أوّل الكلام آخرُه:
- إنّ خضوع كلّ قطاعات الاقتصاد المدنيّ الإيرانيّ حاليًّا إلى عقوباتٍ ثانويّةٍ من الولايات المتّحدة، يقلّل من أهمّيّةالعقوبات الإضافيّة تدريجيًّا.
- إنّ معظم الأضرار الاقتصاديّة الّتي تؤثّر في الاقتصاد الإيرانيّ هي نتاج تشديد العقوبات الأمريكيّة على صادرات إيران النفطيّة المفروضة في أيّار /مايو ٢٠١٩.
- إنّ التدفّق المستمرّ لتصنيفات العقوبات الأمريكيّة هو في معظمه رمزيٌّ، ويستهدف الإيرانيّين والشركات ذات الحضور المحدود في النظام الماليّ الدوليّ.
- إنّ اعتماد الولايات المتحدة ما أسمته «آليّةً إنسانيّةً» لتصدير الأدوية إلى إيران يعكس الانتقادات الدوليّة لحملة الضغط القصوى الأمريكيّة على طهران.
تواصل إدارة ترامب فرض عقوباتٍ أمريكيّةٍ جديدةٍ جزءًا من حملة «الضغط القصوى» على ذلك البلد. تهدف الحملة إلى إضعاف الاقتصاد الإيرانيّ بشدّةٍ تدفع النظام للاستسلام والخضوع لقائمةٍ شاملةٍ من مطالب واشنطن الّتي تشمل إنهاء الجهود الرامية إلى بسط نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة. وممّا لا شكّ فيه، أنّ حملة الإدارة الأمريكيّة أضعفت الاقتصاد الإيرانيّ، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدوليّ إلى انكماش الاقتصاد الإيرانيّ بنحو ١٠ % في السنة المنتهية في أواخر آذار/ مارس ٢٠٢٠. ويعود الجزء الأكبر من هذا التأثير إلى إلغاء إدارة ترامب في أيّار/مايو ٢٠١٩ الإعفاءات من العقوبات الأمريكية على مشتري النفط الإيرانيّ، ممّا سبّب انخفاض صادرات النفط الإيرانيّ بشكلٍ كبيرٍ من حوالي ١,٢ مليون برميل يوميًّا (أي ما يقارب نصف الصادرات النفطيّة لإيران في الأوضاع الطبيعيّة، والّتي تبلغ ٢,٥مليون برميلٍ يوميًّا في غياب العقوبات)، إلى المستوى الحالي البالغ نحو ٢٥٠ألف برميلٍ يوميًّا، يباع أكثر من نصفها إلى الصين.
في أعقاب الهجوم الإيرانيّ على البنية التحتيّة الحيويّة في السعوديّة في أيلول/سبتمبر ٢٠١٩، تعهّد الرئيس ترامب بزيادة العقوبات المفروضة على إيران بشكلٍ كبيرٍ، بديلًا عن الردّ العسكريّ على ذلك الهجوم. ومع ذلك، فمن الواضح أنّه لم يعد أمام الولايات المتّحدة سوى عددٍ قليلٍ، إن وُجد، من الجزاءات الجديدة الّتي يمكن أن تُفرض، ويكون لها تأثيرٌ مادّيٌّ يتجاوز تلك الجزاءات المعمول بها. منذ عام ٢٠١٩ وحتى عام ٢٠٢٠، اتّخذت الإدارة الأمريكيّة خطواتٍ تمثّلت إلى حدٍّ كبيرٍ في فرض عقوباتٍ على الشبكات الماليّة غير المشروعة وسماسرة الطاقة الصغار، والمسؤولين الإيرانييّن رفيعي المستوى، ومختلف الصناعات الإيرانيّة الّتي تصدّر بشكلٍ رئيسٍ إلى الدول المجاورة لإيران. وعلى سبيل المثال، فرضت الإدارة الأمريكيّة عقوباتٍ على وزير الخارجيّة محمّد جواد ظريف، وفي كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠، على الأمين العامّ للمجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ علي شمخاني. ولا يمتلك هؤلاء الأفراد، والعديد من الشركات الّتي فرضت عليها عقوباتٌ مؤخّرًا، أصولًا في الولايات المتّحدة ولا يسجّل لهم أيّ انتسابٍ في النظام الماليّ الدوليّ. كما أنّ القطاعات الاقتصاديّة الإضافيّة الّتي فُرضت عليها عقوباتٌ في كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠، بما فيها صناعات التعدين والمنسوجات والبناء، تعمل، بشكلٍ رئيسٍ، في البلدان المجاورة لإيران، ولا تتعامل مع البنوك الدوليّة ولا تستخدم في معاملاتها العملة الصعبة. وعلى هذا النحو، سيكون للعقوبات الأمريكيّة المفروضة مؤخّرًا تأثيرٌ إضافيٌّ ضئيلٌ في الاقتصاد الإيرانيّ أو في الأفراد المستهدفين بالعقوبات.
ومن الواضح أنّ بعض العقوبات الأخرى المفروضة تمثّل محاولةً من الإدارة الأمريكيّة لدعم الإيرانيّين المحتجّين ضد النظام دعمًا بسيطًا. فعلى سبيل المثال، فرضت الإدارة الأمريكيّة في الأشهر الأخيرة عقوباتٍ على سجنين إيرانيّين وعلى ممثّلٍ للادّعاء العامّ على خلفيّة ما عدّته انتهاكاتٍ صارخةً لحقوق الإنسان. ولا تؤثّر هذه العقوبات في الاقتصاد الإيرانيّ، ولكنّها تدعم وجهة النظر القائلة بأنّ الهدف النهائيّ للإدارة الأمريكيّة هو تحقيق انهيار النظام الإيراني، بدلًا من تغيير سلوك إيران بطرقٍ مواتيةٍ للمصالح الأمريكيّة.
وقد أدّت إحدى العقوبات المعيّنة الّتي فُرضت أواخر عام ٢٠١٩ إلى نتائج عكسيّةٍ ضدّ الإدارة في أيلول/ سبتمبر ٢٠١٩. فقد صنّفت الإدارة الأمريكيّة البنك المركزيّ الإيرانيّ كيانًا إرهابيًّا، فزادت بذلك قائمةً جديدةً من العقوبات عليه إلى العقوبات المعمول بها على البنك. فحدّ هذا التصنيف الأخير من قدرة إيران على استخدام الأصول في حسابات البنك المركزيّ في الخارج لشراء السلع الإنسانيّة (من غذاءٍ ودواءٍ) الّتي تعدّ موادّ معفاةً بشكلٍ عامٍّ من أيّ عقوباتٍ. وقد أثار هذا التصنيف موجةً من الغضب بين منظّمات الإغاثة الإنسانيّة على قاعدة أنّ العقوبات الأمريكيّة تسبّب معاناةً مفرطةً وغير ضروريّةٍ بين الشعب الإيرانيّ. وفي تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩، دفعت هذه الانتقادات الإدارة الأمريكيّة إلى الإعلان عن «آليّةٍ إنسانيّةٍ جديدةٍ» من شأنها تسهيل الموافقة على صفقات الغذاء والدواء إلى إيران. كما أعلنت الإدارة في أواخر كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠، عن اكتمال المعاملات الأولى في إطار الآليّة. وبذلك، لم تستكمل إيران أيّ صفقةٍ من خلال الآليّة الأخرى الّتي كانت قد أطلقتها دول الاتّحاد الأوروبيّ عام ٢٠١٨، بسبب خوف المشاركين من فرض عقوباتٍ أمريكيّةٍ. وفضلًا عن ازدياد موجة الانتقادات الدوليّة للسياسة الأمريكيّة تجاه إيران، لم تنجح الإستراتيجيّة الأمريكيّة بجعل النظام الإيرانيّ يقترب من الانهيار أو من التنازل أمام سلسلة المطالب الأمريكيّة.