أوّل الكلام آخره:
- حذر مسؤولون في كابول من احتمال تسجيل عشرات الملايين من الحالات، بسبب الحدود المشتركة مع إيران، إحدى بؤر الوباء.
- تتعاون حركة طالبان مع مسؤولي وزارة الصحة الأفغانية في توزيع المساعدات وتحذير الأفغان من انتشار الوباء في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين.
- حاولت الحركة استغلال الأزمة لإثبات تحمّلها المسؤولية وقدرتها على توفير الخدمات الأساسية للشعب الأفغاني.
- وفي النهاية، قد تجبر الأزمة حركة طالبان على العمل بجدية أكبر من السابق مع الحكومة الأفغانية، مما يعجل التقارب بين الأطراف المتحاربة في جميع أنحاء البلاد.
حتى مع اقتراب أفغانستان من الكارثة الصحية التي تلوح في الأفق وهي تحارب انتشار الوباء، لم يتوقف القتال بين طالبان والحكومة الأفغانية في بعض أنحاء البلاد. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن عدد حالات الوباء المؤكدة يقترب من ٨٠٠ حالة. ولا يتصف هذا العدد بالدقة، نظرا إلى مرافق الفحص البدائية المتاحة التي دمرتها الحرب. ومع حدود تمتدّ لأكثر من ٩٠٠ كيلومتر بين أفغانستان وإيران، وهي إحدى بؤر الوباء، حذر مسؤولون في كابول من أن الحالات الإجمالية في أفغانستان قد تصل إلى عشرات الملايين، أي ما يعادل ثلثي السكان. وإذا تفكك اتفاق السلام المتفاوض عليه بين الولايات المتحدة وطالبان أو فشل الحوار بين الأفغان، قد تغوص أفغانستان مرة أخرى في حرب أهلية تترك آثارا مدمرة على الشعب وقدرته على التصدي لانتشار الوباء.
ووسط هذه التوقعات المروعة، يعد التطور الإيجابي الوحيد حتى اليوم هو تعاون طالبان والحكومة على توزيع المساعدات وتحذير الأفغان من انتشار الوباء في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين. وقال سلطان شاهين، المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان، إن «الإمارة الإسلامية، من خلال هيئة الصحة التابعة لها، تؤكد استعدادها للتعاون مع جميع المنظمات الصحية الدولية ومنظمة الصحة العالمية والتنسيق معها في مكافحة الوباء». وحتى أيلول / سبتمبر ٢٠١٩، منعت حركة طالبان المنظمات، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، من العمل في المناطق التي كانت تسيطر عليها. وأشار وحيد الله مايار، المتحدث باسم وزارة الصحة الأفغانية، لعدد من وسائل الإعلام، أن حركة طالبان تنسق جهودها مع جهود وزارة الصحة وتدعمها للحد من انتشار الوباء. وفي ٢٦ آذار / مارس، وزعت حركة طالبان منشورات لمطالبة الناس بفحص أنفسهم والاتصال بأقرب مركز صحي حكومي إذا شعروا بأي عارض صحي مقترن بالمرض.
وفي دلائل أخرى على أن حركة طالبان تتفهم مدى خطورة الوباء، أبدت استعدادها لتعليق الصلاة في المساجد. وفي حين شجع زبيب الله مجاهد مقاتليه على مساعدة العاملين في مجال الرعاية الصحية، أشار إلى أنه سيقوم باستشارة علماء الدين حول الاحتفالات والتقاليد الدينية التي ينبغي تعليقها مؤقتا. وقد شكل التفكير العملي لطالبان ومرونته مفاجأة للأغلبية، بعد أن ارتبط اسم الحركة بالمنهج الإيديولوجي المتشدد. والتفسير الأكثر منطقية لهذا التغير هو شعور الحركة بالقلق إزاء انتشار الوباء في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فحاولت استغلال الأزمة لإثبات تحمّلها المسؤولية وقدرتها على توفير الخدمات الأساسية للشعب الأفغاني. وفي سعيها لاكتساب شرعية سياسية على نطاق أوسع، تسلط الحركة الضوء على قدرتها على تنظيم إدارة الشؤون العامة والأشغال المدنية، مما يثبت جهوزيتها لتشكل كيانا فعالا في الحكومة الأفغانية المقبلة. وقد صدرت جميع بيانات طالبان وتحذيراتها مختومة باسم «لجنة الصحة في الإمارة الإسلامية»، في محاولة أخرى لتأكيد أن للحركة نظما إدارية تعمل بمسؤولية.
وعلى الرغم من اعتقاد بعض أعضاء طالبان وغيرها من الجماعات السنية المتطرفة أن انتشار الوباء دليل على الغضب الرباني على الغرب المنحل، إلا أن الحركة، مارست ضبط النفس في خطابها على المستوى التنظيمي. وفي حين دعا تنظيم داعش مقاتليه علنا إلى استغلال الأزمة فرصة، اعتمدت حركة طالبان نهجا مختلفا. وقد ركزت الحركة اهتمامها إلى حد كبير على توفير المعلومات عن المرض للمجتمعات المحلية الخاضعة لسيطرتها ومساعدة العاملين في المجال الصحي الحكومي الأفغاني والمنظمات الصحية الدولية على مكافحة الوباء. وعلاوة على ذلك، تعمل حركة طالبان من أجل الإفراج الفوري عن أعضائها المسجونين حاليا، من خلال استخدام الوباء وسيلة ضغط. وفي النهاية، قد تجبر الأزمة حركة طالبان على العمل بجدية أكبر من السابق مع الحكومة الأفغانية، مما يعجل التقارب بين الأطراف المتحاربة في جميع أنحاء البلاد. وإذا استمر التنسيق على حاله، فقد يكون تدبيرا لبناء الثقة في الوقت الذي تعمل فيه مختلف الفصائل على صياغة اتفاق لتقاسم السلطة في أفغانستان، وهو أمر كان بعيد المنال قبل بضعة أشهر بحسب بعض المراقبين.