أوّل الكلام آخره:
- خلال عطلة نهاية الأسبوع، توصّلت الولايات المتّحدة وحركة طالبان الأفغانيّة إلى اتفاق للتحرّك نحو إنهاء الصراع القائم منذ ما يقارب عقدين من الزمن.
- وبموجب الاتّفاق ستمنع حركة طالبان تنظيم القاعدة من استخدام أفغانستان منطلقا لتهديد أمن الولايات المتّحدة وحلفائها.
- يبدو أنّ التمرد يدخل أخيرا مسارا جديدا بعد إنفاق ما يقدّر بنحو تريليوني دولار على إدارة النزاع وبعد مقتل أكثر من ٣٣٥٠ فردا من القوّات الأمريكيّة وقوّات التحالف.
- في حال سحب الولايات المتّحدة قوّاتها المتبقّية على مدى الأشهر الأربعة عشر المقبلة وتعثّر المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانيّة، ستبرز بعض التساؤلات العالقة حول ما يمكن أن يحدث بعد ذلك.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، توصّلت الولايات المتّحدة وحركة طالبان الأفغانيّة إلى اتفاق للتحرّك نحو إنهاء الصراع القائم منذ ما يقارب عقدين من الزمن. ويمثل الاتّفاق تتويجا لأكثر من عام من الدبلوماسية المكوكية بين واشنطن العاصمة وكابول والدوحة في قطر، حيث جرى توقيع الاتفاق. ومع ذلك، فقد تكون المرحلة التالية من العمليّة، وهي المتعلّقة بالحوار الأفغانيّ الداخليّ، هي المرحلة الأصعب، ومن المقرر أن تبدأ مبدئيّا في ١٠ آذار / مارس. وكان نهج إدارة ترامب في الاتفاق هو تهميش دور الحكومة الأفغانيّة خلال المرحلة الأولى. ويأتي الاتفاق فى أعقاب هدنة استمرّت سبعة أيّام أدّت الى انخفاض الهجمات بنسبة ٨٠ بالمائة ومنحت الثقة بأن طالبان جادّة في السعي للتوصّل إلى تسوية سلميّة حقيقيّة عن طريق التفاوض. وجرى توقيع الاتفاق المعنون «الاتفاق لإحلال السلام في أفغانستان» في الدوحة بين زلماي خليل زاد، المبعوث الخاص للولايات المتّحدة، والملا عبد الغني برادر، كبير مفاوضي طالبان، بحضور وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو. كما سافر وزير الدفاع الأمريكيّ مارك إسبر إلى كابول، لطمأنة الحكومة الأفغانيّة إلى أن واشنطن ملتزمة بالكامل بدعم القيادة الأفغانية وليست بوارد التخلّي عنها في هذه المرحلة الحرجة من العمليّة.
وينصّ الاتّفاق في أحد بنوده الأساسيّة على ما يلي: «لن تسمح طالبان لأيّ من أعضائها ولا لسائر الأفراد أو الجماعات، ومنها تنظيم القاعدة، باستخدام أراضي أفغانستان منصّة لتهديد أمن الولايات المتّحدة وحلفائها». ولم تؤد مناقشة الملحقات غير المعلنة للاتفاق إلا إلى زيادة الغموض على ما يعده كثيرون من أهم جوانب الصفقة، وهو ما يتعلّق بالآليّات المعتمدة للتحقق من التزام طالبان بمسؤولياتها ومنها حرمان القاعدة من ملاذها. فقد بايع زعيم القاعدة أيمن الظواهري قيادة طالبان نيابة عن جميع أعضاء القاعدة، وهذا بحدّ ذاته يشير إلى متانة الصلة بين هذه الجماعات. وتعتزم الولايات المتّحدة خفض عدد القوات بانسحاب تدريجي. وسينخفض المستوى الحالي من ١٣٠٠٠ إلى ٨٦٠٠ جندي خلال الأيام الـ ١٣٥ المقبلة، على أن ينسحب الباقون على مدى ١٤ شهرا.
وبعد إنفاق ما يقدر بنحو تريليوني دولار على النزاع ووفاة أكثر من ٣٣٥٠ جنديا من قوّات الولايات المتّحدة ومن قوات حلف شمال الأطلسي وقوات التحالف (منهم ٢٤٠٠ فرد من الولايات المتّحدة)، يبدو أنّ التمرد يدخل أخيرا مسارا جديدا. ومنذ عام ٢٠٠٩، سقط أكثر من مئة ألف ضحية من المدنيين الأفغان، منهم ٣٥٠٠٠ قتيل و٦٥٠٠٠جريح. كما قتل عشرات الآلاف من قوّات الأمن الأفغانيّة خلال النزاع على الرغم من صعوبة إحصاء العدد الدقيق. ولا تزال أفغانستان تواجه تحديات كبيرة، من فساد حكومي شنيع واقتصاد يعتمد بشكل كبير على المعونة الدولية للبقاء. على أنّ ضخ المعونات هذا عامل أساسيّ في إدامة الحلقة المفرغة للفساد التي تزعزع الثقة في الحكومة الأفغانيّة وتساهم في منح المشروعية لمجموعة من الجهات الفاعلة العنيفة غير الحكومية، ومنها جماعات مثل طالبان.
ويستند الانسحاب إلى التزام طالبان بضمان ألّا تسمح لتنظيم القاعدة بالتمتع بملاذ آمن في أفغانستان، على الرغم من أن طالبان كذبت مرات عديدة بشأن طبيعة علاقتها بتنظيم القاعدة ونطاق هذه العلاقة. وإذا سحبت الولايات المتّحدة قواتها المتبقية خلال الأشهر الأربعة عشر القادمة وتعثرت المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانيّة، ستبرز بعض التساؤلات العالقة حول ما يمكن أن يحدث بعد ذلك. ومع انخفاض الحضور الأمريكي بشكل كبير واحتمال عودة أفغانستان إلى حرب أهلية شاملة، فإن هذا يزيد من احتمال اجتياح المجرمين والمتمردين والإرهابيين للبلاد مرّة أخرى، من جماعات مسلّحة أخرى مثل شبكة حقاني وتنظيم ولاية خراسان التابع لداعش، فضلا عن تنظيم القاعدة. ولتجنب حصول هذا السيناريو، ستحتاج واشنطن إلى الاحتفاظ بالحدّ الأدنى اللازم للمكافحة الفعالة للإرهاب، ويشمل ذلك أجهزة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فضلا عن القدرة على منع الجماعات الإرهابيّة من استخدام أفغانستان نقطة انطلاق للقيام بعمليّات خارجيّة ضد أهداف إقليميّة ودوليّة.