أوّل الكلام آخرُه:
- بعد أقلّ من 24 ساعةً على قتل الولايات المتّحدة الأمريكيّة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرانيّ، صنّفت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة عصائب أهل الحقّ منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً.
- لعصائب أهل الحقّ تاريخٌ طويلٌ في استهداف المصالح الأمريكيّة، ولها روابط قويّةٌ بإيران وعددٍ من حلفائها في المنطقة.
- وبحكم هذا التصنيف الجديد ستخضع المجموعة وقادتها لمجموعةٍ من التدابير الأمريكيّة المضادّة.
- في أحدث موجةٍ من موجات هذا الصراع المتصاعد، أطلقت إيران أكثر من عشرة صواريخ باليستيّةٍ على قاعدتين عسكريّتين تتمركز فيهما القوّات الأمريكيّة والعراقيّة.
صنّفت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة عصائب أهل الحقّ منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً وذلك في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020 بُعَيْد اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ. ولم يحظ هذا التصنيف باهتمامٍ واسعٍ أمريكيًّا وذلك جرّاء الانشغال بمقتل سليماني. إلّا أنّ هذا التصنيف يُعدُّ نوعًا من العقوبات الكبرى. وبه تنضمّ عصائب أهل الحقّ إلى مجموعة الفصائل الّتي سبقتها إليه مثل حزب الله (في لبنان) عام 1997 وكتائب حزب الله (في العراق) عام 2009، وقد صُنّفت جميعًا منظّماتٍ مواليةً لإيران وأدرجت في لائحة المنظّمات الإرهابيّة الأجنبيّة. وفي عام 2019، اتّخذت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة خطواتٍ غير متوقّعةٍ عبر تصنيفها الحرسَ الثوريّ الإيرانيّ (وفيلقَ القدس التابع له) منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً. وصنّفت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة قيس الخزعلي وليث الخزعلي وهما من أبرز قادة عصائب أهل الحق إرهابيّين امتثالًا للقرار التنفيذي 13224. وقبل ذلك بشهرٍ، أخضعت وزارة الخزينة الأمريكيّة الرجلين لمفاعيل القرار التنفيذيّ 13818، وذلك بسبب انخراطهما المزعوم في انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، ومن ذلك سماحهما باستخدام القوّة لِلَجْم المتظاهرين العراقيّين.
ومن وجهة النظر الأمريكيّة، فإنّ عصائب أهل الحقّ لها تاريخٌ حافلٌ بالإرهاب. فهي مجموعةٌ كانت تنضوي في الأصل ضمن جيش المهديّ المدعوم من إيران والتابع لمقتدى الصدر إلى حين انفصالها عن هذا الجيش عام 2006. ووصل نشاط عصائب أهل الحقّ إلى ذروته عندما اتّبعت هذه المجموعة أسلوب حرب العصابات حيث أقدمت على عددٍ من العمليّات من ضمنها اعتداءاتٌ بالذخائر المتفجّرة ضدّ القوى الأمنيّة الأمريكيّة والعراقيّة. وبحسب وزارة الخارجيّة الأمريكيّة فإنّ التنظيم مسؤولٌ عن أكثر من 6000 اعتداءٍ ضدّ القوّات العسكريّة الأمريكيّة وائتلافها المحارب للإرهاب في العراق. وتفيد التقارير بأنّ قيسًا وشقيقه ليثًا الخزعليّ متورّطان في اعتداء كانون الثاني/ يناير عام 2007 الّذي أدّى إلى مقتل خمسة جنودٍ أمريكيّين في كربلاء في العراق. واعتُقل ليثٌ بسبب انخراطه بهذا الاعتداء إلّا أنّه أُطلق سراحه لاحقًا عام 2009 في مبادرةٍ سعت إلى تحسين العلاقات بين عصائب أهل الحقّ والحكومة العراقيّة. واعتقلت قوى الائتلاف قيسًا الخزعلي أيضًا في قضيّةٍ أخرى إلّا أنّه أُطلق سراحه عام 2010. وعصائب أهل الحق تنظيمٌ مدعومٌ ومموّلٌ من الحكومة الإيرانيّة وهو على علاقةٍ وثيقةٍ بسائر حلفاء إيران مثل حزب الله (في لبنان) وكتائب حزب الله (في العراق). ومنذ تصالح التنظيم والحكومة العراقيّة، دخل التنظيم الحياة السياسيّة، وبات لعصائب أهل الحقّ مقاعد في البرلمان العراقيّ منذ عام 2018، من ضمنها مقعدٌ لقيس الخزعلي نفسه وهو قائد عصائب أهل الحقّ. وتحاول عصائب أهل الحقّ أن تنخرط في النظام السياسيّ العراقيّ وذلك على غرار حزب الله الّذي بات منخرطًا في الاجتماع السياسيّ اللبنانيّ بأوجهه كافّةً. وتجهد عصائب أهل الحقّ من أجل استئصال الوجود العسكريّ الأمريكيّ في العراق. وفي هذا الإطار صوّت البرلمان العراقيّ مؤخّرًا على قرارٍ يقضي بخروج القوّات الأمريكيّة من العراق. وكان لعصائب أهل الحقّ دورٌ كبيرٌ في حصار السفارة الأمريكيّة في بغداد الّذي حصل منذ فترةٍ وجيزةٍ.
ولتصنيف عصائب أهل الحقّ منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً ثلاث تبعاتٍ قانونيّةٍ. الأولى تقضي بمنع عصائب أهل الحقّ من الولوج إلى النظام الماليّ الأمريكيّ. والثانيّة أنّ أيّ داعمٍ للعصائب بالمال فردًا كان أم مجموعةً قد يُلاحق جرميًّا. والثالثة منع أيّ منتمٍ إلى عصائب أهل الحقّ من الدخول إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة. ولا شكّ أنّ هذه التبعات مهمّةٌ ويمكن لمسها، غير أنّ الأهمّ على الصعيد المباشر هو أنّ هذا التصنيف سيُسهّل للولايات المتّحدة الأمريكيّة عمليّة استهداف العصائب عسكريًّا. وفي البيان الرسميّ للبنتاغون بخصوص مقتل سليماني يُشدّد المقطع الأوّل على كون فيلق القدس التابع للحرس الثوريّ الإيرانيّ منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً. كما وأشارت بياناتٌ رسميّةٌ أمريكيّةٌ أخرى إلى تصنيف الحرس الثوريّ منظّمةً إرهابيّةً وأنّ سليماني خاضعٌ للقرار التنفيذيّ 13224 وذلك بقرارٍ من وزارة الخزينة الأمريكيّة عام 2007. وبغضّ النظر عن أنّ عصائب أهل الحقّ باتت تُعدّ اليوم أمريكيًّا منظّمةً إرهابيّةً أجنبيّةً فإنّ استهداف الأخوين خزعلي ربّما لن يكون هدفًا معتمدًا على نحو استهداف شخصيّاتٍ بارزةٍ في الحرس الثوريّ الإيرانيّ وكتائب حزب الله نظرًا لموقع عصائب أهل الحقّ في الساحة السياسيّة واستحواذها على مقاعد برلمانيّةٍ في العراق حيث تسعى واشنطن جاهدةً إلى إبقاء حدٍّ أدنى من قوّاتها العسكريّة. وجاء هذا التصنيف ليزيد من التعقيدات المرتبطة بتقديم المساعدات الأمنيّة إلى الحكومة العراقيّة بسبب دور عصائب أهل الحقّ البارز داخل وحدات الحشد الشعبيّ.
وفي وقتٍ مبكّرٍ من صبيحة الثامن من كانون الثاني/ يناير، تداولت وكالات الأنباء خبر إطلاق إيران أكثر من عشرة صواريخ باليستيّةٍ على قواعد في العراق حيث تتمركز قوّاتٌ عراقيّةٌ وأمريكيّةٌ وحليفةٌ. وأُطلقت هذه الصواريخ من الأراضي الإيرانيّة على قاعدتي الأسد وأربيل في عمليّةٍ تهدف إلى الردّ بشكلٍ مباشرٍ على مقتل قاسم سليماني. ولا يبدو أنّ هذا الاعتداء قد أسفر عن إصاباتٍ في الأرواح. وقد أشار مراقبون إلى أنّ الضربات الّتي شنّتها طهران، والّتي تبنّاها الحرس الثوريّ، كانت تهدف إلى تهدئة جمهورٍ محليٍّ يتوق إلى ردٍّ إيرانيٍّ. ومن المحتمل أن يكون هذا الاعتداء بداية الردّ فقط، والّذي سيشمل بالتأكيد موجةً لاحقةً من الهجمات غير المتكافئة باستخدام مجموعةٍ من الجهات الفاعلة الوكيلة وتكتيكات الحرب غير النظاميّة وغير التقليديّة.