاً حادّاً عن سياستها التقليديّة. وتُركِّز الاستراتيجيّة الدفاعيّة الجديدة لطوكيو على الصّين باعتبارها التّهديد الأكبر لليابان، وتدعو إلى زيادة الإنفاق العسكري بشكلٍ كبير وتطوير القدرات الهجوميّة البعيدة المدى.
و تسعى الولايات المتّحدة إلى بناء تحالف من الدّول التي تتشارك المبادئ والأفكار ذاتها بهدف تعزيز قدرات الرّدع في شرق آسيا، بعد أن دقَّ المسؤولون الأميركيّون ناقوس الخطر بشأن الأزمة بين الصّين وتايوان إثر اجتياح روسيا لأوكرانيا. وتندرج صفقة بناء قواعد عسكريّة أميركيّة جديدة في الفلبين ضمن اتّفاقيّة التعاون الدّفاعي المعزّز التي تتضمّن النّشر المُسبَق للمعدّات، وتزويد الطّائرات بالوقود وصيانتها، وغيرها من الوظائف اللوجستيّة الحيويّة التي يؤدّيها الجيش الأميركي. ومن شأن توفير قواعد عسكريّة إضافيّة في الفلبّين أن يسمح للقوّات الأميركيّة والفلبّينيّة بتنظيم تدريباتٍ ومناوراتٍ مشتركة حول المساعدات الإنسانيّة وإغاثة المنكوبين. وتُشير الأرقام الصّادرة عن قيادة منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ في الجيش الأميركي إلى وجود 500 عنصر تقريباً في الفلبّين يتمّ تبديلهم بصورةٍ منتظمة. و يُعد هذا القرار خطوة إضافيّة نحو تنفيذ إدارة بايدن لاستراتيجيّتها في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. فبعد سنوات من التعامل مع رئيس الفلبّين السابق رودريغو دوتيرتي المعروف بتقلّبه، تسعى واشنطن إلى نسج علاقة أعمق مع فيرديناند ماركوس الابن عبر ضمان تعاون أمنيّ أكثر صلابة وبماء شراكة دائمة. علمًا بأنّ دوتيرتي كان قد هدّد واشنطن في مرحلة سابقة بإلغاء اتّفاقيّة القوّات الزائرة التي تؤمّن الإطار القانونيّ لأنشطة الجيش الأمريكي في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، قد يشكّل القرار فرصة سانحة لتعزيز التعاون في مجال الاهتمامات المشتركة مثل مكافحة الإرهاب، خصوصًا وأنّ الشراكة المتجدّدة من شأنها أن تساهم في الحدّ من تبعات المخاوف التي أثارتها منظّمات المجتمع المدنيّ حول انتهاكات حقوق الإنسان والتدابير الصارمة تحت شعار مكافحة الإرهاب.
وبالرغم من التوتّرات المتقطّعة بين الولايات المتّحدة والفلبّين بالنظر إلى الإرث الاستعماري على وجه الخصوص، حيث كانت الفلبّين إقليمًا أمريكيًّا بين عاميّ 1898 و1946، دفعت عدوانيّة الصين المتزايدة في المنطقة مانيلا باتّجاه التقرّب من واشنطن. فطوال العقد المنصرم، سعت الصين إلى إحكام سيطرتها على بحر جنوب الصين عبر التنمّر على الدول الصغرى وبناء الجزر الاصطناعيّة وتعزيز تواجدها في الأراضي الخاضعة لسيطرتها من خلال بناء القواعد العسكريّة المجهّزة بأحدث المعدّات والتكنولوجيّات. وبعد زيارة الرئيسة السابقة لمجلس النوّاب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في شهر آب/أغسطس، أجرت الصين مناورات عسكريّة في بحر جنوب الصين. و في هذا السياق، تبرز أصوات مهمّة في الفلبّين تحذّر من مغبّة أن تجد الفلبّين نفسها عالقة بين قوّتين متنافستين بشكل متزايد هما الولايات المتّحدة والصين، علمًا بأنّ الأخيرة تبقى الشريك التجاري الأوّل للفلبّين.
و بالنسبة إلى الولايات المتّحدة وحلفائها، فإنّ المياه المحيطة بالفلبّين في غاية الأهمّيّة لأنّها تشكّل بيئة حاضنة من الطراز الرفيع للغوّاصات، ما يزيد من أهمّيّة الاتّفاق مع مانيلا. وكانت الفلبّين دولة حليفة في إطار اتّفاقيّة الدفاع المشترك الموقّعة سنة 1951، والّتي حافظت الولايات المتّحدة بموجبها على قاعدتين عسكريّتين أساسيّتين هما قاعدة كلارك الجوّيّة وقاعدة خليج سوبيك البحريّة حتّى مطلع التسعينيّات من القرن الماضي حين أغلقتا على إثر معارضة الحكومة الفلبّينيّة لهما. ويُعتبر الوصول إلى قواعد عسكريّة إضافيّة ركيزةً أساسيّة في جهود الردع الأمريكيّة في شرق وجنوب شرق آسيا. وكما كان متوقّعًا، أغضبت زيارة وزير الدفاع الأمريكيّ لويد أوستن للفلبّين بيجين، فاتّهم مسؤولون في الحكومة الصينيّة واشنطن بزعزعة استقرار المنطقة. غير أنّ الوزير أوستن ردّ بالتشديد على التزام وزارة الدفاع الأمريكيّة الراسخ بدعم تطوير القدرات المتقدّمة للقوّات المسلّحة الفلبّينيّة.