أوّل الكلام آخره:
- تستمر العلاقة بين الولايات المتّحدة والصين في التدهور بسبب تداعيات وباء كورونا (كوفيد-١٩) على الجغرافيا السياسية والاقتصاد والمجتمع.
- ينشر الدبلوماسيّون الصينيّون نظريّات المؤامرة والشائعات الكاذبة والمعلومات المضلّلة المتعمّدة عن مسؤوليّة الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى عن الانتشار الأولي للفيروس.
- تعمل آلة الدعاية الصينيّة بلا كلل للسيطرة على السرديّة المعتمدة لئلا يقع شيء من اللوم على الصين، ولإظهار البلاد بصورة البطل الذي يسعى لمساعدة الدول الأخرى التي تكافح الوباء.
- تحاول الصين إظهار استجابتها للتحدي الذي يمثله وباء كورونا بوصفها انتصارا لنموذج الحكومة الاستبدادي لديها، في مقابل إخفاقات الديمقراطيات الغربية في وقف انتشار الفيروس.
تستمر العلاقة بين الولايات المتّحدة والصين في التدهور بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-١٩) على الجغرافيا السياسية والاقتصاد والمجتمع. وكانت الحكومة الصينية قد أعلنت يوم الثلاثاء أنها ستتحرك لطرد جميع الصحفيّين الأمريكيين العاملين في صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال. وقد صدرت الأوامر للصحفيين بالاتصال بإدارة الإعلام الصينيّة بوزارة الخارجية وإعادة أوراق اعتمادهم الصحفية إلى الحكومة. إنّ طرد الصحفيين الأميركيين من الصين ليس فعلا قصير النظر فحسب، بل يعدّ فعلا خطيرا. فمن شأن الافتقار إلى الشفافية المحيطة بالمسائل المتعلّقة بفيروس كورونا (كوفيد-١٩) أن يزيد الوضع سوءا في الصين، وبالتالي في جميع أنحاء شرق آسيا وخارجها. ولعدة أشهر، حاول الحزب الشيوعي الصيني التقليل من خطورة الوباء وقمع أي معلومات سلبية حول انتشار الفيروس.
وقد اعتمد المسؤولون في إدارة ترامب، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، على التوالي، وصف فيروس كورونا بـ «الفيروس الصيني» و«فيروس ووهان». وناشد مسؤولو الصحة العالميون قادة العالم بالامتناع عن ربط المرض باسم دولة معينة أو مجموعة عرقية معينة، ويعزى ذلك إلى المخاوف من ارتفاع حاد في جرائم الكراهية في جميع أنحاء العالم ضد الآسيويين. وفي الوقت نفسه، ينشر الدبلوماسيّون الصينيّون نظريات المؤامرة والشائعات الكاذبة والمعلومات المضلّلة المتعمدة عن مسؤوليّة الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى عن الانتشار الأولي للفيروس. وكانت إحدى حملات التضليل الأولية التي استخدمها الحزب الشيوعي الصيني هي «حملات صرف الانتباه»، فقد نشرت المنافذ المملوكة للدولة مثل الدوائر التلفزيونية المغلقة روايات لتقليل خطر فيروس كورونا من خلال مقارنتها بـ «الإنفلونزا الأمريكية» الأكثر فتكا. وقد انتشرت هذه الحملة بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي مع هاشتاغات مثل FluBreaksOutinUSA# تتصدر منصة وسائل التواصل الاجتماعي الصينية منذ ٩ كانون الثاني / يناير. وبحلول ٢٧ من الشهر نفسه، حقّق الهاشتاغ أكثر من ٤٧١ مليون مشاهدة. وشملت المشاركات لقطات من صفحة الويب الخاصة بالمركز الأميركي لمكافحة الأمراض مع ترجمات صينية تشرح الخريطة والأرقام مصحوبة ببيانات مثل «هذه هي الإنفلونزا الأكثر فتكا في السنوات الأربعين الماضية». كما لجأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جاو لي جيان إلى تويتر لإبلاغ متابعيه الذين يزيد عددهم عن ٣٠٠ ألف شخص بأنه «من الممكن أن يكون الجيش الأمريكي هو السبب في انتقال الوباء إلى ووهان»، وأعقب ذلك مطالبا بأن تقدم واشنطن تفسيرا إلى بكين.
تعمل آلة الدعاية الصينيّة بلا كلل للسيطرة على السرديّة المعتمدة لئلا يقع شيء من اللوم على الصين، ولإظهار البلاد بصورة البطل الذي يسعى لمساعدة الدول الأخرى التي تكافح الوباء، بما في ذلك إيطاليا. وقد انتشر شريط فيديو مزيف مؤخرا مصدره متحدث باسم جمهورية الصين الشعبية، يظهر فيه مواطنون إيطاليون يصفقون للنشيد الوطني الصيني بينما يقدمون الشكر لمساهمات الصين ومساعداتها لمكافحة فيروس كورونا في إيطاليا. وعلى الصعيد المحلي، كثفت ما يسمى بـ «شرطة الإنترنت» في الصين عمليات الرقابة واحتجزت السلطات المواطنين لانتقادهم رد فعل الحزب الشيوعي الصيني على وباء كورونا. كما أبلغ عن فقدان الملياردير الصيني رين تشىي تسيانغ بعد أن كتب مقالا يلقي فيه باللوم على حكومة الزعيم الصيني شي جين بينغ لتستّرها على الفيروس، فضلا عن محاولاتها لتعزيز نجاحها المزعوم في كيفية استجابة الحزب الشيوعي الصيني.
ويأتي تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في أعقاب نزاع تجاري طويل ومرير أدى إلى تأجيج الاتجاهات الشعبوية والقومية في كلا البلدين. وتحاول الصين اليوم إظهار استجابتها للتحدي الذي يمثله وباء كورونا بوصفها انتصارا لنموذج الحكومة الاستبدادي لديها، في مقابل إخفاقات الديمقراطيات الغربية في وقف انتشار الفيروس، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد قارنت وسائل إعلام الحكومة الصينية بحدة بين استجابة الصين واستجابة الولايات المتحدة، حيث أشارت صحيفة الشعب، وهي وسيلة إعلامية يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني، إلى أن «الصين قادرة على تجميع الخيال والشجاعة اللازمين للتعامل مع الفيروس، في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة». ورغم أن النمط الاستبدادي للحكومة في الصين هو الذي أسهم في الانتشار الأولي للفيروس، حيث قمع المعلومات وتجذر الافتقار الداخلي إلى الشفافية، إلا أن الحزب الشيوعي الصيني يحاول الآن إظهار أن قبضته الحديدية هي الحل. ويحدث هذا حتى في الوقت الذي تصدت فيه ديمقراطيات مثل تايوان وكوريا الجنوبية بفعالية لانتشار فيروس كورونا (كوفيد-١٩). وكلما استمرت الولايات المتحدة في التخبط في استجابتها، زادت قوّة سردية بكين، في ظل تنازع أقوى دولتين في العالم للسيطرة على السردية، إلى جانب عملهما في الوقت نفسه على التخفيف من العواقب الكارثية لوباء كورونا.