أوّل الكلام آخره:
- أضعفت الجهود السعودية لاستعادة هيمنتها على إنتاج النفط العالمي القوى الاقتصادية الإقليمية خلال أزمة جائحة وباء كورونا.
- قد يضعف الانخفاض الكبير في أسعار النفط من قدرة بلدان الخليج الفارسي على توفير الأموال للحكومات الإقليمية الأكثر فقرا التي تعتمد على التبرعات لمكافحة تفشي وباء كورونا.
- إنّ إستراتيجية النفط السعودية موجهة في المقام الأول ضد روسيا، ولكن سيكون لها آثار كبيرة على منتجي النفط في الولايات المتحدة.
- توتّرت العلاقات الأمريكية السعودية بسبب تداعيات قرار الرياض زيادة إنتاج النفط بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكي.
في خضم المكافحة العالمية لوباء كورونا، فشلت محاولات روسيا والمملكة العربية السعودية في أوائل آذار / مارس في تكييف مستوى إنتاج النفط العالمي مع الانخفاض الحاصل في مستوى الطلب الاقتصادي. وعليه، انهار تحالف ضمني دام ثلاث سنوات بين منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، التي تعد المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط فيها، وبين روسيا التي تعدّ من أكبر الدول المنتجة للنفط. وحصل ذلك نتيجة رفض روسيا خفض الإنتاج على أساس أن القيام بذلك سيعود بالفائدة الكبيرة على منتجي النفط الأمريكيين الذين جعلوا من الولايات المتحدة قوة رئيسية للطاقة من خلال تحسين قدراتهم على استخراج النفط الصخري. وردت المملكة العربية السعودية على انهيار تحالف أوبك وروسيا مباشرة بخفض أسعار النفط الخام المصدرة للصين والإعلان عن زيادة كبيرة في الإنتاج من ٩,٥ مليون برميل يوميا إلى ما يقارب ١٢ مليون برميل. وأشار مسؤولون سعوديون إلى أن هذه الخطوات تهدف إلى إعادة روسيا إلى طاولة المفاوضات لإقرار إستراتيجية جديدة لخفض الإنتاج. ولكن التأثير الصافي للإجراءات السعودية أسفر عن انهيار أسعار النفط العالمية إلى أقل من ٢٠ دولارا للبرميل بحلول نهاية آذار / مارس، مسجّلا بذلك أدنى مستوى له منذ ٢٠عاما.
ومن المرجح أن تعيق حرب الأسعار بين السعودية وروسيا جهود مكافحة وباء كورونا. وتعد المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج الفارسي، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والكويت، من أكبر الدول إنتاجا للنفط أما قطر التي أعلنت انسحابها من أوبك عام ٢٠١٩، فهي تعد مصدّرا رئيسا للغاز الطبيعي الذي انخفض سعره بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط. وقد استخدمت الدول الخليجية الأربع عائداتها الوفيرة عبر التاريخ من النفط والغاز لدعم العديد من الدول العربية الأخرى مثل الأردن ولبنان ومصر والسودان، فضلا عن الاستثمار في البلدان الحدودية للمنطقة ومنها أفغانستان وباكستان والصومال وإريتريا وإثيوبيا. كما تقدم دول الخليج كميات كبيرة من المساعدات لملايين اللاجئين والنازحين نتيجة مختلف الصراعات في المنطقة. وتتصارع كل هذه الدول الإقليمية مع التكاليف الهائلة لمحاربة وباء كورونا، وتعدّ دول الخليج محورية في هذا السياق فهي ما فتئت تقدّم الدعم المالي المطلوب لهذه الدول ولكن الانخفاض الحاد في أسعار النفط والغاز قد يجعلها متردّدة في فعل هذا اليوم.
وسيضع السعر الحالي للنفط جميع ميزانيات دول الخليج في عجز عميق كما سيجبرها على السحب من صناديق الثروة السيادية التي بدأت تنضب. ولا تستطيع الجهات المانحة الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التعويض عن أي نقص خليجي في التمويل لأنها تتحمل تكاليف هائلة لتحقيق الاستقرار في اقتصاداتها خلال فترة الأزمة. وفي ٢٧ آذار / مارس، أعلنت الولايات المتحدة عن تبرعات عالمية لأزمة كورونا بقيمة ٢٧٤مليون دولار، منها ٤٠ مليون دولار فقط ستقدّم إلى بلدان الشرق الأوسط التي تحتاج إلى أكثر من هذا بكثير.
وقد ألحقت حرب الأسعار بين السعودية وروسيا بالفعل خسائر فادحة بمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، لدرجة أن إدارة ترامب ضغطت على كل من المملكة العربية السعودية وروسيا لإنهاء النزاع. ويهدف التدخل الأمريكي، الذي يمثل ابتعادا عن معارضة الولايات المتحدة السابقة لإدارة أوبك لعمليّة الإنتاج، إلى حماية منتجي النفط المحليين في الولايات المتحدة الذين يتحمل معظمهم أعباء ديون كبيرة. ومن شأن تخلف منتجي النفط الصخري عن سداد الديون في الولايات المتحدة أن يلحق المزيد من الضرر بالبنوك الأمريكية المثقلة أصلا بسبب الركود الناجم عن أزمة كورونا. وقد أضيفت هذه التداعيات الاقتصادية للنزاع النفطي السعودي الروسي إلى لائحة إحباطات إدارة ترامب من الإجراءات المتهورة التي غالبا ما يقوم بها الحاكم الفعليّ للسعودية ولي العهد محمد بن سلمان. وقد ارتفعت أصوات عديدة تدعو إدارة ترامب للنأي بنفسها عن محمد بن سلمان نتيجة لإستراتيجية النفط السعودية الجديدة.