أوّل الكلام آخرُه:
- تستمرّ الاحتجاجات في الهند بشأن تعديل قانون الجنسيّة الّذي ينصّ على تسريع إجراءات منح الجنسيّة ولكنّه يصرّح باستبعاد المسلمين تحديدًا من هذه الإجراءات.
- ويخصّ القانون الجديد الأشخاص الّذين دخلوا الهند قبل عام 2014 من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش بشرط انتمائهم إلى ستّة أديانٍ محدّدةٍ.
- يرى كثيرون أنّ الحكومة الهندوسيّة القوميّة الّتي يرأسها رئيس الوزراء ناريندرا مودي تحاول تهميش مئتي مليون مسلمٍ في الهند وشيطنتهم.
- تفاقمت التوتّرات الدينيّة والطائفيّة في الهند مع انتشار المعلومات المضلّلة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، والّتي أدّت في كثيرٍ من الأحيان إلى عنفٍ حقيقيٍّ.
في 17 كانون الأوّل/ ديسمبر، خرج المتظاهرون إلى الشوارع ونظّموا احتجاجاتٍ كبيرةً في دلهي للتنديد بقانونٍ مثيرٍ للجدل يُعرف باسم تعديل قانون الجنسيّة، وكانت هذه المظاهرة واحدةً من مظاهراتٍ عديدةٍ شهدتها مدنٌ كثيرةٌ في الهند منذ أن أُقِرَّ هذا القانون في 12 كانون الأوّل/ديسمبر. وبالنسبة للمتظاهرين، فإنّ تعديل قانون الجنسيّة ما هو إلّا الأحدث في سلسلة إجراءاتٍ معاديةٍ للمسلمين اتّخذتها حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. ويرى العديد من الهنود أنّ تعديل قانون الجنسيّة لا ينسجم مع الإطار العلمانيّ الّذي قاد الهند منذ عام 1948، إذ سيغدو الدين عاملًا مؤثّرًا لأوّل مرّةٍ في طلبات الحصول على الجنسيّة الهنديّة. وتتصاعد التوتّرات على نحوٍ متسارعٍ بين 200 مليون مسلمٍ في الهند من جهةٍ وحكومة مودي الّتي تحتفظ بدعمٍ سياسيٍّ واسع النطاق في أنحاء البلاد من جهةٍ أخرىٍ.
ويعدّل قانون الجنسيّة قوانين الهجرة الهنديّة، ويتعرّض في جزءٍ منه إلى أولئك الّذين دخلوا الهند بشكلٍ غير قانونيٍّ قبل عام 2014. ويُمكن الأفراد الّذين قدّموا من باكستان وأفغانستان وبنغلادش على وجه الخصوص التقدّم للحصول على المواطنة بشكلٍ سريعٍ بشرط أن يكونوا من إحدى الديانات الستّ المدرّجة في القائمة، وهي الهندوسيّة والسيخيّة والبوذيّة والجاينيّة والبارسيّة (الزرادشتيّة) والمسيحيّة. وقالت حكومة مودي إنّ هذا القانون يهدف إلى حماية الأقليّات الدينيّة المضطهدة، وإنّ المسلمين لا يحتاجون إلى مثل هذه الحماية من هذه الدول الثلاث. ولا شكّ أنّ بعض الأقليّات الدينيّة كانت قد تعرّضت لاضطهاداتٍ جسيمةٍ من حكومات بعض البلدان مثل حكومتي باكستان وأفغانستان. ولكنّ المحتجّين لا يرون في تعديل قانون الجنسيّة إلّا استبعادًا متعمّدًا للمسلمين يُقدم عليه حزب بهاراتيا جاناتا القوميّ الهندوسيّ لتهميش الهنود المسلمين وشيطنتهم. ويرى بعض المراقبين أنّ حملة حكومة مودي ضدّ المسلمين ما هي إلّا وسيلةٌ لصرف الانتباه عن التحدّيات الحقيقيّة الّتي تواجه الهند بما في ذلك تلوّث الهواء والإرهاب والعنف ضدّ المرأة.
على أنّ الخطاب الّذي استخدمه بعض القوميّين الهنود المتشدّدين، ومنهم زير الداخليّة أميت شاه، في وصف مسألة المهاجرين ولا سيّما المسلمين منهم خطابٌ تحريضيٌّ يعيد إلى الذاكرة الخطاب المستخدم قبل الإبادة الجماعيّة الّتي حصلت في رواندا عام 1994. ووصف الوزير شاه المهاجرين بـ«النمل الأبيض» في محاولةٍ منه لتجريدهم من إنسانيّتهم. وجاء تعديل قانون الجنسيّة في وقتٍ تسوده توتّراتٌ متفاقمةٌ بين المسلمين والحكومة. وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أصدرت المحكمة الهنديّة العليا قرارًا يسمح ببناء معبدٍ هندوسيٍّ في بلدة أيوديا وذلك على أرضٍ كانت تحتوي على مسجدٍ. وكانت قضيّة أيوديا عالقةً لعقودٍ، ومن الصعب إدراك أهميّتها الرمزيّة ولا سيّما لحزب بهاراتيا جاناتا وهو الحزب السياسيّ الأكبر في البلاد. وتفاقمت التوتّرات الدينيّة والطائفيّة في الهند مع انتشار المعلومات المضلّلة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، والّتي أدّت في كثيرٍ من الأحيان إلى عنفٍ حقيقيٍّ.
وفي آب/ أغسطس الماضي، ألغت الحكومة الهنديّة امتياز الحكم الشبه الذاتيّ الّذي كانت تتمتّع به ولاية جامو وكشمير، وهي خطوةٌ مثيرةٌ للجدل بشكلٍ كبيرٍ. وأشار داعمو هذا القرار أنّ تصويت المجلس النيابيّ على تعديل المادّة 370 من الدستور كان أمرًا ضروريًّا من أجل إدماج هذه الولاية المتنازع عليها ضمن القوميّة الهنديّة. وتبع التصويت على هذا القانون على الفور حملةٌ من الاعتقالات والاحتجاجات الواسعة. وفضلًا عن ذلك حجبت الحكومة الهنديّة شبكة الإنترنت في المنطقة لمدّةٍ بلغت حتّى الآن قرابة الـ140 يومًا، الأمر الّذي وصفته مجموعة الضغط Access Now بأطول فترة حجبٍ يقدم عليها بلدٌ ديمقراطيٌّ. وزعم مسؤولون هنديّون بأنّ حجب النفاذ إلى الإنترنت ساعد في تجنّب أعمال العنف الّتي قد تأتي ردّة فعلٍ على هذا التصويت، غير أنّ هذا يبقى في أحسن الأحوال تسويغًا مشكوكًا فيه. ويعيش اليوم قرابة سبعة ملايين إنسانٍ في وادي كشمير من دون شبكة الإنترنت. واعتمدت الحكومة الهنديّة هذا الإجراء هذا الأسبوع في دلهي، فحجبت شبكة الإنترنت مؤقّتًا. ويخشى المشرّعون من الآثار السلبيّة الّتي يمكن المظاهرات أن تخلّفها في التجارة والسياحة، ولكنّ المظاهرات لم تتوقّف برغم ضغط السلطات. ولا أفق للتخفيف من التوتّرات في الهند على المدى القصير، ويبدو أنّه ما من محاولاتٍ جادّةٍ لوضع خارطة طريقٍ لاجتراح حلولٍ مستقبليّةٍ للأزمة الهيكليّة العميقة والمتفاقمة الّتي تشوب العلاقات بين الهندوس والمسلمين. ولفترةٍ طويلةٍ قبل أن يُصبح رئيسًا للحكومة، استخدم مودي هذه التوتّرات أداةً سياسيّةً، وقد وُجّهت إليه انتقاداتٌ شديدةٌ بسبب طريقة تعامله مع أعمال العنف المعادية للمسلمين وأعمال القتل الجماعيّة الّتي حصلت في غوجرات حيث كان الوزير الأوّل آنذاك. أمّا الشعبيّة الحاليّة الّتي تحظى بها حكومة مودي فتعكس الدعم الشعبيّ الكبير لنظرته القوميّة الهندوسيّة المتشدّدة، وهي في الوقت عينه تكشف عمق الشرخ الّذي يصعب رتقه بين مختلف شرائح المجتمع الهنديّ.