أوّل الكلام آخرُه:
- تدخّلت تركيّا في الحرب الأهليّة الليبيّة المدمّرة لدعم حكومة الوفاق الوطنيّ الّتي يشتدّ الخناق عليها.
- يبدو أنّ المبادرة الروسيّة التركيّة الأخيرة قد أسفرت عن وقفٍ مشروطٍ لإطلاق النار، رغم أنّه لا يزال يتعيّن علينا أن نرى مدى استمرار وقف الأعمال العدائيّة، خاصّةً بالنظر إلى مستوى التدخّل الخارجيّ.
- يهدف تدخّل أنقرة في ليبيا إلى توسيع نفوذها في المنطقة وتوطيد تحكّمها بموارد الطاقة في شرق البحر المتوسّط وجنوبه.
- أصبح النفط والغاز الطبيعيّ السلعتين الأساسيّتين الجديدتين في النزاع، حيث تسعى البلدان إلى السيطرة على موارد الطاقة ومنع خصومها في الوقت عينه من الوصول إلى هذه الموارد.
تحرّكت تركيّا بقوّةٍ للتدخّل في الحرب الأهليّة الليبيّة المدمّرة. وتدعم أنقرة حكومة الوفاق الوطنيّ الّتي تعترف بها الأمم المتّحدة في محاولةٍ لمساعدتها إذ اشتدّ الخناق عليها أكثر فأكثر. غير أنّ نشر القوّات التركيّة في ليبيا بعيدٌ كلّ البعد عن أن يكون عملًا «خيريًّا». فالرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان يسعى إلى توسيع نفوذه في ليبيا وتوطيد مصالح تركيا في منطقة البحر المتوسّط. وعلى رأس هذه المصالح أمن الطاقة واحتمال اكتشاف حقولٍ من النفط والغاز في البحر. ووقّعت تركيّا مؤخّرًا اتّفاقًا مع حكومة الوفاق الوطنيّ لإنشاء منطقةٍ اقتصاديّةٍ حصريّةٍ في شرق البحر الأبيض وجنوبه حيث تتنافس أنقرة على الموارد مع لاعبين إقليميّين آخرين، من ضمنهم اليونان وقبرص وإسرائيل. وتتزايد المخاوف بشأن التدخّل التركيّ الّذي تعارضه الأمم المتّحدة، فضلًا عن روسيا ومصر والمملكة العربيّة السعوديّة. ونشرت القوّات التركيّة عديدها لتقديم الدعم العسكريّ المباشر إلى حكومة الوفاق الوطنيّ، الّتي تقع تحت حصار ما يدعى بالجيش الوطنيّ الليبيّ بقيادة الجنرال السابق بالجيش الليبيّ خليفة حفتر، والّذي يتقدّم مجهّزًا ومدعومًا من دولٍ أخرى كروسيا في العاصمة طرابلس على حكومة الوفاق الوطنيّ الّتي تصارع من أجل البقاء. وقد تجاهلت روسيا وحلفاؤها بشكلٍ صارخٍ الحظر الدوليّ المفروض على الأسلحة وقدّموا أسلحةً ثقيلةً وطائراتٍ مسيّرةً ومرتزقةً مسلّحين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ حجم القوّات العسكريّة التركيّة في ليبيا ضئيلٌ وأنّ أنقرة تواجه تحدّياتٍ لوجستيّةً كبرى في سبيل دعم مهمّةٍ من طبيعةٍ استطلاعيّةٍ بعيدًا عن تركيّا. ومن المرجّح أن يكون نطاق المهمّة ضيّقًا. وقد يستخدم أردوغان هذا التدخّل ورقة ضغطٍ لحثّ المجتمع الدوليّ على تسريع جهوده للتوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ عبر المفاوضات. وقد أسفر النزاع في محيط طرابلس عن مقتل المئات وتهجير أكثر من 140000 مدنيٍّ، في حين تستمر المستشفيات والمدارس في إغلاق أبوابها. وسوف تكون القوّات التركيّة في احتكاكٍ مباشرٍ مع قوّات حفتر ومن المحتمل أيضًا أن تصطدم بالقوّات الروسيّة من فرقة فاغنر الأمر الّذي سوف يسيء إلى علاقة أنقرة وموسكو. وهذا الاحتمال يبقى واردًا رغم تحسّن العلاقات بين تركيا وروسيا خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الّذي شمل التعاون في قضايا الأمن والسياسة الخارجيّة. وكانت تركيا قد طلبت مشورة روسيا حول قضايا أمنيّةٍ دوليّةٍ كبرى الأمر الّذي أثار استياء الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلف الناتو.
والتقى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين مع أردوغان في إسطنبول في التاسع من كانون الثاني/ يناير لمناقشة النزاعات في ليبيا وسوريا وكذلك التطوّرات الجارية المتعلّقة بأمن الطاقة. ودعا الزعيمان إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين المدعومين منهما في منتصف ليل 12 كانون الثاني/ يناير. وتشير التقارير الأوّليّة إلى أنّ المبادرة الروسيّة التركية قد أسفرت بالفعل عن وقفٍ مشروطٍ لإطلاق النار. وسيبقى معظم التركيز على طرابلس الّتي وقعت تحت حصار قوّات حفتر منذ نيسان/ أبريل من عام 2019. وحتّى مع دعم فرنسا ومصر والإمارات العربيّة المتّحدة وروسيا وأعدادٍ من المرتزقة لم تتمكّن قوات حفتر من الاستيلاء على العاصمة طرابلس من حكومة الوفاق الوطنيّ. ولكنّ تلك القوّات تمكّنت مؤخّرًا من السيطرة على سِرْت، الّتي كانت معقلًا لداعش قبل عدّة سنواتٍ فقط. وعزّزت روسيا وتركيا دوريهما بوصفهما اللاعبين الأساسيّين في هذا الصراع، تمامًا كما فعلا في سوريا. وراوحت جهود الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ والأطراف الخارجيّة الأخرى للضغط من أجل إنهاء النزاع مكانها. وتلعب الولايات المتّحدة من جانبها دورًا بسيطًا، حيث لم يكن لها نفوذٌ حقيقيٌّ في ليبيا بعد الإطاحة بمعمّر القذافيّ.
وتأمل تركيّا في توسيع نفوذها وتوطيده في حوض البحر الأبيض المتوسّط في محاولةٍ لتأمين الوصول إلى موارد الطاقة الحيويّة. وتخوض أنقرة حاليًّا نزاعًا مع الاتّحاد الأوروبيّ وآخرين بشأن مطالبتها بحقلٍ للغاز الطبيعيّ بالقرب من قبرص. ولذلك أرسلت تركيّا سفنًا حربيّةً إلى المنطقة ولا تزال حسّاسةً اتّجاه أيّ انتقاداتٍ توجّه لتحرّكاتها في البحر المتوسّط. في المقابل، سيسعى اتّحادٌ مكوّنٌ من اليونان وقبرص وإسرائيل إلى نقل الغاز الطبيعيّ من الحقول البحريّة في البحر الأبيض المتوسّط إلى أوروبا، ممّا سيقلّل اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعيّ من روسيا، الّتي توفّر حاليًّا حوالي 40 بالمئة من واردات الغاز الطبيعيّ الأوروبيّة. وهذه الإمدادات الروسيّة تمرّ إلى أوروبا عبر تركيّا. وقد أصبح النفط والغاز الطبيعيّ السلعتين الأساسيّتين الجديدتين في النزاع، حيث تسعى البلدان إلى السيطرة على موارد الطاقة ومنع خصومها في الوقت عينه من الوصول إلى هذه الموارد.